وضّح تماما لتلميذ الصف الثاني اساس، محاولة المؤتمر الوطني لشراء الوقت عبر اللف والدوران، والمماطلة في الموافقة على خارطة طريق المعارضة ومن ثم تسليم السلطة لحكومة انتقالية تمهد لقيام انتخابات نزيهة، وصياغة دستور جامع يمثل كل اهل السودان بلا استثناء، فماذا ينتظر الوطني في المستقبل القريب ؟؟؟. تجلّت محاولة كسب الوقت في لقاء الاثنين الذي سبقه ازمة خبر وبنزين عامة شهدتها مدن الوسط والعاصمة، كما سبقته اشاعات كثيفة عن ترّجل الرئيس وحل الحركة الاسلامية، وصدق الكثيرون تلك التهويمات الاعلامية ووردوا الشاشات ذاك اليوم وفي القلوب اماني شتى. تزامن مع الخطاب و تلاه قصف مدمر للقرى في جبال النوبة، وصاحب ذلك تصاعد للعمليات العسكرية في جنوب كردفان، كما ايضا صاحبه ايضا انتشار لقوات الجنجويد في مدينة الابيض في سابقة بها الكثير من "قوة العين" والتحدي للمعارضين في الداخل، واستغلال إنشغال المجتمع الدولي بالصراع في سوريا ومصر، وذلك يؤكد ايضا عدم جدية النظام في تناول موضوع الحوار والسلام. السماح بإصدار صحيفة رايّ الشعب لا يمكن ان يفهم في سياق تغير مفهوم النظام عن الحريات الصحفية، انما يفهم في سياق محاولة التقارب ولم شمل اليمين العقائدي والطائفي في ائتلاف عريض، والدليل على انتقائية النظام وعدم رغبته الحقيقية في صحافة حرة، المصادرة المتكررة لصحيفة الجريدة ثم منع الاصدار مؤخرا، كما تواصل منع إصدار صحف الميدان والتيار، فلماذا رايّ الشعب فقط؟؟!! بالرغم من حالة الاحباط التي شملت الجميع بما فيه احزاب اليمين التي شربت المقلب، الا ان النظام اوصل رسائله الغزليه الي رفقاء الامس، وبادر بحسن النية، كما ذكرت فقد سمح "لصحفهم" بالصدور، وفي الاخر الحالة واحدة فالمؤتمر الشعبي والوطني "مارقين من بيت واحد" ولا اختلاف حقيقي في مستوى التنظير بين الحزبين. شمل الغزل ايضا احزاب الاحباب، والسادة و هؤلاء في نظر المؤتمر الوطني احزاب مغفلة نافعة، تجدها حين تحرك قضايا الدستور الاسلامي، ولا تفتقدها بحرارة عند تشكيل الحكومة، ويمكن ان يصمت قادتها بمنصب او اثنين توزع للاشبال اللذين لم يخبروا السياسة وامور الحكم في السودان. الوطني يحتاج الي الوقت حتى يصل الي تفاهمات انتقائية مع الاحزاب ذات التوجهات الاسلامية، بالإضافة للاحزاب الطائفية ذات الميول الاسلامية تحت مظلة دستور اسلامي يسع الجميع، يعقبه تشكيل جبهة اسلامية عريضة تمثل الاغلبية، تتفوق على احزاب اليسار السوداني والحركة الشعبية، كما تتفوق على الحركات المسلحة في دارفور (التي لن يكترث لها لانها ستتيه في الجو الديمقراطي حال التزامها التحول الي احزاب سياسية)، كما يتيح ذلك التحالف وأد التيارات المدنية الناشئة تحت نفس اللافتات المهترئة مثل المحافظة على الاخلاق والمجتمع السوداني، ومحاربة العلمانية والعولمة والي اخر السخف المكرور. وكأن التاريخ يعيد نفسه، فقد شهدت السياسة السودانية تقاربا مماثلا عندما تم حل الحزب الشيوعي السوداني وطُرد نوابه من البرلمان عام 1965، في تجافي صريح وواضح مع الديمقراطية ومتاجرة مقيتة بالدين، ومن عجائب السياسة السودانية ان المؤتمر الوطني يحاول ان يكرر نفس السيناريو الذي توافق عليه من شرب مقلب خطاب الاثنين عام 65. فيا أخواني اقول "الاختشوا ماتوا"، ولو في ذلك التحالف فائدة، لنفعكم حين طردتم الشيوعيين من البرلمان واستفردتم بالسلطة قبل 48 عام. [email protected]