المراقب لحال الاسواق السودانية والمتاجر والبقالات وما تعرف الناس على تسميته ب ( السيوبر ماركت ) يلاحظ بوضوح تضارب أسعار السلع في هذه الأمكنة وفي بعض الأحيان يكون التضارب غريباً وواضحاً ومكشوفاً حينما تجد متاجر متجاورة تختلف اسعار السلع فيها رغم تطابق الاصناف ومنتوجات الشركات. هذا التضارب يعكس تفشي نوازع الطمع والجشع في نفوس التجار أو تواطؤ الشركات المنتجة للسلع الغذائية مع هؤلاء التجار باعتبارهم موزعين ومراكز توزيع مجانية يمكن التغاضي عن سلوكيات اصحابها في رفع اسعار البضائع وهي فوق ( رفوفها ) وهذا السلوك لا ينطوي على جشع وطمع فحسب بل يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك ان أخلاق اهل السودان في البيع والشراء وممارسة التجارة أصابها من غبار سياسات الحاكمين ما فيه الكفاية بحيث اصبح الفساد سلعة متبادلة . وليت المسألة تتوقف على الطمع والجشع ولكن الطامة الكبرى ان الغش في كل شئ اصبح عادة وطبعا يوميا متداولا، فالحكومة تغش الجماهير في كل سياساتها المتبعة وتتغول على حقوق الناس وتغمطها وتفرض رسوماً وجبايات وغرامات على خدمات غير موجودة اصلاً، وتترك السوق مفتوحاً لممارسة الغش بلا رقيب ولا حسيب حتى اصبح سعر قارورة المياه بجنيهين لأنها تستفيد من الارباح الخرافية التي تحققها شركات تعبئة المياه المملوكة للحظوة، وبسبب من ذلك تم ايكال مسؤولية تطوير خدمة وتوفير مياه الشرب لهيئة يتولاها من ثبت عمليا انه لا يصلح لها، وبعد فضيحة تلوث مياه الشرب وتغير لونها ونقص مواد التنقية لن تتورع شركات تعبئة مياه الشرب من رفع سعر القارورة صغيرة الحجم الى ثلاثة جنيهات، كيف لا ونحن في بلد اغدق الله عليه نعمة المياه العذبة وشق في ارضه النيل العظيم سليل الفراديس، ولكن وكما يقول المثل المصري تريد الحكومة بيع الماء في حارة السقايين ، ليس الماء فقط هنالك زيادة في اسعار المشروبات الغازية وبعض العصائر بحيث قفزت اسعارها من ستة جنيهات الي ثمانية جنيهات مرة واحدة، مع العلم ان الكثير من المياه الغازية والعصائر المصنعة والمصحوبة بالمواد الحافظة هي مشاريع امراض فتاكة لا ينبغي التهاون فيها، وبرأيي ان مقاطعة مثل تلك المنتوجات كفيل بإغلاق ابواب الشرور الضارة بصحة الانسان . ان رمضان هو الشهر الأغلى في السودان ذلك ان جميع ارباب الغش والجشع والطمع والباحثين عن الثراء السريع بلا سبب يتخذون من شهر رمضان المعظم في السودان فرصة لممارسة الابتزاز على الصائمين ولهب ظهورهم بالتلاعب اليومي في اسعار السلع والضروريات، والحكومة تتفرج على كل هذه الفوضى دون ان تتحرك، والسبب معروف ومذكور ومكشوف وبرأيي ان من يمارسون هذا الابتزاز في رمضان وفي غيره من الشهور يجب ان لا يصوموا ولا يقوموا ولا يعتكفوا"؛ لان ذلك يدخل في باب محاولة الغش على الله، وهو المحال طبعاً ولذلك عليهم ان يفطروا فليس لله حاجة في صيامهم وقيامهم ولن ينوبهم منه الا الجوع والعطش فقط . ولكن ومع ذلك تقع على عاتق منظمات المجتمع المدني مسؤولية محاربة مثل هذه السلوكيات الخربة التي انتشرت في السودان . على جمعية حماية المستهلك بالتعاون مع بعض الخيرين في السلطات المحلية ان يوالوا عمليات التأكد من وضع ديباجة الاسعار على كل سلعة في كل متجر وبقالة، فقد طفح الكيل واصبح اختلاق الاسعار خبط عشواء سلوكاً يومياً سائداً بمنتهى الصلف والغرور لجهة عدم وجود الوازع الاخلاقي والمراقبة الذاتية والضمير، ولعدم وجود سلطة تنفيذية للحاكم تأخذ المتورطين في الاتجار بالسلع الضرورية وقوت الشعب بالعقاب والقانون . ان الدنيا ( قبايل عيد ) كما يقولون ولذلك نتوجه بالنداء الى كل اهل السودان ممن يمتهنون التجارة ان التجارة حلال ولكن فيها حرام كثير، والتجار يبعثون يوم القيامة مع الفجار لان غالبيتهم لا يسعون للربح الحلال وانما ينتهزون الفرص ليضربوا ضربتهم ويغتنوا ما بين يوم وليلة غير عابئين بالاضرار التي يسببونها للناس. نقول لهم رفقاً بأنفسكم فإنكم لن تأخذوا ما تأخذونه من اموال معكم الى قبوركم، وإنما تتركون جميع ما كسبتم وراء ظهوركم ثم تتحملون تبعاته يوم القيامة، فهل يوجد غباء مماثل لغباء من يفعل ذلك ؟ اما الحاكم والسلطان فنقول له المفيد ان يخرج الحاكم على الناس بحلول جذرية لازمات البلاد الكثيرة المتعددة. الصحافة