لم تعد الكوارث في السودان تثير كثيرا من الاهتمام وتشكل أخبارا تحتل صدر الصحف، ربما لتكرار الكوارث وتكرار روح اللامبالاة التي تعقب هذه الكوارث. في هذا السياق العام تجيء كارثة حجاج القضارف التي وقعت في حوالي الساعة الرابعة من صباح يوم الأحد 23 يونيو 2013م في مباني المدرسة الثانوية القديمة في مدينة القضارف حيث راح 12 حاجا ضحية للتدافع الفوضوي الذي صاحب عملية التقديم للحج ثم القنابل المسيلة للدموع التي أسقطها رجال الشرطة بسخاء شديد على رؤوس الحاضرين في ذلك الصباح الباكر لتضفي على الفوضى نكهة الدماء. في البلاد التي تعلو فيها قيمة الإنسان لا يمكن من حيث المبدأ أن تقع كارثة بمثل كارثة حجاج القضارف، وإذا حدث أن وقعت الكارثة، فستكون لها الأولوية في أجهزة الإعلام وستنتقل لمسرحها كل الكاميرات وكبار المسؤولين، وستتوالى الاستقالات، وفوق ذلك لن يفلت مذنب من المساءلة والعقاب. قال وزير الرعاية الارشاد في ولاية القضارف محمد عبد الفضيل السني، وهو نجم نجوم الحدث والمسؤول عن شؤون الحج في الولاية، قال رداً على طلب بالاستقالة في جلسة المجلس التشريعي الولائي (أنا رجل مؤمن بالقضاء والقدر، وما حصل لحجاج القضارف هو قضاء وقدر، والاستقالة هي أدب في المجتمع الغربي، أنا لا أقتدي به لأني مؤمن بالقدر). وادعى السني أن الإجراءات التي اتخذت هذا العام هدفت في مجملها لتوفير سبل الراحة للحاج، وعزا الحادث لتدافع الحجاج. وهذا كلام مثقوب، كالأحذية القديمه، كما يقول نزار قباني، وجلود ميتة الإحساس،و أرواح تشكو من الإفلاس. لا غرابة في أن يعض الوزير السني على منصبه بالنواجذ،عملا بثقافة زمانه، بدلا من مغامرة الاستقالة والذهاب في (استراحة محارب)غير مأمونة العواقب، فكارثة الحجاج ليست أول ولا آخر كارثة، ولم يحدث أن سبقه مسؤولون آخرون بالاستقالة رغم غرقهم في الفشل والعجز وقلة الحيلة،ولكن ليته التزم الصمت،ريثما تهدأ العاصفة (أزمة وتعدي)، فهو لم يوفق في مسعاه للإلتفاف حول الفشل وإكسابه بعدا دينيا وأخلاقيا.عرف المسلمون ثقافة الاستقالة في أيام الخلفاء الراشدين (سيدنا أبوذر الغفاري نموذجا)،ثم ضعفت هذه الثقافة في أزمنة لاحقة ولكنها ما زالت موجودة في زماننا هذا. كثيرا ما نسمع بوزراء ورؤساء وزارات مسلمين قدموا استقالاتهم في لبنان والعراق والكويت.استقال قبل ايام عادل الخياط،محافظ الأقصر،الذي ينتمي لحزب السلفيين في مصر،استقال من منصبه الذي لم يبق فيه إلا بضعة أيام،وبرر استقالته بدرء الفتنة، واستقال قبله سيد منور حسن أمير الجماعة الإسلامية في باكستان، وهي الجماعة التي أسسها أبو الأعلى المودودي، واستقال أحمد معاذ الخطيب زعيم الائتلاف المعارض السوري، وهو داعية اسلامي وإمام سابق للجامع الأموي في دمشق، واستقال اللواء يوسف المنقوش رئيس أركان الجيش الليبي،ثم أخيرا هاهي استقالات الوزراء المصريين تتابع.جميعهم مسلمون يؤمنون بالقضاء والقدر،ويعلمون أن ثقافة الاستقالة ثقافة إسلامية صرفة استنها المسلمون قبل الغرب الذي كان غارقا في عصور الظلام. السعي لربط عدم الاستقالة بالإيمان بالقضاء والقدر سعي غير موفق. " قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا(103) الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا(104)" (سورة الكهف). جملة المبالغ المنهوبة من قتلى القضارف تجاوزت التسعين مليونا من الجنيهات، إضافة لما نهب من حلي.لم يهبط حاصب من السماء أو طير أبابيل أو جنود لم يروها.من نهب جثث الموتى موجود على الأرض، في موقع الكارثة، داخل مباني المدرسة الثانوية القديمة، وهو أمر معيب لكل المسؤولين المعنيين في ولاية القضارف. الوالي ووزيره وصاحب شرطته لم يقتلوا الحجاج بأيديهم ولم ينهبوا أموالهم،ما في ذلك شك،ولكنهم مسؤولون عن الكارثة بحكم مسؤوليتهم السياسية والتنفيذية والأخلاقية وبحكم الأمانة التي يحملونها. وكلنا نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، ولكن (يجب ألا نعتبر القدر عباءة ندثر بها الأخطاء ويجب الاعتراف بأن هنالك أخطاء أدت إلى موت جماعي)، كما قال عضو المجلس التشريعي في القضارف سمير البهلول، لا فض فوه. قبل الختام: "السرُّ في مأساتنا صراخنا أضخمُ من أصواتنا وسيفُنا أطولُ من قاماتنا" كسرة(نقلا عن الأستاذ جبرا)أتمنى ألا يطول بها المقام فتصبح ثابتة: أخبار جهاز(الساوند سيستم)المصادر من منتدى شروق الثقافي في القضارف،شنووو؟؟؟ [email protected]