نصوص دستورية ناصعة ضد قوانين متعارضة......آليات غير مستقلة اضعفتها المصالح المتداخلة بقلم:- محمد حسين موسي [email protected] فى العام 1948 اتخذ العالم من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا تاريخيا بتبني الإعلان العالمي لحقوق الإنسان باعتباره المرجعية الدولية لتحديد الحقوق المعترف بها و التي يجب أن تحترم وتعزز لجميع بني البشر دون تمييز، الحد الأدنى من الحقوق الإنسانية لتوفر الظروف المناسبة لتحقيق التنمية والعدالة والمساواة والسلم والأمن الدولي ، فكان الاعلان العالمي لحقوق الانسان الجزء الأول من الشرعة الدولية ويشكل أول مرجع دولي في العصر الحديث لتعزيز حقوق الإنسان على مستوى الإنسانية جمعاء ثم صدرت الشرعة الدولية 1969 و توالت الى ان صدرت اتفاقيات خاصة بالأطفال , اللاجئين , العمال المهاجرين , المرأة , التعذيب الخ. و على الجانب الاخر اخذ القانون الدولى الإنساني يتطور بنفس الوتيرة ,حتى شمل باتفاقياته كل القضايا المرتبطة بالحرب و ادواتها. لم يكن سجل حقوق الانسان فى السودان ناصعا طوال تاريخه السياسي الحديث , حيث تعاقبت عليه انظمة حكم عسكرية مجتمعة فاقت الاربعين عام. فمنذ الاستقلال كانت الحرب الاهليةفى جنوب السودان البيئة الخصبة للانتهاكات الجسيمة التى تعرض لها المدنيين. فمات خلالها قرابة الاثنين مليون شخص، و نزح حوالى اربعة مليون، و لجأ الى دول الجوار مئات الالاف بعدما تعرضوا لكل صنوف القهر و الاستبداد. و بعد كل هذه الحصيلة المرة تحاشي طرفي اتفاق نيفاشا تأسيس نظام عدالة انتقالية يضمن محاكمة المتورطين فى هذه الجرائم. وإذا أردنا أن نؤطر لمحفزات انتهاكات حقوق الانسان فى السودان فنجد أن اساليب الوصول الى السلطة والممارسات التي تأتي عقب ذلك كانت على الدوام هي المدخل لفظائع و جرائم طالت المدنيين و العسكرين علي السواء. فلم يحاكم احد على جرائم الجزيرة ابا، مجزرة بيت الضيافة، مجزرة الضعين، و التشفي ما بعد احداث امدرمان...الخ. فغياب الديمقراطية و الانتقال السلمى للسلطة سبب أساسي فى بروز حكام دكتاتوريين و متسلطين استأثروا بالسلطة، و نكلوا بخصومهم و المواطن إيما تنكيل و فرضوا واقع معقد انعدمت معه الحريات العامة و ساد فيه القهر. أيضاً تأتي في سياق هذه المحفزات الخلل الماثل فى تركيبة الدولة و بنيتها الهيكلية والذي ساهم بدوره فى تفاقم الانتهاكات المنظمة للحقوق الجماعية لبعض الفئات الاجتماعية و العرقية بزريعة المصلحة العامة مثلا تهجير المتأثرين بالسدود و انتزاع اراضيهم، او بسبب عدم عدالة توزيع ثروات البلاد و بسط الخدمات مما فاقم من أزمة اختلال ميزان العدالة الاجتماعية. فانقسم حيال ذلك المواطنين السودانيين الى طبقتين احداهما موغلة فى العوز و الفقر و الحرمان و هذه حزب الاغلبية و الاخرى تشمل طائفة الاقلية المترفة المرفهة المنعمة بحقوق الاغلبية و هذه الاخيرة مقترنة على الدوام بالسلطة. إضافة الى ذلك ولكي تستمر هذه المكاسب غير المشروعة عمدت الفئة المنتفعة إلي افتعال الحروب بغرض ابادة بعض الشعوب، وتوسيع دائرة عدم التوازن في التنمية. فأصبح السودانيون بذلك يعانون انتهاكات منظمة لحقوقهم الفردية و اخرى على مستوى حقوقهم الجماعية مثل الحق فى التنمية و الحق فى البيئة النظيفة و الحقوق الجماعية المرتبطة بالثقافة و اللغة، وبذلك يمكن الآن تعريف السودانيين بأنهم الشعب الذي لم يعرف طريقه وينال حظه من التكريم بما يسمى حقوق الإنسان . وبالرغم من ذلك، نجد أن السودان قد صادق على حزمة من الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الانسان او القانون الدولى الإنساني، لكنها لم تُضمن فى القوانين الوطنية بشكل واسع الا بعد توقيع اتفاقية السلام الشامل لتى كانت نقطة تحول فى مجال موائمة القوانين الوطنية مع الاتفاقيات الدولية. ونتيجة لذلك صدر الدستور الانتقالي لسنة 2005، والذى يعتبر من الناحية النظرية افضل دستور سوداني اهتم بقضايا حقوق الانسان. لكنه من الناحية العملية فشل فى إحداث تحول إيجابي واقعى و ملوس على حالة حقوق الانسان. و برغم المبدأ الفقهي المعروف ان الدستور هو قمة هرم القوانين او ابو القوانين و انه لا يجوز ان يتعارض أي قانون مع الدستور. الا ان كثير من القوانين السارية الآن تتعارض مع نصوص و روح هذا الدستور. مثل قانون النظام العام الذى يجرم بنصوص غير منضبطة تخضع للتقدير الشخصي لرجال القانون (الاعمال الفاضحة ). رغم عدم وجود تعريف لهذا النصوص في الدستور!! أيضاً مثل القوانين التى تصادر الحقوق و الحريات العامة، مثل قانون الامن الذى يُجوز الاعتقال و التحفظ من غير اذن النيابة، كذلك قانون الصحافة و المطبوعات الذى يحظر حرية التعبير و النشر فى القضايا التى لاتتسق و سياسات النظام .....الخ. وبهذا هل نحن دولة قانون؟ إذا عرفنا دولة القانون هي الدولة التى تتقيد بدستورها و تمنع تعسف السلطة، فتُفعل الشفافية و تعزز سيادة القانون و توفر المصداقية. وسيادة حكم القانون هو أن يكون جميع الاشخاص و المؤسسات الخاصة منها و العامة، بما فيها الدولة يخضعون للقانون المستقل بشكل متساوي. وهذه القوانيين يشترط فيها ان تكون منسجمة مع مبادئ و أنماط و معايير العدالة، فيضُمن معها سمو القانون، المساواة امام القانون، المحاسبية، النزاهة في تطبيق القانون، الفصل بين السلطات، المشاركة في صنع القرار، وحدة روح القانون، الشفافية و تجنب التعسف، و الوصول للعدالة مع التجانس بين كل القوانين. نظام يذعن له الوزير و الخفير! هذه القيم و المبادئ تكاد تكون معدومة فى نظامنا العدلي و القانوني، و بسبب هذه التجاوزات الماثلة تزحزحت ثقة المواطنين بالنظام القضائي القائم. خاصة بعد تنامى ظاهرة الافلات من العقاب و تداخل السلطات و الاختصاصات و تعارض القوانين. وفى مثل هذه الظروف ليس غريباً ان يستشرى الفساد فى كل مفاصل الدولة، و تُكسّح آليات محاربته، بل يتدخل أصحاب النفوذ للتستر على بعض المجرمين او تعويق و عرقلة سير العدالة. لذا كان متوقعاً ان يصطدم ابو قناية بالأرضية الصلبة التى ينتصب عليها هذا الغول، ومازلنا نراقب يومياً تطبيق القانون بشكل انتقائي و تجزيئي على البؤساء ضعيفي السند والظهر. فصارت الحكومة المتحكم و المسيطر الأوحد علي تشكيل القانون حسب رغبتها ومصالحها، وأصبح الشعب عبارة عن اغنام تهشهم وتسوقهم أينما شاءت تارة بعصا الدين و تارة بعصا القبلية. وللخروج من هذه الإنتهازية وإستغلال القانون لا بد من تفعيل الدور الذي تلعبه المنظمات الحكومية و غير الحكومية في تطوير المفاهيم والآليات الخاصة بحقوق الإنسان على المستوى الدولي والإقليمي والمحلي. و يبقى أن رعاية حقوق الإنسان لا يمكن أن تنتهي بانتهاء مرحلة تنظيم وتصنيف القوانين. و لذلك تعتبر عملية مراقبة مدى تنفيذ هذه المعاهدات مسارا آخرا ذا أهمية في مجال التعاون الدولي فبدونه لن تتمكن كل هذه المساعي إلى بلوغ الغايات المرجوة. و من المعروف أن هناك مجموعة من الإجراءات والخطوات العملية التي يجب القيام بها لمحاصرة ووقف هذه الانتهاكات ، فتبدأ بالضغط والعمل على إصدار القوانين الخاصة بحقوق الإنسان، وتضمين القوانين ذات العلاقة بنودا تنص على حقوق الإنسان، كالحق في التعليم والعمل والرعاية الصحية وأهمها العيش بحرية وكرامة. ومن ثم تشكيل الأجسام والهيئات الرسمية (المحايدة) وكذلك الهيئات غير الرسمية لضمان تمتع الإنسان بهذه الحقوق و لضمان ذلك، أوجدت الهيئات الدولية المختلفة وعلى رأسها الأممالمتحدة مجموعة من الاتفاقيات الدولية التي يتم التوقيع عليها لمن يرغب من الدول مثل، ( اتفاقية حقوق الطفل ، حقوق المرأة ، اتفاقية وقف التمييز العنصري وغيرها). و لضمان تطبيق هذه الاتفاقيات على ارض الواقع، أنشات الأممالمتحدة مجموعة من الهيئات و اللجان والآليات الخاصة لتطبيق ومتابعة تنفيذ الدول لنصوص وبنود هذه الاتفاقيات على الأرض، كذلك لضمان تعديل وتطوير القوانين المحلية بما ينسجم معها. إن من بين الصور الأكثر شيوعا للآليات الحكومية الوطنية لحماية حقوق الإنسان علي وجه الخصوص ما يلي أولا:- الآلية القضائية وعلي رأسها المحاكم الدستورية، ثانيا:- هناك الأجهزة المتخصصة أي تلك التي يتم إنشاؤها أساسا للأضطلاع بمهام المتابعة والرقابة في مجال حقوق الإنسان كإنشاء وزارة مستقلة أو إنشاء إدارة خاصة بحقوق الإنسان يتم إلحاقها بإحدى الوزارات كوزارة الخارجية، او انشاء مفوضية مستقلة لحقوق الانسان بالإضافة إلي بعض الأجهزة النوعية الأخرى. فى الآونة الأخيرة صار المجتمع المدني ومنظماته يلعب دورا كبيرا فى مراقبة و مناصرة أوضاع حقوق الانسان فى البلاد المختلفة. وإلي جانب هذه الواجبات التي يقوم بها المجتمع المدني وحمايتة لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية في مواجهة الانتهاكات التي تستهدف المجتمع علي المستوي الداخلي، هناك أيضا الحماية الدبلوماسية للانتهاكات التى يرتكبها طرف غير وطني، وهذه ايضا مهمة خاصة جدا. ومثال لذلك الحروب الأهلية فى السودان التي شردت آلاف السودانيين كلاجئين وبالتالي أصبح أمر حمايتهم بموجب القانون مسئولية مشتركة ما بين الدولة الوطن و الدولة المستضيفة و مؤسسات الحماية الدولية بالإضافة إلي المجتمع الدولى، فتنسيق هذه الجهود يحتاج الى عمل دبلوماسي كبير. من بين الاليات الوطنية السودانية لحقوق الانسان، المجلس الاستشاري لحقوق الانسان الذي تم انشاءؤه بناءا علي قرار مجلس الوزراء السودانى لسنة 1992 باسم (لجنة تنسيق حقوق الانسان)، قبل ان يصدر مجلس الوزراء القرار رقم 97/1994 بتغيير اسمه ومهامه الى (المجلس الاستشاري لحقوق الانسان) والذي يرأسه وزير العدل ويتبع لوزارته. و يدير أعمال المجلس بحسب القانون شخص يحمل لقب (مقرر). وبهذا يفترض أن يكون المجلس أحد الآليات القوية التي تعمل على حماية حقوق الانسان خاصة فى غياب مفوضية لحقوق الانسان فى السودان طيلة السنوات الماضية وقد تم تكوينها حديثا. لكن الذي يحدث في أرض الواقع هو العكس فإن المجلس الآن يلعب دور المدافع و المبرر لسلوك اجهزة الدولة المنتهكة لحقوق الانسان، وأصبح معظم دوره ينصب فى إعداد التقارير الدورية لإتفاقيات حقوق الانسان التي وقع عليها السودان محاولا تبييض الملفات السوداء من الانتهاكات الممنهجة و المنظمة التي يرتكبها النظام، أضافة إلي تقديمه المشورة الفنية لأجهزة الدولة. في الجانب الآخر فإن (اللجنة الوطنية للقانون الدولى الإنساني) التي يرأسها أيضا وزير العدل، يفترض حسب قانون إنشاؤها أن تقوم بمراقبة انتهاكات القانون الدولى الإنساني، و لكنها لم تختلف عن أختها المستشارية فى عدم اللامبالاة والقيام بالتبرير لكل الإنتهاكات التي تتم. وبالتالي نجد الحكومة تصر على هذه الاستراتيجية (الانكار) و كأنها تجهل دور بعثتي الاممالمتحدة لحفظ السلام فى السودان المنتهية ولاياتها والموجودة فى دارفور (يونمس و يوناميد) أنَ من ضمن مهامها رصد وتوثيق إنتهاكات حقوق الإنسان يساعدها في ذلك إمكانيات بشرية و تقنية مهولة، يضاف إليها جهود عشرات المنظمات الدولية و السفارات الأجنبية و المئات من الناشطين. في ظل هذا الوضع، من غير المنطقي والواقعي الحديث عن مؤسسات لحقوق الانسان تنشئها و تديرها و تمولها الحكومة، ويصير المتهم قاضيا و جلادا!! فالتجربة أثبتت ان هذه المؤسسات غير مستقلة و تقع تحت سيطرة وتأثير الحكومة و لذلك لا تستطيع أن تلعب اى دور محايد و إيجابي لتحسين اوضاع حقوق الانسان فى البلاد. و كانت فى معظم الاحوال تلعب دور أكثر سلبية، دور المحامي المتمرس و المقتدر الذى يستغل الثغرات و يستخدم الحيل لإنقاذ موكله من الإدانة. فمثلا في فعاليات مؤتمر مجلس حقوق الانسان الدولى الذى ينعقد فى جنيف بشكل دوري، تقوم الحكومة بإيفاد افواج من كفاءاتها و خبراتها فى هذا المجال خاصة منتسبي هذه المؤسسات المذكورة اعلاه، لنقد و ضهد التقارير الدولية عن حالة حقوق الانسان فى السودان و يستخدمون في ذلك أساليب تميل الى الهتر و المغالطات الغريبة فى ايصال وجهة نظرهم. وكان الأحرى بهم بذل هذا الجهد للتقليل من الانتهاكات االجسيمة والفظائع التي ترتكب فى السودان، فمن غير أي اجتهاد يستطيع اى من القراء اعداد قائمة طويلة من الانتهاكات التى يتعرض لها المواطن السودانى طوال حقبة هذا النظام. أخيرا، وبعد سبعة سنوات إستغرقها رئيس الجمهورية ليصدر مرسوما جمهوريا بتشكيل مفوضية لحقوق الانسان فى العام 2012، وكان يجب تأسيسها بعد اجازة الدستور الانتقالي فى العام (2005) حسب نص المادة(241)، والتي تنص فيما معناه ان ينشئ رئيس الجمهورية مفوضية لحقوق الانسان تتكون من خمسة عشر عضواً من المشهود لهم بالاستقلالية والكفاءة وعدم الانتماء الحزبي والتجرد. وتكون مستقلة و مراقبة لضمان التمتع بالحقوق والحريات الواردة في وثيقة الحقوق (الباب الثاني من دستور 2005) وتتلقى الشكاوي بشأن الانتهاكات، ويجوز لها تقديم النصح والرأي لأجهزة الدولة فى المسائل ذات الصلة بحقوق الانسان. وأن يكون هناك قانون يحدد اختصاصاتها و لوائح تنظم عملها. هذا التأخير يكشف حقيقة أن الحكومة لم تكن ترحب بفكرة هيئة تراقبها. فلذلك انشأتها و هي متيقنة انها لا تسطيع و لا يمكنها احداث اى فرق على مستوى الأوضاع الراهنة وهذا لسببين:- الاول، أن اغلب عضويتها لم تنطبق عليهم الشروط الموضوعية للإختيار الموضحة فى نص المادة (241)، لان معظمهم مرتبط بالنظام او لا تتوفر فيهم صفة الاستقلالية و الحياد. والثاني، أن الحكومة ليست لديها إرادة سياسية لدعم جهود المفوضية او على اقل الفروض عدم عرقلة عملها و توفير الميزانيات الضرورية لتنفيذ برامجها. وبذلك تعتبر هذه الالية التى أسست، على خطل بائن لا تتماشى مع مبادئ باريس الإرشادية الخاصة بتأسيس و ادارة المؤسسات الوطنية المعنية بمراقبة و حماية حقوق الانسان لسنة 1993م. لقد حاول بعض اعضاءها إبراز قدرتهم على التصدي لسلوك مؤسسها فلم تشفع لهم مواقعهم من تفادى تعسف السلطات، وبحادث اعتقال رئيسة المفوضية تكون الحكومة وأدت الهيئة الوحيدة التى قد تشفع لها امام العالم والضمير الإنساني. أما القضاء الذى نخره السوس، أجد نفسى غير متحمس لمناقشة مواقفه من أعلى هرمه المحكمة الدستورية الى اسفل قاعدته محاكم المدن و الارياف و المحاكم الشعبية. وتلك قصة اخرى سوف نتصدى لها فى موضع اخر. ويبقي أن أحد القضايا المقلقة فيما يتعلق بحقوق الانسان هو تنامى تداخل المصالح و السياسات الدولية مع معايير المسؤولية او درجة الاهتمام بانتهاكات حقوق الانسان. وأصبح من الواضح أن المجتمع الدولى و الأممالمتحدة تستجيب لقضايا حقوق الانسان بدرجات متفاوتة من الاهتمام تختلف من دولة إلي أخرى ومن طائفة الى طائفة و من مجموعة الى مجموعة فتجد المجتمع الدولى يركز على قضية فى أقليم او قضية طائفة معينة، لكنه فى نفس الوقت يغض الطرف عن انتهاكات مشابهة تقع فى مكان آخر! وبالتالي فإن إستثناءات و تصنيفات قضايا حقوق الانسان يحددها دين الضحايا او عرقهم او نوع النظام الذى يحكمهم او صلات حكوماتهم بالدول الكبرى. لقد ظهر هذا جليا فى مستوى التعامل مع الثورة الليبية و اليمنية من قبل الغرب و دعم الصين وروسيا و ايران لبطش الاسد فى سوريا. قد لا تحتاج إلى التفكير بأماكن و انواع الانتهاكات التي تطال حقوق الإنسان في كافة بقاع العالم فما زالت هناك إنتهاكات بالغة، شعوب تتعرض لحروب إبادة جماعية وقتل المدنيين وإعتقالات وتعذيب وسجون يضاف إليها أحكام قضائية غير نزيهة و إغتصاب. وبرغم المبادئ والمؤسسات والأجهزة و المعاهدات والاعلانات و الإتفاقات الدولية لتجنب النزاعات المسلحة وصيانة الحقوق الفردية والجماعية سواء في فترات الحرب أو السلم. إلا أن الأممالمتحدة ومجلس الأمن الدولي و الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية غالبا ما يجدون صعوبات كبيرة في القيام بمهامهم وتحقيق تلك الغايات. ويرجع ذلك مباشرة لقضية المصالح الدولية و النفوذ. فالعملية التي ترك فيها العالم ببساطة حوالى مليون راوندي يقضى نحبه، فقط لانهم رعايا لدولة عديمة الفائدة من ناحية المصالح التي يبحث عنها المجتمع الدولي. في الوقت نفسه مازالت الكنغو ترزح تحت رحمة المليشيات بسبب لعنة الماس التى يتصارع عليها تجار الحرب و الشركات الدولية العملاقة التى ترعاهم. وهذا الفشل المتزايد للأجهزة الدولية شجع أصوات كثيرة ان تعلوا مطالبة بإعادة هيكلة اجهزة الاممالمتحدة و خاصة مجلس الامن الذى شكل على خلفية انتصار الحلفاء فى الحرب العالمية الثانية. فدول مثل البرازيل و المانيا واليابان و الهند جديرة بان تنال دور متعاظم فى مجلس الامن و الساحة الدولية لإحداث توازن نسبى فى هذه الاجسام. أخيراً وإذا نظرنا إلى الجزاءات و العقوبات الاقتصادية والتجارية التي فرضت على العديد من الدول لم تحقق نتائج ايجابية على مستوى استجابة الدولة لهذه الضغوط. بل كانت نتائج عكسية فاقمت من معاناة مواطني تلك الدول. وبالتالي شكلت هى نفسها انتهاك لحقوق الإنسان بدلا من حمايته، وتبين أن تأثيرها يكون فقط على السكان. وفي السودان، ونتيجة للحظر المفروض عليه بعدم الحصول على قطع غيار الطائرات مثلا راح ضحيته عشرات بل مئات السودانيين. وانقسام المجتمع الدولى على نفسه حيال العقوبات المفروضة علي الحكومة السودانية، أوجد هذا الوضع فرص واسعة للحكومة لتفادى الضغوط الدولية. فمثلا حظر توريد الاسلحة المفروض علي السودان لم تلتزم به دول مثل الصين و ايران، فالخرطوم على الدوام تحصل على احتياجاتها العسكرية من هاتين الدولتين. اما موضوع المحكمة الجنائية تمكن الرئيس السودانى من تجنبه حتى الان بتحييد اعضاء موقعين على ميثاق روما (الصين , تشاد و كينيا) و تفادى بذلك القاء القبض عليه. و بفضل ضعف الآليات الدولية وتقاطع مصالحها، استطاع الجيش السودانى ان يتجنب اى اجراءات صارمة من قبل الآلية التى كونها مجلس الامن بشان تجنيد للأطفال. من ناحية أخري ما زال التجويع سلاح مستخدم بفعالية من قبل الحكومة فى جنوب كردفان رغم الآلية المشتركة، وثبت ان هذه العقوبات تشجع استشراء الفساد والتهريب والجريمة و النهب و الكسب غير المشروع او قد تحقق تحسينات شكلية على بنية النظام او تحقق مكاسب شعبية انية سرعان ما تنهار و ينتكس الوضع ولم تصمد فى اول اختبار حقيقي. لذلك يجب إعادة النظر فى مدى جدوى و فعالية الآليات الدولية لحقوق الانسان و جهودها فى احتواء الانتهاكات المنظمة والجسيمة التي تحدث. وأن يبنى المجتمع المدني الوطني، نفسه لتولى الدفاع عن حقوق الانسان بشكل اكثر فعالية مما هو عليه الآن. فالركون للجهود المتواضعة التى تبذل هنا و هناك، أو اعتماد نشاط معين يعمل به كل الأفراد الفاعلين في هذه المنظمات مثل التصوير والتوثيق تعتبر غير كافية لفرض ضغوط تجبر النظام لتبنى رؤية اكثر ايجابا.