حديث المدينة نجوم .. وغيوم ..!! عثمان ميرغني بعد خمسين عاماً.. من الآن.. أي في تخوم (2060).. عندما يصبح كل هذا الذي نعيشه الآن في كنف التاريخ.. ومحاضرات يدرسها الطلاب في الجامعات ودروساً لتلاميذ التعليم العام.. ترى من يذكره تاريخنا ويظل جذوة مضيئة رغم انطفاء العمر والأيام.. في تقديري.. لن يذكر التاريخ من أيامنا هذه سوى رجلين.. الدكتور حسن الترابي.. والسيد الإمام الصادق المهدي.. لماذا ؟ سأقول لكم.. مفردات الأحداث التي نعيشها في حاضرنا تنقسم إلى اثنتين.. الأولى أحداث يصنعها الرجال.. ورجال تصنعهم الأحداث.. والثانية رجال يصنعون الحاضر ويرسمون خيوط المستقبل.. ولتقريب الفكرة.. لنأخذ بعض الشخصيات المعروفة التي أسهمت في التاريخ الإنساني العربي.. الزعيم جمال عبد الناصر – الرئيس أنور السادات.. الشيخ حسن البنا.. مثلاً. جمال عبد الناصر رجل صنع الأحداث.. بتاريخ مكتظ بالتجارب والنوازل الجسام امتد من الخمسينات حتى مثل هذا اليوم (29 سبتمبر) في العام 1970.. وطويت صفحته وظل صدى رنين ذكراه قوياً بعد رحيله لعدة سنوات، ثم شيئاً فشيئاً ينحسر عنه الضياء إلى أن أصبح في الحاضر مجرد اسم محطة لمترو الأنفاق في القاهرة.. وكذلك الرئيس أنور السادات.. هو رجل صنعته الأحداث.. إذ جاء خليفة لجمال وأنجز نصراً عسكرياً مستحقاً عن جدارة ثم طُويت صفحته في ساحة العرض العسكري برصاص جنوده.. فامتدّ صدى ذكراه بضعة شهور بعده ثم أشرق على مصر عهد جديد.. وتحول السادات إلى اسم لمحطة مترو الأنفاق وضريح من معالم القاهرة في موقع العرض العسكري الكارثة.. لكن الشيخ حسن البنا.. الذي لم يدخل قصر الرئاسة ولا حتى نال شرف أن يكون وزيراً أو وكيل وزارة أسس فكرة.. مجرد فكرة.. لجماعة تعتمد على مرجعية إسلامية في نشاطها السياسي.. ولم يؤلف سوى كتب قليلة بعضها كتيبات صغيرة الحجم (المأثورات) .. لكنه أنضج رؤية وفكرة.. ارتجت لها أركان العالم الإسلامي حتى صارت اليوم (شركة قابضة) ضخمة لها مختلف الفروع والأشكال والمدارس.. من مدرسة الاعتدال الهادئ كما هو في حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا إلى مدرسة أسامة بن لادن الشاهرة للسيف في كل الدنيا.. كلها خرجت من جرة الشيخ حسن البنا.. فطوى التاريخ صفحات الزعماء الذين دانت لهم الرقاب.. بينما ظل حسن البنا في كل مكان وزمان يمتد عبر البلاد والحقب.. ولن يموت.. ما بقيت الفكرة حية.. هنا في السودان.. حسن الترابي ليس مجرد رئيس حزب أو جماعة بل صاحب امتياز فكرة اخترق بها تاريخ السودان.. وليس متاحاً انسحاب دوره، حتى ولو انسحب هو عن الحياة (بعد عمر طويل بالصالحات).. وكذلك الصادق المهدي.. أثرى الحياة السودانية بفكره أكثر من حكمه وحزبه.. فهو باقٍ على مدى إشعاع هذا الفكر.. وكل ما هو غير ذلك.. رجال صنعتهم الأحداث أو أحداث صنعها الرجال.. تمضي وتنطفئ بمجرد زوال الملك.. أو الجسد..!! التيار