جهاز الامن هل تحول هذا المنزل الى منزل اسرة الخرطوم: علاء الدين محمود قبيل اتفاق نيفاشا بقليل خرج جهاز الامن الى العلن عبر مكتب له بحي المطار وتلك اللافتة على مبناه تذكرك بتلك اللافتات في تلك البيوت في تلك الازمان والتي كتب عليها "هذا المنزل قد تحول الى منزل اسرة" فهل يتحول هذا "جهاز الامن" المنزل الى منزل اسرة يبدو أن رياح نيفاشا القوية التي أودت بالجنوب منفصلا عن بقية الجسد السوداني لم تهز شعرة في مهام جهاز الامن القديمة التي لم تغير طبيعتها ما جاء في اتفاق نيافشا والدستور الانتقالي على الرغم من تضمنها لمهام محددة لهذا الجهاز ليفارق خانة "الحزبية" الى القومية "النبيلة" عبر تحوله الى جهاز لجمع المعلومات وتحليلها ، والواقع ان الجهاز قد استبق مسار المفاوضات ليعلن عن وجوده عبر يافطة تعتلي مبنى بمنطقة مطار الخرطوم ليكون ذلك الاعلان بغرض الاستعلام والشكاوى هو مثابة انطلاق من مرحلة طبعت بالسرية الى رحاب العلانية والسر بطبيعة الحال والمرحلة يختلف عن السر وممارساته من الناحية النظرية ، فالسر كان لحظة التمكين والتنكيل بمن تصفهم الدعاية الحكومية بالطابور الخامس، والعلن حال جديدة ومرحلة جديدة كان المفترض ان تجب ما قبلها الا ان القديم من ممارسات وسلوك سار الى جانب الجديد، ذلك ان الجديد هو مولود الضغوط الدولية بقوتها وسطوتها، والمحلية بمحاولاتها وكذلك بالاخطاء، وسرعان ما تجرد الواقع الجديد عبر وقائع جديدة عندما غشيت جهاز الامن متغيرات نيفاشا ، تلك الاتفاقية التي ابرمت تحت رعاية المجتمع الدولي وبضغطه بين المؤتمر الوطني «الانقاذ» والحركة الشعبية لتحرير السودان المناضلة منذ 1983م بين حركة عسكرية بحكم تكوينها وخياراتها ونظام قفز الى السلطة عبر القوة بمنطق «يا يحيى خذ الكتاب بقوة» ، ولأن المجتمع الدولي اراد فقط ايقاف الحرب وخلق نوع من الاستقرار يضمن الثروات والمواد الخام الى المركز ، خاصة في ظل التهديد الصيني المتمدد شبحه على طول البلاد غير آبه بكل الحواجز الاخلاقية مقدما مصلحته الخاصة، في ظل هذا الظرف جاءت الاتفاقية بين الاقوياء المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، واقصت جميع القوى والكتل السودانية الاخرى لتخلق اتفاقية تحمل اختلالاتها، ولعله كان من المقدور توفر قوى سياسية فاعلة بالداخل ومجتمع دولي ملتزم، والتزام كامل من قبل الشريكين جهة تنفيذ بنود الاتفاق لتجاوز تلك الاختلالات، ان الذي حدث هو ان الشريكين عملا وفق منهج المناورات، والمساومات بل والانتقائية جهة تنفيذ الاتفاق يقابل ذلك وجود قوى سياسية معارضة ضعيفة ومتشرذمة اسقطت بيدها كل خياراتها، وتخلت عن اسلحتها وتمسكت فقط بالحوار مع النظام لاجل نيل «كسب» من السلطة لتكون جزءا من النظام بدلا عن نفيه، بل واعلنت هذه القوى وبصراحة كاملة عبر مبررات مختلفة ان لا سبيل لاسقاط النظام. نصت الدستور الانتقالي اعقاب توقيع اتفاق نيفاشا للمصالحة الوطنية فيما يختص بجهاز الامن والمخابرات «الوطني» ان يتحول الجهاز الى جهاز لجمع وتحليل المعلومات، وجاء الدستور الانتقالي المجاز متضمنا ومقرا ومجيزا لذلك على ان يتم العمل على مواءمة القوانين مع الدستور الانتقالي، وإلى ذلك الحين تظل القوانين السارية سائدة ، ومع تطاول سيادة القوانين التي انكرها الدستور الانتقالي ظل جهاز الامن هو جهاز الامن «الوطني» قبل الدستور، وفي وقت سابق جاءت تصريحات الرئيس عمر حسن احمد البشير امام حشد من الجنود عقب محاولة «العدل والمساواة» للاستيلاء على ام درمان لتقطع الطريق امام المضي والسير جهة العمل على تغيير طبيعة جهاز الامن ، تلك التصريحات التي اعلن فيها البشير بقوة انهم لن يرضوا ان يتحول جهاز الامن «الوطني» الى مجرد جهاز لجمع المعلومات وتحليلها، وبدلا من ان تسعى الحركة الشعبية لتحرير السودان الشريك انذاك في السلطة قبل الانفصال ومعها القوى السياسية المعارضة المعينة في المجلس الوطني الانتقالي في طريق السير نحو تعديلات القوانين ومن ضمنها قانون الامن والمخابرات الوطني، فانها صارت جزءا من هذه العملية بالمشاركة في جهاز امن يعمل وفق قوانين سارية وسائدة الى حين تعديلها ، وهي العملية التي لم تحدث حتى الان رغم "الحكومة العريضة" التي شاركت فيها قوى من المعارضة ، وفيما يبدو ان سيادة الطبيعة القديمة لجهاز الامن قبيل الانفصال قد تمت برضا وموافقة شريك الحكم انذاك "الحركة الشعبية" وبموافقة الوافدون الجدد ل"الحكومة العريضة" بصمتهم عن هذا الامر ، ففي ايام الشراكة تلك دعا نائب رئيس الجمهورية انذاك سلفا كير ميارديت لدى افتتاح «رئاسة هيئة أمن الجنوب» عندما دعا سلفاكير ميارديت النائب الاول لرئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب ورئيس الحركة الشعبية في ذلك الوقت ، دعا ادارة الأمن والمخابرات الى الوحدة داخل الجهاز في المقام الأول والقيام بدورها في تطمين المواطنين، وهي نفس دعوة علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية في نفس الاحتفال بأن يقدم الجهاز نموذجاً في الانسجام والوحدة الوطنية، وان يدعم الجهاز الاستقرار السياسي!! وفي ذات الاحتفال قال صلاح القوش رئيس جهاز الأمن والمخابرات «الوطني» في ذلك الحين، ان لدى ادارته رؤية بناءً على ايمانهم بمفاهيم وثقافة السلام!! ، مُتعهداً ببناء جهاز «نظيف» في سلوك افراده، مُعرباً عن أمله ان يحقق جهاز الأمن ما وصفها بالموازنة المحفوظة بالدستور والقانون، مضيفاً «تجاوزنا الماضي البغيض إلى السلام وحماية حقوق المجتمع والمواطن» ، متعهداً بالالتزام بالقوانين الوطنية والمواثيق الدولية في مجال حقوق الانسان. وبطبيعة الحال، فان كل ما ذهب إليه صلاح القوش يعتبر جيداً إذا ما ربط التعهدات بتعهد أكبر وهو الالتزام جهة ما نص عليه الدستور بخصوص عمل جهازه وبرغم مرور مياه كثيرة تحت الجسر شهدت انفصال الجنوب وتكوين حكومة واسعة فيما يسمى ب"الجمهورية الثانية" الا ان تلك التعهدات فيما يبدو واضحا لم تجد طريقها الى التحقق فظل جهاز الامن في حصانة من متغيرات وتقلبات السياسة وظل بذات المهام وهو ما يتفق فيه معي محدثي محمد علي جادين القيادي بالتجمع الوطني الديمقراطي والقيادي بحزب البعث السوداني، عندما قال لي ان اتفاقية السلام الشامل والدستور الانتقالي حددا مهام الجهاز في جمع وتحليل المعلومات ووضعها أمام الجهات التنفيذية، مضيفاً ان ذلك هو دور جهاز الامن في الانظمة الديمقراطية، أما في ظل الشمولية - يقول جادين - فان لأجهزة الأمن سلطات واسعة يصبح وفقها جهاز الأمن هو الجهاز الرئيسي في الدولة ويتدخل حتى في السياسة العامة، وقال جادين كان على القوى السياسية التي شاركت في حكومة الفترة الانتقالية الاهتمام بقانون التحول الديمقراطي. ولعل اكثر ما يقلق في هذه العملية إستمرار عملية الاستدعاءات والاعتقالات للعناصر المعارضة النشطة الامر الذي اثار حفيظة الكثير من القوى السياسية جهة المعارضة ففي وقت سابق صرح حاتم السر القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي ووجه السر انتقادات حادة ل(جهاز الامن) وإعتبر ما يقوم به افراده من استدعاء واستجواب وتحرى واعتقال غير قانونى ومخالف للدستور ومتعارض مع اتفاقيات السلام ومتقاطع مع الدعوة لوحدة الصف الوطنى ويبدو ان مسألة توجيه النقد لدور جهاز الامن قد تعدى القوى السياسية المعارضة محليا الى مجموعات دولية مهتمة بحقوق الانسان والعمل الصحافي في تصريحات متوفرة وعلى سبيل المثال فقد ذكر المركز الافريقي لدراسات العدالة والسلام بانه مع تنوع أنماط التنظيم واتساع دائرة فئات الناشطين في التظاهرات والاحتجاجات الاخيرة ، بات تعامل جهاز الأمن والمخابرات الوطني مع المعتقلين أكثر إثارة للقلق الأمر الذي يؤكد اتجاه قوي في جهاز الأمن الوطني السوداني لزرع الخوف في أوساط حركة الاحتجاجات. ويقول المركز الافريقي انه وعلى الرغم من ان الرئيس البشير أعلن قبوله بنتائج الاستفتاء حول تقرير مصير الجنوب، ورغم ان الولاياتالمتحدة بدأت النظر في شطب إسم السودان من قائمة الدول التي ترعى الإرهاب، فإن معاملة الدولة للناشطين الشباب والمعارضة والمدافعين عن الحقوق الإنسان تعكس عدم رغبتها في قبول ممارسة حرية التعبير وكفالة الحريات. رغم ان زخم الاحتجاجات الأخيرة في السودان لم يكتسب بعد تأييداً شعبياً واسعاً، على غرار ما حدث في كل من مصر وتونس، إلا ان احتجاجات السودان تأتي في وقت فقد المؤتمر الوطني فيه الجنوب و80% من العائدات النفطية للبلاد . غير ان القوى السياسية التي كانت تشارك في السلطة وفي المجلس الوطني المعين وهي القوى المعارضة تتحمل هي الاخرى مسئولية استمرار الجهاز بمهامه القديمة بصمتها عندما كانت مشاركة وهو الصمت الذي يتكرر الان مع دخول بعض من القوى المعارضة الى دهاليز الحكومة العريضة ويبدو ان السعي نحو المشاركة في السلطة كان المهمة ذات الاولوية لهذه القوى على مهمة الاصلاح وتغيير القوانين . علاء الدين محمود [email protected]