دائما يحدث هذا !!. أن يتواتر ظهور الرسل والأنبياء والمهدويون في الأوقات العصيبة ،عندما تطبق الأزمات الطاحنة قبضتها بخناق الناس في أي مجتمع ، أو عندما يتعرض المجتمع لصدمة تفقده توازنه ، فدائما ما يكثر الحديث في مثل هذه الأوقات عن القيامة وعلاماتها الكبرى والصغرى ، وظهور المسيح الدجال ،ومن ثم تتري الرسائل من السماء محذرة ومنذرة. وهذا هو الظرف السياسي والاجتماعي والنفسي الملائم لظهور حاملي هذه الرسائل السماوية .وهذا شئ مألوف ومعروف ومتواتر .ونلاحظ هذه الأيام انتشار وذيوع وغلبة الخطاب الديني بشقيه الرسمي والشعبي وتركيزهما على علامات الساعة الصغرى والكبرى وأهوالها. ولكن هذه الظاهرة نفسها تمثل علامة من علامات اليأس والقنوط والإحباط والاغتراب عن الواقع ، وهي تضمر، أو تعكس رغبة لاشعورية في الهروب والانتحار المعنوي ، وهذه فيما هو واضح هي أنسب الأوقات التي ينتشر فيها "التدين السلبي" وتنتعش فيه تجارة الدين ك"مسكّن" للآلام النفسية الحادة ، ذلك الضرب من التدين الذي فيما نظن دفع ماركس لأن يطلق مقولته بأن "الدين أفيون الشعوب" إذا صح أنه قال ذلك، لأنني لم أجد في مطالعاتي ما يؤكده. لذا لم أتعجب كثيرا حين قرأت عن "مهدي السودان" الجديد الذي ظهر ب "حي الأزهري" وهو أحد الأحياء الشعبية جنوب العاصمة الخرطوم ، فقد سبقه مهدويون كثر وعيسويون هنا وهناك في المنطقة العربية، وقبل شهور من ظهور "نبي الأزهري" ظهر في المدينةالمنورة غير بعيد من قبر خاتم الأنبياء والرسل ، عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم ، رسول جاء ليؤدي مناسك العمرة من المغرب فهبط عليه الوحي هناك !. وفي السودان أيضاً ،وبعد سقوط دولة المهدية نهاية القرن التاسع ومطالع القرن العشرين، على يدي جيوش الغزو الانجليزي المصري وموت خليفته عبد الله في أقصى غرب السودان ب "أم دبيكرات" ،ظهر عدد هائل من المتنبئون والمهدويون والعيسويون في السودان ، وأذكر أنني عددت ما لا يقل عن خمسة عشر منهم في كتاب مكي شبيكة "السودان في قرن". وكما ترى فان خارطة ظهور هؤلاء الأنبياء والرسل والمهدويين تتوزع على الخارطة العربية لا تستثني إقليما دون إقليم ، فحتى في مهبط الوحي نفسه ظهر مهدي منتظر مسلح هو محمد بن عبد الله القحطاني والذي تمكن بالفعل من احتلال الكعبة المشرفة في عام 1979 بقيادة جهيمان بن عبد الرحمن العتيبي . إلا أن ما يثير الدهشة حقا هو ما بعثت السماء في أرض الكنانة مصرا ،فقد أبت "أم الدنيا" إلا أن تؤكد ريادتها الحضارية لتُخرج للناس أول "رسول أنثى ،" بعد "سجاح" التميمية التي تنازلت عن نبوتها لمسيلمة بن قيس بعد ليلة حمراء أقنعها فيها "أداءه" الجنسي بأحقيته للانفراد بالنبوة وقال فيها شاعرهم : أضحت نبيتنا أنثى نطوف به وأصبحت أنبياء الناس ذكرانا. الرسولة المصرية التي نشرت قصتها مجلة 'آخر ساعة' في تحقيق لأحمد الجمال، الذي قابلها في منزل أسرتها في البدرشين بمحافظة الجيزة، واسمها الكامل إيمان أبو بكر مصطفى شافعي الطويل تعمل مترجمة ومعلمة بمدرسة البدرشين الصناعية بنين، تخرجت في قسم التاريخ من جامعة القاهرة، ثم كلية التربية جامعة حلوان قسم اللغة الانكليزية 2005 ، و في كلية التعليم المستمر قسم الترجمة الفورية من الجامعة الأمريكية 2008 ، كم أنها عضو بنقابة المعلمين ، وعضو في جمعية المترجمين المصرية 'إيجيتا' التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي، وقد قامت بترجمة ثلاثة كتب هي 'نجاح بلا قيود' لنيك وليام و'مفتاح النجاح' لويليام جيلفور، وكتاب ثالث بعنوان "السحر وعلم الإعداد" لفياس ليفي. تحكي إيمان قصتها مع الوحي قائلة " ذات يوم سمعت صوتاً يخبرني بأنني رسول وأنا قصتي هي قصة أيوب عليه السلام حيث ابتلاه الله بالشيطان وتسلط عليه فترة غير قصيرة من الزمن ، وأنني مثله في هذا الأمر ، فارتحت قليلا رغم شدة ما كنت أعانيه من ألم بسبب إجرائي لعملية جراحية ، فقد كنت أعاني وقتذاك من ارتجاع المريء والمرارة وظللت طريحة الفراش لفترة ، وكان الشيطان يكيد لي ويدفعني للانتحار لولا هذا الصوت الذي أتاني وأعلمني أنني رسول!" . وتزيد إيمان الأمر إيضاحا بقولها "أنا رسول أصلح ما حدث للقرآن الذي نزل به النبي محمد من تحريف، واستكمل بعض أمور الدين التي طرأت في العصر الحديث مثل قضية الربا والبنوك التي هي غير واضحة للكثيرين، أشكك في النص القرآني بصيغته الحالية! لكن لا أستطيع أن أتحدث عن بدائل للنص الحالي سوى بسورة واحدة وهي سورة الإخلاص وتعديل واحد وليس أخيرا، إن نهاية السورة هي كلمة 'كفوا أحد' وهذا خطأ وصحيحها 'كفؤاً أحد' لأنها تعني أن الله ليس له مماثل يوازيه ويساويه، أما لفظة 'كفواً' كما هي واردة في النص الحالي فتعني أن لا يكفيه شيء من الكون والله حر في كونه سواء كان يكفيه أولا"!!. ألم نقل أن وراء هذه النبوات والرسالات دائما خطب ما، أو مشكلة أو أزمة ما ،وتجربة لم يستطع الفرد ،أو الجماعة ،امتصاصها والتكيف معها أو تحملها ؟ . وهذا يذكرني بزميل وصديق في مهنة المتاعب هذه ،أصابته حمى الملاريا بالهذيان ، ورغم أن سخونة جسمه الخارجية قد بردت ، إلا أن آثار الحمى في رأسه كانت لا تزال مشتعلة فيما أظن ، فأخذ يتحدث عن رسالة ما أتته عبر هاتف سماوي ما. ليست المشكلة في الرسالة التي "أوحتها" حمى الملاريا ، المشكلة أن بعض الزملاء في الصحيفة أخذ بجدية يفكر في مدى مصداقية "مشروع النبي" هذا !!. إلا أنه شفي من الملاريا وآثارها الجانبية ، وإلا لكان أول رسول أو نبي يبعث بين قبيلة الصحفيين. [email protected]