شقية الحال الديمقراطية في السودان تصبح وتمسي على افتراء متكرر من رجالات السياسة في البلد الكبير بشعبه المتقزم بنخبه وسياسييه، فاصبحت الديمقراطية لبانة من لا لبانة له، يلوكها حتى يكمل حلوها ثم يلفظها ويطأها بحذاءه، وان دعت الضرورة يقلعها قلعا من بطن الحذاء ليلوكها مرة اخرى، فلماذا لا يتشرد ابناءها البررة في المنافي، يستجدون اللجوء السياسي، والامن وانسانية العيش، تاركين وطنهم للمستقبل المجهول. ومثال تدنيس الديمقراطية اتانا في اول لقاء تلفزيوني لبروف ابراهيم غندور بعد تعيينه مساعدا لرئيس الجمهورية، صرح بروف غندور في برنامج حتى تكتمل الصورة مع الطاهر حسن التوم "انهم في المؤتمر الوطني ملتزمون بالاّليات الديمقراطية، وملتزمون بموعد الانتخابات في العام 2015، وهو يتمنى منافسة الاحزاب في تلك الانتخابات". وبغض النظر عن اللهجة المختلفة في الشكل عند البروف مقارنة مع د. نافع، المتفقة معه تماما في المضمون، والمنهج، فالخرج النهائي الذي يهم الشعب السوداني يجسده تماما قول الشاعر المصري امل دنقل "لا تحلموا بعالم سعيد، فخلف كل قيصر يموت قصير جديد". اللافت حقا في التصريح ليس دعوة الاحزاب للاحتكام للادوات الديمقراطية عبر صنايق الاقتراع، وانما "قوة العين" في التحدث عن الالتزام بالاّليات الديمقراطية المتعارف عليها، وكانما الانقاذ ولدت بإتفاقية نيفاشا ودستورها، وجددت دماءها الديمقراطية بأنتخابات عام 2010، الموسومة بإنتخابات الخج، وكانما ليس للناس ذاكرة وليس للكلام رقيب. الشرعية الانقاذية المبنية على الانقلاب على ديمقراطية منتخبة، هي شرعية باطلة لانها مبنية على باطل، ولا يضير هنا تخاذل اولياء الحق المسلوب عن طلب ذلك الحق، كما لا يضير الديموقراطية المسلوبة ان فداها اهلها و رئيس وزراءها و برلمانها المنتخب ام بخلوا ان يضربوا مثلا يخلده تاريخ العالم "وما تخليد مانديلا وذكراه ببعيدة"، عند مقارنة الديمقراطية المسلوبة بإنتخابات اللخوخية عام 2010، نجد أن حكومة السيد الصادق كانت نظام شرعي تماما، افرز مؤسسات منتخبة تدير دفة البلاد وتسعى لعلاج اّلامها، افلحت ام لا، هذا موضوع مختلف يندرج تحت بند تقييم التجربة الديمقراطية، لكن ان ياتي عرابو الانقاذ بليل وبندقية، وينقلبوا على النظام الدستوري، ومن ثم تشرع ابواب بيوت الاشباح، وتهرى كبد الوطن بسياسة التمكين، الي اخر سوءات النظام الحالي، ثم يدور الزمان ويتنصل الانقاذيون عن كل هذا الرجس، وبلا ذرة من الحياء "الذي هو شعبة من شعب الايمان"، فهذا والله عين التدليس. اما عن تقاعس اولياء الدم الديمقراطي عن طلب القصاص بل والممحن هرولتهم الي القصر كلما دعوا لفضلة مأدبة او وسام صدئ، فهذا انما يثير سؤالا جوهريا ان هل كانت الديقراطية الثالثة ديقراطية حقيقية ام طائفية تمثل دور الديقراطية والسؤال هنا مطروح للاكاديميين المختصين ليفيدونا ويدونوا نقدهم لفترة مهمة من تاريخ السودان. لنفترض افتراضا طريفا، ان الانقاذ قد جاءت الي الحكم عام 89 بإنتخابات حرة ونزيهة (لو صبر الاخوان وثبتوا على دعوتهم لكان ان فعلوها، لكنها العجلة تورث الندامة والحمد لله على تلك العجلة حتى يكتشف الشعب زيفهم وجشعهم السلطوي)، فيكون عمر الديمقراطية التخيلية عند حديث البروف عن الاّليات الديمقراطية واحترامها، يكون عمرها بالتمام والكمال 24 عام ونصف، اي ان الرئيس المنتخب تخيليا عام 89، فاز في ست دورات متتالية رئيسا شرعيا منتخبا للسودان، ست دوات رئاسية فترة الواحدة منها اربع سنوات "ياخي اختشوا". الانقاذ وبعد التحديث الاخير في نسختها الرابعة ابت الا وان تحاسب على عمرها الديمقراطي المزعوم، والذي بدوره مشكوك في تاريخ ميلاده الحقيقي، هل هو مع نيفاشا ام انتخابات 2010. واجزم ان قيادات الانقاذ لا تعير انتخابات السلطان كيجاب اهتماما، وكذا الشعب، فلا احد يتذكرها الا عبر ترشح السباح السلطان كيجاب لرئاسة الجمهورية. وقول الانقاذ جهرا ان حاسبوني منذ امنت بالصندوق وسرا مع كفري بمتطلباته، وقد عفى الله عن ماسلف مردود، بل ونقول لا نحاسبكم نحن كشعب فقط، انما يحاسبكم التاريخ منذ طرد الحزب الشيوعي من البرلمان عام 69 والتاريخ لاينسى. فاتقوا الله في ديمقراطية الغرب "الكافر" التي بناها بجماجم ابناءه، حتى ملأت ارضهم امنا وعدلا، اول من يحتمى بظلاله مطاريد الاخوان الفارين من دولهم الاسلامية. [email protected]