إن تكلفة أداء شعيرة العمرة وقضاء «14» يوماً بالمملكة العربية السعودية حسب ما أعلنته بعض وكالات السفر والسياحة لا تتجاوز مبلغ الخمسة آلاف جنيه سوداني شاملاً أرباح تلك الوكالات وأرباح شركائها من الوكالات السعودية المنسقة معها، زائداً أرباح ورسوم حكومة الخرطوم الواقفة وسيطاً بين العباد وأداء المناسك، وإذا كان الأمر وأن الحج أيضاً لا يمكن أن يكلف أكثر من خمسة آلاف جنيه سوداني فقط كذلك، فكيف جاز لوزارة الإرشاد أن تحشد حشدها ذاك في صباح الخميس الماضي لتخرج للمسلمين في السودان بنبأ رفع تسعيرة أداء منسك الحج إلى عشرين ألف جنيه ضمنت فيها «اجتهادات فقهية جديدة» تتمثل في شراء الهدي نيابة عن الحجاج وبسعر خمسمائة ريال سعودي، وقد علل وزير الإرشاد نفسه ذلك المسلك بأنه من أجل حماية الحجاج من تجار الماشية الجشعين الذين يفترض الوزير وجودهم في المملكة أيام الحج للتكسب من الحجاج، وهو سلوك مسؤولة عنه السلطات في المملكة التي تقف على الدوام لخدمة ضيوف الرحمن كما هو العهد بخادم الحرمين. إن تصعيب الأمور على ضيوف الرحمن لا يدخل ضمن ممارسة التجارة الحرام فقط، وإنما يدخل في باب «الصد عن السبيل وابتغاء العوج»، ولا يمكن أن نفسر ارتفاع قيمة تذكرة السفر عبر الجو من الخرطوم الى جدة لتتجاوز ثلاثة آلاف وخمسمائة جنيه، في حين أن سعر التذكرة من الخرطوم إلى دبي وعلى متن الخطوط الفخيمة لا تتجاوز ألفي جنيه في أغلى حالاتها، فهنالك «دغمسة» واضحة في وضع سعر تذكرة الطيران، وهنالك عدم وضوح في اجتراح تذاكر البواخر، مثلما أنه سيكون هنالك اجتراح كبير في سعر «الزي الموحد» الذي يُراد لهذا الكم الهائل من الحجاج أن يتحملوا قيمته فوق قيمة «لباس الإحرام»، عوضاً عن الضبابية في عملية الترحيل داخل الأراضي المقدسة، وما إذا كانت سلطات المملكة وخادم الحرمين يعملان كالعادة على توفير المواصلات للحجاج وفق ضوابط معروفة لا تسمح بالتكسب بقدر ما ترمي إلى تذليل العقبات على الحجاج ليؤدوا مناسكهم في يسر وانسياب. إن أهل السودان لن يفلتوا ولن ينجوا من مواسم النهب المصلح، طالما أن الراعي يقر ذلك النهج ويسكت عليه وهو يعلم أنه نهج معوج، وبالتالي تقع على الراعي مسؤولية «فرملة» قطار النهب المصلح ليس بتعيين وكيل للوزارة يكون بعيداً عن الصورة، وإنما بإنهاء حالة الاتجار في المناسك وتوقيف جحافل المنتفعين من هذا السلوك السنوي الذميم، والاكتفاء فقط بدور سلطات وزارة الداخلية في إكمال إجراءات تأشيرة الخروج للسودانيين الراغبين في السفر للمملكة لأداء الشعائر دون أي اجتراح لرسوم اضافية خلاف رسوم تأشيرة الخروج. ومن المعلوم أن سفارة خادم الحرمين لا تأخذ مليماً واحداً نظير تأشيرة الدخول، لأن المسألة لديهم تتعلق بالمنطلقات الدينية الصرفة والخالصة بإذن الله. والمدهش في المؤتمر الصحفي لوزير الإرشاد وموظفيه أنهم لم يفصحوا عن عدد بعثة الحج التي يريدون تسفيرها هذا العام تحت مسميات الأمراء والمرشدين وغيرهم، وهل ستتكفل وزارة المالية بتوفير مبلغ عشرين ألف جنيه لكل واحد من أفراد بعثة الحج الرسمية؟ وإذا كانت الإجابة بنعم نحن نتساءل منذ متى كانت وزارة المالية تصادق على مبلغ عشرين ألف جنيه لأداء منسك الحج؟ إن وزارة المالية لا توفر مثل هذه المبالغ، ولكن المدهش أن الجحافل الرسمية تذهب سنوياً وتعود محملة بالغنائم، فيما يعود الحجاج كل عام وهم يجترون الشكاوى المريرة عما لاقوه من عنت ومشقة وإهمال، رغم ما دفعوه من أموال.. إنه مسلسل يتكرر كل عام ولا أحد ينتبه أو يتحرك لإيقاف العبث. الصحافة