* رضع على صدر كسلا محبة أهلها، نهل من نبع توتيل رشفة لا يظمأ بعدها مسافر في صحراء، أخذ من جبال التاكا شموخها، ثابتا في مبادئه، شامخاً في مواقفه، جميلاً في تسامحه، أجبر حرباء السياسة أن تكشف له عن لونها الحقيقي، إنه الأخ إبراهيم محمود حامد مساعد رئيس الجمهورية، ابن كسلا الحبيبة المدينة التي ما زارها شاعر إلا وحملها بين أهدابه قصيدة، وما إتجه نحوها طائر إلا وجعل من أشجار برتقالها عشاً له، لم ألتق بالأخ إبراهيم وجهاً لوجه إلا مرة أو مرتين في محافل عامة، لكنني عرفته من خلال مواقفه النبيلة بين أهله في كسلا التي غادرها ذات صباح إلي الخرطوم، وما زالت كسلا حتى هذه اللحظة تتذكره كلما هبت عليها نسمة ربيعية قادمة من سواقي القاش. * بعد أن شكت له الفنانة الكبيرة أم كلثوم أن صحفياً ظل يوجه لها نقداً بإيعاز من بائعي الماء في (حارة السقايين) ، لم يتردد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في إصدار قرار رئاسي قرر فيه التوقف تماماً عن اي شكل من أشكال النقد الفني لعمالقة الفن في مصر الذين تغنوا لحرية مصر ومجد مصر، ومن بينهم الفنان الكبير محمد عبد الوهاب والفنانة أم كلثوم والفنان عبد الحليم حافظ، المدهش في الأمر أن هذا القرار ما زال سارياً حتى هذه اللحظة، ويقال إن عبد الناصر منذ أن كان برتبة الملازم في الجيش المصري، كان معجبا بالفنانة أم كلثوم واستمر إعجابه بها إلي أن غادر الدنيا. * ظل المخرج البولندي (رونالد بولانسكي) الحاصل على عدد من جوائز الأوسكار في السينما الأمريكية مطارداً من الشرطة على مدار عشرين عاماً، وذلك بعد قيامه بالتحرش بصبية قاصر، اختفى بولانسكي بعدها، لم تشفع له عبقريته السينمائية ولا فلاشات الكاميرات الملونة في سماء هوليوود، حيث لامجال هناك للعزف على أوتار (القانون) أو بوابة يمكنها أن يتسلل من خلالها إلى براءة مزيفة، فالقانون يعلو ولا يعلى عليه، وبما أن الجرائم في القانون الامريكي لا تسقط بالتقادم فإن هذا المخرج سيظل مطاردا إلى آخر العمر. * أصر الشاعر أبو آمنة حامد على مدير الإذاعة السودانية الأسبق محمد خوجلي صالحين أن يصدر أمراً بنقل مكتبه من قسم المنوعات إلى قسم آخر، إلا أن صالحين رفض إصدار الأمر، مما جعل أبو آمنة يؤكد أن صالحين إذا أصر على موقفه فإن اغتيالاً جمالياً لحسه الشاعري قد يحدث، أدى ذلك إلى غياب متعمد من أبو آمنة حامد عن عمله تماماً، إلا أن صالحين فاجأه يوما بالتراجع عن قراره موجهاً أن ينقل أبو آمنة إلى مكتب إلى جوار زهرة الإذاعة السودانية ليلى المغربي، فكتب رائعته (سال من شعرها الذهب). * لم يكن الشاعر عبد الرحمن الريح مثقفاً يقرأ لشكسبير ولا لغيره، ولكنه برغم ذلك كتب شعراً ينحني له كل شاعر في هذا البلد، من الواضح أن قراءته المستمرة للقرآن الكريم أضاءت دواخله فتحول إلى دفقة من نور تمشي على الأرض، وهو شاعر لم يتكرر ولن يتكرر. أما عبقرية العاطفة فقد ذهبت إلي الشاعر أبو صلاح مسيطراً عليها في كل الإتجاهات، ولا أنسى العبادي الذي يعد في رأيي من أعظم الشعراء الذين كتبوا في الوداع، كان شعراء الحقيبة جميعهم يكتبون بطريقة فيها من البساطة والعمق ما يجعل الإنسان يشعر أن الشعر هو الذي يكتبهم وهم لا يشعرون. هدية البستان هجرة عصافير الخريف في موسم الشوق الحلو هيج رحيلا مع الغروب إحساس غلبني اتحملو كتمت أشواق الحنين داير الدموع يتقلو ورجعت خليت الدموع يرتاحو مني وينزلو اخر لحظة