إذا كانت كلمة (برازيلي) مرادفة لكرة القدم الحاذقة فإنه سرعان ما يقفز إلى الذهن لاعبين أمثال بيليه ، ريفيلينو ، زيكو ، كارلوس البرتو ، رونالدو ، رونالدينو ، لكن ربما لا تستدعي الذاكرة بشكل تلقائي لاعب مثل (غارينشا) ذلك الجناح المهول البارع الذي يعتبره الكثيرون في بلاده أعظم موهبة من (بيليه) . ربما أصبح اللاعب الذي فاز مع البرازيل على بطولتين لكأس العالم منسيا لأنه لعب في عصر ما قبل الميديا . لقد أحرز (غارينشا) في الدوري البرازيلي (232) هدفا من خانة الجناح وفي المقابل ربما كان أفضل مراوغ في تاريخ كرة القدم إضافة إلى كونه أول من إبتدع التسديدة المنحنية التي تعرف ب (الموزة). بناء عليه قدم (روي كاسترو) كتابا هاما يروي فيه مسيرة هذا اللاعب العظيم الذي تستحق شهرته إعادة التقييم . في كتابه روى (كاسترو) صورة لأصول (غارينشا) الرعوية . من سلالة أمريكية أفريقية ولد (مانويل دوس سانتوس) والذي لقب لصغر حجمه ب (طائر النمنمة – عصفور صغير مغرد) على أطراف مزارع شاسعة يملكها أوربيون وعاش طفولة نصف وحشية ، حافي القدمين على تلك الأطراف . إن قدمية اللتين كانتا مشوهتين بشكل عجيب قد جعلت من نجاحه شيء أكثر بريقا . بكلمات كاسترو (برجلين مقوستين مثيرتين للسخرية استطاع غارينشا الذي يبدو كعصفور صغير من أن يقدم مثالا نموذجيا لنقيض ما تبناه العلم ). عندما وقّع في البداية مع نادي (بوتافاغو) بريودي جانيرو كان ذلك يتطلب السفر بالقطار لمدة ساعتين ونصف ثم السير ثلاثة أميال بالأقدام في الظلام للوصول إلى البيت . لقد كان (غارينشا) مشهورا لأنه كان بارعا وممتعا في الأداء . لم تكن لديه كثير معرفة بالخصوم أو تكتيكات الفرق فهو لاعب موهوب بالفطرة ، ليس لديه وقت للإستعداد والتفكير مثل فنان تعطيه فرشاه وقماش لينفذ المطلوب . في عام 1958 في نهائيات كأس العالم بالسويد كان الفتى جاهزا ليلعب بجانب المعجزة (بيليه) . بدأت مباراتهم ضد الإتحاد السوفيتي بإيقاع عنيف ومع الدقائق الأولى إستطاع (غارينشا) أن يجندل لوحده خمسة مدافعين روس ، مشهد وصفه صحفي فرنسي بأنه (أعظم ثلاثة دقائق في تاريخ كرة القدم) بينما وصف البرازيلي (ني بيانكي) ذلك المشهد بأن إيقاع (غارينشا) كان هو المحيّر للعقل فقد كان قميص (ياشين) مبلل بالعرق وكأنه لبث في الملعب ساعات . مرة تلو أخرى إستطاع (غارينشا) أن يجهد اللاعبين الروس بتحركاته المزعجه في هذه المباراة التاريخية ، وفي كتابه يقول (كاسترو) أن البرازيليين أبعدوا (غارينشا) من مباراتهم السابقة مع إنكلترا خشية الإصابة لأن الإنكليز يلعبون كرة القدم بذات الطريقة التي يلعبون بها منذ أيام شارلس ديكنز . لكن وفي المقابل ومثل حال كل العباقرة المعذبين كانت حياة (غارينشا) في خارج الملعب مختلفة تماما عن داخله فقد أدمن الكحول والسهر وإرتياد البارات ومصاحبة الفتيات وهجر زوجته مخلفا ورائه إثنا عشر من الأبناء بينهم ثمان بنات وفي خضم حياته تلك تسبب في العديد من حوادث السيارات المفضية للموت نتج عنها وفاة أبيه وأم زوجته . لقد أنهى (غارينشا) حياته مدمنا للخمر ، مفلسا ، عنيف الطبع ، ينام على منشفه ليصحو صباحا ليعيد إدمانه المنتقص لذاته ، حياة يمكن مقارنتها بحياة (جورج بيست) فقد مات (غارينشا) وهو في ال (49) من عمره وسط صرخات الألاف من معجبيه ومحبيه ودفن في قبر كان صغيرا على نعشه . لقد كان مضمون ذلك واضحا وهو أن (العصفور الصغير ) الذي طالما أمتع وأثار إفتتان الجماهير مرة تلو أخرى كان أكبر من الحياة حتى في مماته . Soccerphile.com* [email protected]