شاهد بالفيديو.. الفنانة نانسي عجاج تشعل حفل غنائي حاشد بالإمارات حضره جمهور غفير من السودانيين    شاهد بالفيديو.. سوداني يفاجئ زوجته في يوم عيد ميلادها بهدية "رومانسية" داخل محل سوداني بالقاهرة وساخرون: (تاني ما نسمع زول يقول أب جيقة ما رومانسي)    شاهد بالصور.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبهر متابعيها بإطلالة ساحرة و"اللوايشة" يتغزلون: (ملكة جمال الكوكب)    شاهد بالصورة والفيديو.. تفاعلت مع أغنيات أميرة الطرب.. حسناء سودانية تخطف الأضواء خلال حفل الفنانة نانسي عجاج بالإمارات والجمهور يتغزل: (انتي نازحة من السودان ولا جاية من الجنة)    البرهان يشارك في القمة العربية العادية التي تستضيفها البحرين    رسميا.. حماس توافق على مقترح مصر وقطر لوقف إطلاق النار    الخارجية السودانية ترفض ما ورد في الوسائط الاجتماعية من إساءات بالغة للقيادة السعودية    قرار من "فيفا" يُشعل نهائي الأهلي والترجي| مفاجأة تحدث لأول مرة.. تفاصيل    الرئيس التركي يستقبل رئيس مجلس السيادة    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    الدعم السريع يقتل 4 مواطنين في حوادث متفرقة بالحصاحيصا    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    كاميرا على رأس حكم إنكليزي بالبريميرليغ    الكتلة الديمقراطية تقبل عضوية تنظيمات جديدة    الأحمر يتدرب بجدية وابراهومة يركز على التهديف    عملية منظار لكردمان وإصابة لجبريل    بيانٌ من الاتحاد السودانى لكرة القدم    ردًا على "تهديدات" غربية لموسكو.. بوتين يأمر بإجراء مناورات نووية    «غوغل» توقف تطبيق بودكاستس 23 يونيو    لحظة فارقة    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    كشفها مسؤول..حكومة السودان مستعدة لتوقيع الوثيقة    يحوم كالفراشة ويلدغ كالنحلة.. هل يقتل أنشيلوتي بايرن بسلاحه المعتاد؟    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    تشاد : مخاوف من احتمال اندلاع أعمال عنف خلال العملية الانتخابية"    دول عربية تؤيد قوة حفظ سلام دولية بغزة والضفة    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أولاد دُفعَتنا فى ذِكرى تخرّجنا 20 مايو1987م (جزء أول)
نشر في الراكوبة يوم 20 - 05 - 2015

كان إعلان نتيجة امتحان الشهادة السودانية للعام 1982-1983م فى خواتيم مايو 1983م، وحققتُ فيها، بفضل الله تعالى، نتيجة جيدة تؤهلنى لدخول إلجامعة، وشكَّلت نقطة تحول مُهمة فى تاريخ حياتى. بعد التقديم للجامعة سافرنا، نحن ثلة من أولاد الفاشر، إلى الخرطوم فى بداية يوليو 1983م وكانت هى المرَّة الأولى فى حياتى. وتم قبولى فى كلية القانون، رغبتى الأولى. ذهبت إلى الكلية وكنت أكثر أولاد الدفعة "دوشة"، كان "السناير" يطلقون على الطلاب الجدد "برليم دايش".
كنّا حوالى(52) طالب وطالبة، والملاحظة الأولى من "السناير" هى أننا دفعة كبيرة من حيث العدد، ينقص عددنا قليلاً من مجموع طلاب السنة الثالثة والرابعة. تلقينا ترحاب وإحتفاء ومساعدة وتسهيلات كبيرة من "السناير".. ثم إلى ملاحظات مُهِمَّة كانت محطات مهمة فى تشكيل وُجدَانِنا فى تلك المرحلة المهمَّة والمُلهِمة من حياتنا:
دخلت الجامعة (التِحت الكبرى) والحمد لله كثيراً، فى نفس السنة التى تخرَّج فيها شقيقى هارون من هندسة الكهرباء، وأذكر اننى ذهبت إليه فى داخلية "تهراقا" وهو يزمع مغادرتها، كانت تسمى"فندق تهراقا" لفخامتها مقارنة بالداخليات الأخرى، وكان شقيقى يُسمِّينا "كلشرجية" يعنى "أدبيين".
"أطلقوا سراح ماريو مور/ الجبهة الديمقراطية"، أول "بوست" وقع عليه بصرى وأنا أدلف إلى داخل الكلية من ناحية البوابة الغربية عبر"الزير هاوس" وكافتيريا "طلحة" المشهورة بعصير الليمون. ظللت أسأل عن "ماريو مور" وقصة إعتقاله بواسطة جهاز الأمن.. ولمَّا انتقلنا من سنة أولى "بابكر عبد الحفيظ" إلى ثانية "أبو رنات" تم إطلاق سراح "ماريو مور" الطالب بكلية القانون، رجل طويل القامة بشكلٍ مُلفِت"مشلخ شلوخ الدينكا"و وسِيم وسَامة ظاهرة للعَيَان، وكان طلاب "الجبهة الديمقراطية" يحملونه على الأعناق وهو يهتف ب "لَكْنَة" مُحببة "جهاز الأمن جهاز فاشيستك" وكنّا جميعاً نردِّد خلفه داوياً.. ثم إختفى ماريو مور مرَّة أخرى ولم أره مرّة أخرى إلى اليوم، بل لم أسمع به أيضاً. إنسانٌ ظاهرة خلّفَ أثراً فى النفس ثم إختفى كما "مصطفى سعيد" بطل رائعة الطيب صالح "موسم الهجرة إلى الشمال".
قوانين سبتمبر 1983م بعد شهرين من دخولنا الجامعة: سجّلنا وصِرنا طلاباً "برالمة قانون" فى خواتيم يوليو 1983م. وبعد شهرين فقط، فى سبتمبر أعلن الرئيس جعفر نميرى قوانين سبتمبر التى أحالت السودان إلى مرحلة جديدة من حياة صاخبة سياسياً وخلَّفت ظلال سالبة فى التطور الطبيعى للسودان حتى اليوم. أبطال قوانين سبتمبر هم ثلة يقودهم "عَرَّاب" انقلاب الإنقاذ 1989م، الذين استمروا فى تمزيق وتفتيت السودان منذ 1983م وإهدار موارده وكرامة أهله إلى تاريخ اليوم.
وعقِب إصدار قوانين سبتمبر 83 بدأت محاولات تعريب المناهج التى كانت تُدرَّس فى كلية القانون، خاصة قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية 1983م وقانون وقانون الإثبات 1983م وقانون المعاملات المدنية 1984م وقد أثر ذلك فى التحصيل الأكاديمى لدفعتنا والدفعات التى تلت، حيث تم خلط مُدمِّر فى مناهج التدريس، فقرر عدد كبير من الأساتذة الكِرام ترك الكلية، وغادروا السودان.
ميزات أبناء الدفعة ومهاراتهم: أجمعَ أولاد "الدُفع" التى سبقتنا والتى أتت بعدنا على أننا دفعة مميَّزة وفوق العادة، وكان الجميع يحتفى بنا ويخطب وُدَّنا، ولعل السبب هو أننا كنا أولاد وبنات طيبين جئنا من عمقِ هذا الشعب الأصيل، ورضعنا من أثداء أمهاتنا حليباً وطنياً دسِماً منحنا الخير والحب والجمال، والسلام والإلفة والتسامح. وكان لإحتفاء "السناير" وتشجيعهم لنا دور محورى فى إخراج ما بدواخلنا من مزايا ومواهب طيبة.
أخشى محاولة ذكر أسماء أولاد الدفعة خوف نسيان أسماء بعضهم. لذا، سأذكر أميزنا نشاطاً وموهبة، وربما الذين شاركتهم السكن فى غرفة واحدة: عصام عبد الله الحسن/ الخرطوم "نمرة 2"، جمال حسن عتمورى/ كوستى، عادل عطية حسن باشا عكود/ عطبرة، توفيق عبد الرحمن/ الشبارقة، أحمد عبد الرحمن ساتى/ الخرطوم بحرى- الصافية، إدريس النور شالو/ كادقلى، فيصل على سليمان الدابى/ كسلا، عمران عبد الرحمن كوكو/ بحرى"الحاج يوسف"، كلمنت/ جوبا، معاوية حسن/ الخرطوم السجانة، عبد الرحمن سيد أحمد (الحلفاوي)/ حلفا الجديدة القرية(15)، محمد زاكى حمدان/ قرية "أبوراى"ريفى النهود، عفيفي عوض الكريم/ أم درمان، يحي حسن عبد الرحيم/ أبوعشر، محمد عيسى محمد طه"شخص"/ الخرطوم الصحافة، الأستاذ/ عمر سقدِى سعيد/ شركيلا ريفى أم روابة، محمد الحافظ"إيشو"/ نيالا، الصافى البشير الصافى/ كسلا، عبد المنعم (سى أوف تى)/ أم درمان، محمد يوسف/ شمال كردفان، عثمان الرشيد مضوى/ أم روابة، المرحوم/ سالم على بلايل/ جبال النوبة، عبد الله الشامى/ أم روابة، محمد عبد الرحمن الدودو/ الضعين، المرحوم/ محمد إبراهيم "نقد"/ زالنجى، عيسى/ نيالا، محمد الحسن(الجابرى)/ كوستى، صلاح شايقوس/ الشمالية، أنور إسحق/ربك، عبد العظيم/ الشمالية، عبد الوهاب محمد عبد الوهاب/ شرق السودان، طارق عبد الفتاح/الشمالية، عبد الله جونا/ دولة يوغندا، المرحوم/ صلاح"بطيطة"/ النشيشيبة، أحمد ود أب شنينة/ الجزيرة، محمد عثمان محمد عثمان(الحلبى)/عطبرة، محمد عثمان محمد عثمان محمد/ الشمالية، حسام الدين عثمان هارون/ الخرطوم، زهير عبد العظيم/ الخرطوم، عوض الكريم "طوبة"/الشمباته ريفى سنار، الفاضل حسين يعقوب/ شرق الجزيرة، عادل يعقوب/ الجزيرة، وكانت ضمن دفعتنا بنت صومالية إسمها/ رجاء ورثمة، وقد إنضم إلى الدفعة من الدفعات السابقة كوكبة مثل الموهوب أحمد بابكر/ سنار، وخميس الباشا/ كادقلى، وآخرون.
ملحوظة: بهذا أنا استحضر واسترجع ذاكرة مضى عليها أكثر من ثلاثين عام، فألتمس من أولاد دفعتى العفو والصفح إن نسيت بعض الأسماء، ولهم العتبى حتى يرضون. وكففت عن ذكر أسماء ومواقف بنات الدفعة خوفاً وخشية، وليس الذكر كالأنثى. ونحن من فرط تقديرنا وإحترامنا لبنات دفعتنا، تفاهمنا أن نعيش كمجموعة، فى دفعتنا ما فى إتنين "كيسو" بعض، ولم تتشكل أية مجموعات بل كنا مجموعة واحدة متحدة فى كل شيئ حتى تخرَّجنا وإستمرت علاقتنا كأولاد وبنات دفعة بعد التخرج.
هروب عبد العظيم، وخطاب من والد الزميل عبد الوهاب محمد عبد الوهاب: أول ما بدأت الدراسة ونحن فى السنة الأولى"البرليم" إنتابنا جميعاً شعوراً قاسياً بأننا لا نستطيع متابعة الدروس لصعوبتين بالغتين هما: أنَّ القانون عبارة عن مجموعة علوم ونظريات صلبة عصيَّة على الفهم لشباب قادمين لتوِّهِم من المدارس الثانوية، والثانية معضلة التدريس باللغة الإنجليزية وإحساسنا بأن الدكاترة الأجلَّاء كانوا"يدرشوننا" لتسطيحنا، لكى نخرج من المحاضرات بلا "حُمّص" وكنا نعزِى بعضنا بأن "موت الكتيرة عِرس"، وكان السناير يقولون لنا "لقدام ح تفهموا وببقى عادى".
وخفف عنّا قليلاً خطاب فى بريد الكلية للزميل عبد الوهاب (أدروب) من والده العزيز معنون كالآتى: (الإبن/ عبد الوهاب محمد عبد الوهاب- جامعة الخرطوم/ كلية القانون بنين).. لكن ذلك الصفو لم يستمر كثيراً فقد كدَّرهُ حادثة أخرى عاصِفة، ففى ظل هذه الظروف الصعبة من"التسطيح" قرر زميلنا العزيز/ عبد العظيم الهروب لواذاً من ضيق التسطيح فى الكلية إلى فسحة الحياة فى قريتهم الجميلة الوادعة فى نواحى"الكَرَدَة" بالإقليم الشمالى! ولما تأكد لنا عملية الهروب قررنا إرسال وفد من أبناء الدفعة للسفر على إثرِه وإستعادته، فقصّوُه إلى قريته. وبعد مفاوضات صعبة وشاقة تمكنوا من العودة به فظلَّ يحقق نجاحاً مضطرداً فى كل امتحانات الأعوام الأربعة التى قضيناها فى كليتنا الجميلة إلى أن تخرَّجنا، بينما فشل بعض اعضاء الوفد الذي ذهب لإحضاره فى تحقيق ما حققه عبد العظيم أكاديمياً. ويجدر أن أميط اللِثام عن حقيقة أنه لما إشتد رفض عبد العظيم العودة إلى الخرطوم وأصر على البقاء فى القرية يساعد وآلده فى "حوّاشة" الأسرة، وكادت جولة التفاوض أن تنهار ليعود وفدنا بخُفى حُنين، انقذ الموقف الرفيق فيصل الدابى (منزريا) بقوله موجهاً الحديث لعبد العظيم:(أسمعنى يا زول، والله زول فاهم حاجة فى الدفعة دى مافى، واقول ليك كلام: ....... الفاهم حاجة!.) فإقتنع عبد العظيم بذلك الدفع الحاسم، فقَفَل راجعاً بصحبة الوفد و واصل تحصيله الأكاديمى بنجاح مضطرد للنهاية.
محمد عثمان"أخوان": ذات يوم ونحن "برالمة" دخل علينا فى قاعة بابكر عبد الحفيظ، دكتور محمد نور الدين الطاهر أستاذ القانون الدستورى- فى غير محاضرته- حاملاً معه كشف الفصلAttendance Sheet وقرأ: محمد عثمان محمد عثمان محمد عثمان! فهبَّ محمد عثمان (الحلبى) واقفاً وملبياً: نعم.. ثم قرأ الدكتور: محمد عثمان محمد عثمان محمد، فنهض محمد عثمان الآخر ملبياً: نعم.. نظر إليهما الدكتور ملِيّاً وسط حيرتنا جميعاً ثم قال لهما: "فى زول غالطكم قال ليكم ما ختمية؟!" وقفلَ عائداً إلى مكتبه، فإنفجرت القاعة بضحكٍ عاصف. ولدكتور محمد نور الدين زكريات جميلة معنا، منها أنه مرَّة واُثناء محاضرة لا أذكر موضوعها، سأل: إن كان فى القاعة طالب من الفاشر، فأشاروا لى جميعهم فنهضت واقفاً لأعرف السبب، فسألنى الدكتور:"تسكن وين فى الفاشر؟" فأجبته: "فى حى الربع الخامس". فضحك بصوت عالى وضحك معه الجميع إلّا أنا! فقال الدكتور شارحاً الأمر: الأرباع أربعة فقط فيكف يكون هناك "ربع خامس"؟ فوقع الأمر على رأسى كالصاعقة، لم أفكِّر فى هذا الأمر من قبل، ولكنِّى سعِدتُ لحظتها إنِّى من الفاشر، الربع الخامس، و"شارع البقر" كمان. ودكتور محمد نور الدين الطاهر ضمن تدريسه لنا مراحل إصدار التشريعات ذهب بنا إلى البرلمان السوداني 1984م وكان يسمى (الجمعية التأسيسية) ويرأسها السيد/ عز الدين السيد، وشاهدنا كيف يتم التشريع فى المراحل/ القراءات المختلفة.. وكانت الجلسة قد ناقشت قانونين: قانون الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وقانون الطمأنينة العامة Public Tranquility Act وواضح أنه كان ضمن موسم الهوس التشريعى ضمن قوانين سبتمبر 83 بغرض مصادرة الحريات الخاصة والعامة وانتهاك حقوق الإنسان.
وإسترعى انتباهى فى تلك الجلسة البرلمانية، أن رئيس المجلس عز الدين السيد، كان متعسفاً مع عمَّنا المرحوم الأستاذ/ سليمان مصطفى أبكر، نائب دائرة شمال/ شمال دارفور"كتم ودار زغاوة"، وما كان يريد أن يمنحه الفرصة للإدلاء بدلوه، وكان مولانا يُلِحُ فى طلب الفرصة حتى انتزعها، وكانت مداخلته هى الأعمق والأنفع ضمن مداخلات التلميع والتمجيد الصفراء التى شنَّفَ بها النواب آذاننا. التمييز ضد أهل الهامش السودانى قديم متجدد.
مدام/ تادروس،"انتو عايزين كلو حاجة جاهزة؟": مدام تادروس إمرأة لبنانية درَّستنَا اللغة الإنجليزية للقانونيين (Legal English) فى السنة الأولى، وكانت لا تقبل "الركلسة" ولا الغياب، وأول ما تفعله عند دخولها القاعة تلاوة كشف الحضور، بالترتيب التالى: (عبد الله الشامى، عفاف عوض عبد الحليم، عادل "أتيفا" تقصد عطية، عفيفى عوض عبد الكريم، عبد العزيز عثمان سام، عواطف حسين، عصام عبد الله الحسن.. إلخ) مشكلة هذه"الحاجَّة"مدام تادروس أنها ليس لها مراجع Reading List "نخطف من خشمها وندخل بيها الإمتحان" مما يجعلنا نسألها كثيراً ونطالبها بالمزيد من الشرح والتوضيح، فكانت عندما نضايقها تصرخ فينا:"إنتو عايزين كل حاجة جاهزة؟" فنضحك فيها ولكن بعدما تكمِل الدرس وتخرج.
قصة فصل فريق كلية القانون لكرة القدم من آداب: لم تكن لكلية القانون فريق كرة قدم منفصل بل كان، رياضياً، جزء من كلية الآداب! هذا الحال لم يعجبنا نحن أولاد الدفعة. ذهبنا لتمارين فريق كلية الآداب وإلتمسنا منحنا الفرصة لنكون جزءاً من الفريق، ولكننا كنّا غرباء وغنم قاصية. فناقشنا الأمر وقررنا أن يكون للكلية فريق كرة خاص بها. هذا الأمر الذى صار إنجازاً سُجِّل فى صحيفة دفعتنا وقًادَهُ كل من: عصام عبد الله الحسن الذى صار الراعى والأب الروحى للفريق رغم أنه لا يمارس كرة القدم، فهو بحجم المصارع (Big Show) وعصام هو من وفر بجهده الخاص المعدَّات والمدرِّب صلاح نمر مدرب فريق الأملاك بحرى، وكان الرفيق/عصام "طبوش" يكابد لإيجاد الميادين للتمارين وكان يتواصل ويسعى لتوفير المباريات الودية للفريق. فيجب أن يدوَّن فى سجل كلية القانون جامعة الخرطوم بأن مولانا/ عصام إبن مولانا/ عبد الله الحسن المحامى (النقيب) هو من قاد معركة فصل كلية القانون رياضياً عن كلية الآداب فى العام 1984م. هذا، ويُعاب على عصام رياضياً أنه مريخابى"مجنون"، وقد شاركه فى هذا الجهد كل من الزملاء جمال حسن عتموري، عادل عطية حسن باشا، عمر سقدى سعيد، وشخصى.
وكان أكثر الناس إعتراضاً على فصل فريق القانون من آداب هو الكابتن/ يوسف مرحوم مسئول مكتب الرياضة بالجامعة حينذاك، وكان رفضه مؤسساً على حقيقة وآحدة: هى أن عدد طلاب القانون حينذاك (180) طالب/ة، والذكور منهم لا يزيدون عن المئة طالب: فكيف لهذه الفئة القليلة أن تنازل وتنافس كليات كبيرة مثل الهندسة (1200 طالب/ة)، شمبات (2300 طالب/ة) والعلوم (1400 طالب/ة)؟.. وكُنَّا نرد عليه بأن الذين يلعبون داخل المستطيل الأخضر هم (11) لاعباً من كل فريق ونحن مستوفون لذلك النِصَاب. وكان دكتور/ محمد نور الدين الطاهر قد ساعدنا فى أقناع كابتن يوسف مرحوم بفصل فريق كلية القانون من آداب.
بذلنا جهداً إعدادياً كثيفاً لنثبت عكس"منطق" كابتن مرحوم، كنا عندما نعود من الجامعة إلى "البركس" فى المساء وقبل النوم، كنا "نجرى" من البركس عابرين كبرى الجيش (برى) إلى كبرى النيل الأزرق نعبره عائدين إلى "البركس" عبر شارع النيل، كنا نكرر ذلك ثلاثة مرَّات فى الأسبوع.
ثم بدأ دورى كليات الجامعة ذلك العام، بدأنا مبارياتنا بكلية الآداب التى انفصلنا عنها فجندلناها بثنائية نظيفة، ثم مررنا على العلوم فهزمناها بهدفين لصفر، ثم ولجنا نحو الغريق، الهندسة وتعادلنا معها، فذاع صيتنا كحصان أسود، غولٌ قادم من أعماق المحيط. ثم كانت مباراة شمبات فى"دورى الأربعة" التى كانت حجر الزاوية لإثبات عُلوِ كعبِنا، غلبناها 3/2 فى أصعب مبارة كرة قدم لعبتها طوال حياتى. كان التهديد والتخويف والشتم يأتينا من داخل الملعب وخارجه، كنا عندما نخرج إلى "التماس" للعب الكرة نسمع ونرى العجائب! المهم هزمنا "الشمباتة" بمن فيهم كابتن نور الدين (نورو) جناح الجامعة الطائر و(قرشى) ذلك العملاق الذى أتعبنى وأنا اتكفل بمراقبته ذلك اليوم. سمعنا ورأينا يومذاك فى الميدان الشرقى مشجعى شمبات وهم يزأرون ويضربون طبولهم بنَزَق ويهتفون:(الشمباتة رجال الجامعة.. الشمباتة رجال الجامعة).. وانتهت المباراة بفوزنا عليهم 3/2 فهَجَمَ علينا "الشمباتة" بوحشية من كلِ حدبٍ وصوب هجوماً كاسحاً فأطلقنا سُوقِنا للريح نبتغى النجاة، ولمَّا يئسوا من اللحاق بنا دلفوا إلى كليتنا الصغيرة الحجم جميلة المنظر والمظهر والمخبر فإقتحمها التتر كالإعصار وأتلفوا أشياءها الجميلة، الأبواب والنجيلة و"اللمبات". (الجاتك فى كُليِّتك سامحَتك). كان الذى يميِّز ويُلهِم فريق كلية القانون هى الفرقة التى تقود التشجيع بقيادة فيصل الدابى والصافى البشير وتوفيق عبد الرحمن ومحمد الزاكى وبنات الكلية اللائى كُنَّ يأخذن الأمر مأخذ الجِد، فيلتهِب حماس اللاعبين ويتحسَّن أداءهم، فينتصرون.
لعبنا المباراة النهائية ذلك الموسم مع فريق كلية الإقتصاد وإنتصروا علينا بهدفٍ لصفر فى الدقيقة (88) من عمر المباراة أحرزه الموهوب "أنور أم دوم" فزنا نحن بالوصيف، ونلنا الميدالية الفضية، وشعرنا بفخر كبير لتحقيق ذلك الإنجاز لكليتنا الصغيرة الحجم، كبيرة العزم.
وللتوثيق أورد الكشف الذهبى للاعبى فريق كلية القانون الذين لعبوا لأول فريق كرة قدم وحققوا إنجاز(الوصيف) وهم: الحارس الأمين الأستاذ/ عمر سقدى سعيد، الدفاع: محمد أبو طه والفكى متوسط دفاع، ومحمد الحافظ (إيشو) طرف يمين وعبد العزيز سام طرف شمال ومحمد عيسي محمد طه"شخص"، الوسط: جمال عتمورى وعاطف عراقى والمعز، الهجوم: عادل عطية (هداف الدورى) وأسماعيل التاج، المدرب : صلاح نمر، مدير الفريق/ عصام عبد الله الحسن.
(نواصل فى جزءٍ ثانى وأخيرغداً)
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.