من فضاءات الغربة ومنافيها الواسعة ..نكتب بمداد قلمٍ ..نزعم ان حروفه ..تخرج من وجدان أكثر من 10 ملايين من بني هذا الوطن الرائع ! 10 ملايين .. ممن أرغموا عنوة علي ترك تبره وترابه .. لأقاصي مظلمات في شتي بقاع الأرض ..فيهم الطبيب ..و المهندس ..والمعلم .. والعامل البسيط .. تطالعك وجوههم عبر مرآة الزمن .. فتري فيهم قسمات سودانوية أصيلة خُلقاً واخلاقاً .. وتباين سحنات مورفولوجي .. يتحدي قوانين علم الوراثة حينما يتضح جلياً ان هذا التباين لا يقوي علي الصمود امام حقيقة أنهم يتحدرون جميعاً من جينات موحدة عنوانها الأبرز .. ( في الفؤاد ترعاه العناية بين ضلوعي الوطن العزيز ) ! .. لا يفوق تماثل جيناتهم الا.. تماثل اوجاعهم ومظالمهم المفضية الي قناعات راسخات .. بان لا كرامة لهم .. في وطن انقض عليه لصوص يونيو 1989 فاختطفوا كل جميلٍ فيه .. فاعملوا معاول هدمٍ في مفاصله .. فكم من رب أسرة ..أحالوه لجحيم الصالح العام .. غير عابئين بجوع اهل بيته ولا مسغبتهم .. وأبناء محاربون في رزقهم وقوتهم ولن تعصمهم درجة علمية ولا كفاءة مهنية من ان يتخطاهم مقعد وظيفي مستحق ذهب لغيرهم من اهل الولاء والحظوة ! .. وزنازين ومعتقلات مظلمات .. تحتشد سوحها بكل من صدعت حناجرهم باماني الحرية .. وشهداء من خلاصة "الشرف الباذخ" .. كتبوا بدمائهم في سبتمبر .. أوائل صفحات الانعتاق الجماعي لنا ولهم .. وبين هذا وذاك يتمدد جسد وطن منهكٍ تعب .. ألهبت ظهره 25 عاما من سياط الظلم والتنكيل .. ولكنه يتجلد ويتماسك تطلعاً لفجرٍ جديدٍ قادم ! قد تساور خواطر بعض الناس .. أفكار من قبيل .. "ناس المهجر ديل مرطبين وما واطين جمرتنا " ! .. و ( إذا جابنك رجليك ) لديار الغربة ستدرك جيدا معني ان تكون وحيدا تسامر نفسك في ليلة شتوية حالكة الظلمة.. في بلاد تموت حيتانها من البرد كما قال أديبنا الراحل الطيب صالح.. بينما أتاها الانسان السوداني ..طريد الانقاذ .. ينشد بقية عمر ..لا يقوي مخلوق بحجم الحوت علي إدراك بعضه ! ... ستدرك جيداً معني ان ( تقطع من لحمك وعافيتك) لتعطي اهل بيتك وقربتك ..إكسير الحياة .. عزاؤك في ذلك ..تلك الابتسامة الراضية لام رؤوم حين (تكسيها) ب " توب" طال انتظارها له ..أو ثمن فاتورة دواء لوالد أو عم حبيب افني عمره في خدمة وطنه فقابله الاخشيديون الجدد - كما اسماهم أستاذنا العظيم محمد المكي ابراهيم - بالتشريد والإقصاء من الخدمة المدنية .. أو أخ أو ابن عم يستعفف في آباء فيه مقيم ..لا يسأل الناس الحافاً.. فيري فيك ترب الندي وغوث الطريدِ .. وانت لا تفعل شيئاً سوي انك تسدد بعض دين لهؤلاء علي رقبتك .. ولن تفلح في سداده وان أتيت عمر نوح ! وعلي ذكر عمر نوح .. هل في سنوات العمر بقية ؟ .. لتحط قوافلنا في رحلة الاوبة الي الوطن .. كما آب مصطفي سعيد في مواسم هجرته ..ليجد وطناً فيه متسع لأبنائه الغائبين .. يحتويهم بمواسمٍ اخريات من ألق الحضور ؟! .. لا يعلم أي منا ما تخبئه له الأقدار ولا بأي ارض يموت ! .. وان كنا نعلم جيداً ان لكل اجل كتاب .. ولنا حلم في ان نلتقي جميعاً في مواسم الحضور الجميل في ارض الوطن الحبيب حين ..يصبح الصبح .. فلا سجن ولا سجان يبقي .. ولا .. منفي ! [email protected]