مصطلحات في دروب الغربة يجتمع الناس و يتفرقون في هذه الحياة الدنيا و ما بين تجمعهم و تفرقهم تتكون مجموعات و جماعات ترتبط برباط العمل أو الدراسة أو الصداقة أو المصالح المشتركة أو غير ذلك ، وكشأن البشر في كل مكان تنشأ بين هذه المجموعات والجماعات مصطلحات يعبرون فيها عما يربط بينهم و كثيرا ما تأخذ هذه المصطلحات منحىً غريبا أو غامضا لا تفك طلاسمه إلا المجموعة المعنية بالمصطلح المتداول ثم يجيئ وقت تنتشر فيه تلك المصطلحات و التعابير على علاتها بين الناس فيلجؤون إلى استخدامها من قبيل التميز أو تغييب الآخرين عن فهم ما يقولون أو محاكاة الغير كما هو الحال مع لغة الرندوك التي صاغها أطفال الشوارع والشماسة للتعبير عن كيانهم و غربتهم القسرية ثم لم تلبث هذه اللغة أن استهوت الشباب و طلاب الجامعات و أصبحت لغة مشتركة بين بعضهم و تستخدم في تجمعاتهم كلما وجدوا إلى ذلك سبيلا فاصبحنا نسمع كلمات مثل ( يا حبة ، يا فردة و يا مان ، والحاجة دي ، الدقسة ، خلينا نشتت ، و شديت ليك سلك ، يجيب الهوا... الخ ) . وللمغتربين في كل مهجر مصطلحاتهم أيضا فقد استخدم في السعودية منذ سنوات خلت مصطلح فلان (لوحاتو حُمر) تعبيرا عن انه مقيم بصفة غير نظامية و جاء التعبير متماشيا مع أجراء رسمي تم بموجبه تحويل لوحات السيارات بالسعودية في ذلك الوقت من اللون الأحمر إلى اللون الأبيض المستخدم حاليا فعندما يقول احدهم : ساكن معانا واحد قريبنا لوحاتو حُمر عشان كدة ما قادرين نطلع كتير يعني انه مخالف لنظام الإقامة و بالتالي يقيدون حركتهم تفاديا للقبض عليه ريثما يدبرون أمره بالحصول على تأشيرة عمل و من ثم الرجوع إلى البلاد والعودة بلوحات بيضاء هذه المرة. ويماثل هذا مصطلح "متخلف" وهي كلمة توحي بأكثر من معنى كما لا يخفى عليكم ولكن المقصود بالشخص المتخلف هنا هو من يحضر إلى العمرة ثم يتجاوز المدة الممنوحة له للإقامة و يكون الغرض من إطالة الإقامة في اغلب الأحيان هو البحث عن عمل كما يُقصد بالمصطلح أيضا الزائر الذي يتجاوز مدة الزيارة للسبب نفسه. و قد حدث لي ذات يوم موقف طريف مع احد الزملاء حين قررنا اصطحاب عائلاتنا إلى منطقة قريبة تُقصد للرحلات والتنزه و كنا نعد قائمة بأسماء الزملاء والأصحاب الذين اعتادوا مشاركتنا مثل هذه المناسبات فذكرت اسم احد الإخوان لدعوته وأسرته للحضور فرد على احد الزملاء على الفور ( ياخي دا زوجته متخلفة) لم يخطر على بالي في تلك اللحظة ولم اكن بالأحرى اعلم المعنى الدارج لكلمة (متخلف) فرحت اطلق من الأقوال ما يفيد أن فلانا هذا زوجته سوية ولم ألحظ عليها أي مظهر من مظاهر التخلف عند زيارتنا لهم بمنزلهم مضيفا بسؤال استنكاري ( طيب لو متخلفة جابوها هنا كيف ؟ ) و كان زملائي وقتذاك يفرفرون من الضحك و بينما أنا اعقد جبيني دهشةً بادرني احد الزملاء بشرح المعنى المقصود و لم املك إلا أن أشاركهم الضحك بالطبع، وتستخدم كلمة "دبلوماسي" بمعنى التخلف المتداول إياه وهذه أدخلت زميل آخر في ذات المطب حيث ذكر احد الأصدقاء أن له قريبا دبلوماسيا " لفحوا جيب" بمعنى انه اعتقل من قبل إدارة الجوازات التي تستخدم سيارات الجيب في القبض على المتهمين و مخالفي نظام الإقامة و الزيارة وغيرها "فلفح" زميلنا كلمة دبلوماسي واخذ يتساءل عن كيف يتم الحجز على رجل دبلوماسي وأين حكومتنا وأين السفارة وإلى غير ذلك من أسئلة منطقية فجاءه الرد أن هذا "الدبلوماسي" ليس إلا رجلا "متخلفا " في نظر السلطات وبالتالي أخذته عربة الجيب إلى حيث مكانه الطبيعي في مثل هذه الحالات. كانت النساء عندنا يستحلفن غيرهن بعليك الله وعليك النبي ويحلفن ب(وحات الله و حات النبي) لكن سنين الغربة أبت إلا أن تضيف إليهن مصطلحا آخر للحليفة المغلظة (يبقي لي بخروج نهائي أنا الخبر دا ما سمعت بيهو) ولا أخال أن صدمة الخروج النهائي تقل عن صدمة الطلاق عند بعض النساء خاصة اذا لم تكتمل" المشاريع" التي تخطط لها الأسرة كحال الرجل الذي طلب من أهله بالسودان في مكاملة هاتفية عاجلة أن ( يسقفوا ليه على كده) و كان يعني عند حد الشبابيك عندما عاد من الإجازة و علم بإنهاء خدماته بغتةً ، اضحكني احد الزملاء حين ذكرت له إنني بصدد كتابة موضوع بالعنوان المذكور أعلاه فقال لي: بقيتو سياد بلد تقعدوا وتقوموا على كيفكم و تؤلفوا مصطلحات ، بس أوع تكونوا منتظرين القرين كارد كمان. يحيى حسين قدال [email protected]