عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكفيف والمسرح-2-
نشر في الراكوبة يوم 20 - 12 - 2016


رابط
-------
فالإبداع الانساني؛ هو ذاك الذي يبقى خالدا عبر العقود والعقود؛ وحينما نتلمس مضامينه وأبعاده؛ كأنه دوّن وكتب الآن ؛ وفي زمان القراءة ؛ وبالتالي فكيف لا يبقى التراث الاغريقي؛ النابع من الأساطير؛ سيصبح نفسه أسطوره ؛ وما جادت به قريحة مسرحييو ذاك الزمان؛ لشيء مبهر ومثير للغاية ؛ومن خلال الحوار الحاد بينهما والذي توقفنا عنده؛ نستشف غطرسة أوديب وتعنته ضد القدر وما تخفيه الآلهة :
أوديب : قل ما تشاء فكلامك سيذهب هباء
تيرسياس: إذن أقول؛ بأنك دون أن تدري – تعيش في تعامل شائن مع أقرب
أهلك إليك؛ دون أن تعلم إلى أية درجة من الشقاء وصلت.
أوديب : أتظن أنك تستطيع أن نقول أكثر من هذا دون أن يكلفك
هذا شيئا
تيرسياس: نعم إذا كانت الحقيقة تملك بعض القوة .
أوديب: عندغيرك؛ لا عندك أنت؛ كلا؛ ليس عند أعمى روحه ؛ أذناه
مغلقة مثل عينيه .
تيرسياس:لكنك أنت أيضا؛ لست إلاّ شقيّا؛ حينما توجه إلي إهانات
سيوجه إليك مثلها عما قريب هؤلاء الناس.
أوديب: إنك أنت لا تعيش إلاّ من الظلمات؛ فكيف تستطيع إذن أن
تؤذيني أنا أو أي إنسان مثلي يبصر ضوء النهار ؟ (1)
فرغم الاهانات السخرية التي تلقاها – تيرسياس- فكانت الإجابة الضمنية- لأوديب- أنّ الحكمة في البصيرة لا في البصر. وهذا تفسير مبدئيّ وتحدي للإعاقة ؛ باعتبارها دافعًا للحكمة والفلسفة والإبداع. تم انصرف بهدوء؛ بعدما طلب من غلامه ذلك؛ وتيرسياس يلقي بنُذرِ وكلمات يلفّها الغموض؛ مما جعل الّشّك يتسرب إلى نفس أوديب؛ الذي لم يدرك أن العرّاف يعني تماما ما يقول؛ كما أنه لم يأخذ اتهام العراف له على محمل الجد.
الحضور والتنويع
***************
ونجد الكفيف - تيرسياس - حاضرا بقوته في مسرحية [ أنتيغون] لسوفوكليس؛ بحيث : يمثل في المسرحية الآلهة؛ ويبدأ تيريسياس حواره مع كريون؛ بتحذيره من انتهاك حرمة الموتى؛ لأن الآلهة من دأبها أن تسوق التحذير قبل أن تُنزل العقاب...... وتيريسياس يعلم أن هناك انتهاكا لقانون الأرباب؛ وهو يخبر- كريون - بما يشبه الإنذار؛ بأن الآلهة غضبت من قراره الجائر؛ ومن مسلكه الآثم؛ ولكن "كريون"يفشل في فهم التّحذير الذي ساقه " تيريسياس" وبدلا من أن يشك في سلامة قراراته وصحة تفكيره ؛ يعتقد أن العراف يهاجمه: " أيها الشيخ؛ أنتم جميعا مِثْل حملة الأقواس تتخذون منّي هدفا لكم؛ وهاأنذا عرضة لهجومك ؛ حتى عن طريق النّبوءة "(2)
أما أريستوفانس؛ فلقد ألف سنة 338 ق م مسرحية " بلوتوس " " إله الثروة والجاه عند الإغريق" وتعد بحق نموذجا فريدا ومتميزا عن السحب أو الضفادع أو المهزلة... من صنف الكوميديا الوسطي ؛ ومن خلال الحبكة نستشف روعة هذا النص::.... و عند خروج خريميلوس بائسا من المعبد يقابل شيخا كفيف ، فيبتهج و يحاول باللطف تارة و بالتعنيف تارة أخري اصطحاب الشيخ الضرير إلي منزله ، بناء على نصيحة الإله أبوللو . و لكن الشيخ الضرير يضطر في نهاية المطاف إلي الاعتراف بأنه الإله بلوتوس و بأن زيوس قد جعله ضريرا رغبة منه في إيذاء البشر و إبقائهم تحت سيطرته .و يسعي خريميلوس جاهدا من أجل أن بسترد بلوتوس بصره ، كي يتمكن من أن يهب الثروة للشريف و ذي الخلق القويم ، و يمنعها عن المحتال و الوغد الزنيم ، و هو الأمر الذي لا يستطيعه بسبب فقدانه للبصر الذي جعله يهب الثروة للأشرار و يمنعها عن الأخيار .غير أن بلوتوس يخشي إن هو استرد بصره أن يثير غضب زيوس و حفيظته عليه ، لكن خريميلوس يقنعه بأنه لو استرد بصره لصار أقوى من زيوس نفسه ، فيوافق الشيخ علي مضض علي الذهاب مع البطل إلي معبد أسكليبيوس كي يشفيه و يرد له بصره . و تتدخل ربة الفقر في الأمر محاولة إفراغ خريميلوس ، و مبينة له العواقب الوخيمة التي سوف تترتب علي عودة البصر إلي بلوتوس ...(3) وهناك أعمال متعددة يصعب حصرها والترصد إليها؛ وبالتالي إذا كان الكفيف في المسرح حاضرا حسب الوجهين السلبي/ الايجابي. فما يقابل [في] هناك[ على] التي تفيد الاستعلاء، فوق الشيء وقد تفيد أيضاً السببية، و تأتي بقصد الاسْتِدْرَاك .فما معنى هذا إجرائيا وليس لغويا؟
قول بعد القول:
************
أشرنا بعجالة للمسرح والكفيف ؛ وذلك تبيانا أن هنالك نوع من المسرح؛ و لا أحد ينتبه إليه؛ باستثناء قلة قليلة ؛ ربما السبب يعود لغياب إعلام مكثف حوله؛ والقضية تتعلق بالعالم العربي برمته ؛ وإن كانت بعض الأقطار؛ تحاول حسب ما تمليه الظرفية مساعدة بعض الجمعيات المهتمة والممارسة؛ لهذا النوع وبالتالي من حيث الممارسة الإبداعية ؛ قلنا بأن هناك
1] كفيف في المسرح
2] كفيف على المسرح
فهذا التقسيم؛ فرضته طبيعة الموضوع الذي لا ينفلت عن[ في / على] ماهو كائن في المشهد المسرحي العربي؛ وبالتالي سنحاول مناقشة :
الكفيف على المسرح:
***************
فانطلاقا من مما يُسمعه الكفيف من كلام السخرية أو ما يدل على الشفقة والرحمة، أوالتهميش والتحقير الذي يشعر به في وسطه الاجتماعي؛ فمن الطبيعي أن يخلق له ردود فعل حسب اللحظة والظرفية التي يكون فيها؛ ليحقق ذاته عبر عالمه الخاص به؛ وترجمة ما يشعر به في عالمه غير المرئي، ليواجه به الطرف الآخر أو يصوغه إلى رموز ومصطلحات خاصة يختزنها ؛ لكي يستخدمها أثناء تعبيراته الواقعية . متحديا عبركل طاقاته الموهوبة؛ كل ما يحيطه من أجل السمو الارتقاء في الوسط الاجتماعي؛ وذلك لمحاولة إبطال سببية التهميش؛ هذا من زاوية؛ ولكم من زاوية أوسع ، حينما يكون التهميش من أعلى المستويات ومن الجهات المسؤولة؛ والتي لها الدور الأساس في حماية ورعاية الكفيف؛ فالوضع يختلف ؛ من حيث التحدي وترجمة ما يشعر به الكفيف؛ ولاسيما أن: العمى ليس عائقا؛ وليس مرضا وليس عيبا ؛ إنه شكل آخر لرؤية العالم ؛ بل إن الظلام أكثر نورا من نور الإبصار)4) ومن هذه الزاوية؛ فجملة من الشباب الكفيف؛ حاول اقتحام الركح والاعتلاء فوقه؛ للتعبير عن معاناتهم وهمومهم؛ علّها تصل لتلك الجهات المسؤولة ؟ ولاسيما أن الكفيف لا يتوفر في العالم العربي على جهات ضاغطة خارج المؤسسات الرسمية؛ وبرؤية أهل الاختصاص والمتابعة نجد أن التقرير العالمي حول الإعاقة لعام 2011، الصادر عن منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي، تعذّر وصول الأشخاص ذوي الإعاقة في الكثير من الأحيان إلى البيئة المبنية ووسائل النقل ونظم المعلومات والاتصالات (التقرير العالمي حول الإعاقة: الملخص، الصفحة 10). ويُمنع الأشخاص ذوو الإعاقة من التمتع ببعض حقوقهم الأساسية، كالحق في البحث عن عمل أو الحق في الرعاية الصحية، بسبب عدم توفر وسائل نقل يسهل عليهم استخدامها. وما زال مستوى تنفيذ قوانين الوصول متدنياً في العديد من البلدان وغالباً ما يحرم الأشخاص ذوو الإعاقة من حقهم في حرية التعبير بسبب عدم إمكانية وصولهم إلى نظم المعلومات والاتصالات (5) وبناء على العديد من المعطيات السلبية؛ منها أن المؤسسات المهتمة تتعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة بالمنطق الخيري في أحسن الأحوال؛ وليس بالقانوني والحقوقي.وكذلك المراكز المهتمة بذوي الإعاقة البصرية قليلة جدًا ؛ وتعدُّ على أصابع اليد الواحدة في كل قطر عربي؛ مما لا ترضي ذات الكفيف ولا طموحه، ولا سيما أن المكفوف بحاجةٍ إلى مركز تدريب أكثر. من هنا ؛ يظل في شرنقة الحيرة؛ بين القوانين و المجتمع والرغبة من محاولة لإفصاح عن قدراته الفنية والإبداعية؛ وكشف همومه الوجودية مع إعاقة المجتمع ؛ لقدرات كل مهاراته؛ فإن تأمين سبل الوصول؛ كي يعيش الأشخاص المكفوفين باستقلالية ويشاركون مشاركة تامة في المجتمع، على قدم المساواة مع سواهم؛ شرط أساس ؛ هو التحدي والاعتماد على النفس والذات؛ كل فئة أو جماعة بطريقتها وأسلوبها؛ ونلاحظ بأنه هناك من اتخذ أسلوب النضال والإنزال طريقة لإثبات وجود الكفيف؛ وإيصال صرخته: قبل أن يسترسل قائلا: "إن المجموعة المناضلة اليوم في شوارع الرباط هي التي دوت صرختها الأولى يوم 29 غشت 2000 أمام الوزارة المكلفة بالمعاقين آنذاك، فواصلت المجموعة فصول نضالاتها المريرة تحت طائل القمع المقيت ورغم فظاعة الظلم، وهكذا كان نضالنا إبان النصف الأول من العقد الحالي متسما بالتحديات والمغامرات إذ تراوحت الأعمال النضالية بين اعتصامات في مواقع عدة ومسيرات احتجاجية وإضرابات عن الطعام، وقد بلغ اليأس بالمجموعة إلى حد الإقدام على الموت إحتراقا..(6) وهذا أسلوب يكشف بأن الإعاقة لا يمكن أبدًا أن تكون حجر عثرة في طريق أصحابها؛ علما أن الحقوق تنتزع نزعًا. إلا أن الإشكالية في توعية المجتمع بهذه الفئة ولإظهار قدراتهم حيث نريد تغيير نظرة المجتمع نحو الكفيف بكونه اتكالي ؛ سلبي ؛ عالة على نفسه ومحيطه؛ وما شابهها من الصفات! وللأسف الكثير لا يعي أن الكفيف فقد البصر وليس البصيرة وقد يحتاج لترتيبات معيّنة وبرامج مساعدة؛ ليس إلا ! لأن المجتمع العربي بشكل عام بطبيعته مجتمع يتأسس ويتبلور على أحاسيسه ومشاعره ويفتقد التفكير الموضوعي والعقلانية، لذلك فهو يُدخل المشاعر إن كانت شفقة أو رحمة في معاملته مع الكفيف، لأن جل المكفوفين الذين سمحت لهم الظروف للتعبير عما يختلجهم؛ قد أجمعوا على أن العقبة القصوى تكمن في ثقافة المجتمع. ثقافة تجهل التعامل تماما مع المكفوفين: فالنظرة المجتمعية للكفيف وعدم الاكتراث بحقوقنا من جانب الأجهزة التنفيذية هو أكثر ما يواجهنا. والأمر يتطلب منا الاعتماد على الذات في الحصول على حقنا والضغط بكل ما نملك للحصول على أحقيتنا في الاستقلالية (7) وهذا من ضمن السبب والأسباب التي فرضت على الكفيف أن يحقق [ على] ليقتحم المجال المسرحي؛ لكن ليس بالصورة المرجوة؛ ولا بالانتشار الواسع عبر المناطق والجهات؛ لأن الحلم دائما ينكسر على عتبة التحديات وثقافة المجتمع الذي يجهل أبسط الحقوق تجاه ذوي الحاجات الخاصة بشكل عام؛ وليس الكفيف وحده ؛ وإن كانت وضعية الكفيف أكثر تعقيدا من حيث التواصل والمشاركة . وبالتالي فانخراط هذا الأخير في عوالم الإبداع المسرحي ؛ ليس مصدره الأساس مباهاة بل لسد حاجاته ورغباته العملية والنفسية أولا. وللتعبير عن أفكاره وقضاياه؛ لخلق عالم مركب متماسك ومتناسب بالنسبة لذاته وفي ذاته؛ لتصوير وتقديم جملة الخبرات في صورة مقنعة؛وبالتالي نجد بأن المحيط المصري؛ يضم بعضا من المكفوفين الذين انخرطوا وأسسوا فرقا مسرحية كفرقة المفتحين والشروق ؛ أو في بعض الدول العربية نجد مؤسسة - النور- هي التي تتزعم بادرة الفعل المسرحي؛ لتلامذتها المكفوفين؛ وكذا بعض الدول الخليجية؛ حتى أنها استطاعت تنظيم مهرجانات للمعاقين؛ وهاته من حسناتها الإنسانية؛ والتي لا يمكن أن نغفلها؛ وإن كان وبكل أسف شديد، أن العديد من المسرحيين العرب يحضرون التظاهرات المسرحية المنظمة بالخليج؛ ولا أحد منهم ؛ حاول كتابة سطر أوتعريف أو مساندة لمسرح المكفوفين؟ لآن الارتزاق ثم الارتزاق ! لا يترك بوابة للتفكير ولا للمبادرات. حتى أن الذي آمن بالمكفوفين؛ ويؤكد ارتباطه الحميمي بهم . فحينما نتعمق في كتابه [ إنما نحن ... جوقة العميان ] يفاجأ القارئ بعبارات عامة؛ عبارات فيها مزايدات كذلك؛ ولا تفي بالعرض أمام المهتم ولا في حق الكفيف الممارس! ولنتمعن قوله:... شاركوا في أداء عرض مسرحي ضمن المنافسات المسرحية التي يقيمها تعليم الرياض (يونيو/ حزيران2010) العرض المسرحي حمل عنوان – مصاعب الحياة – وقدمها طلاب ثانوية الأندلس. أبدع المكفوفون فنيا؛ بينما كثير من المبصرين لا يستطيعون منافستهم في إبداعاتهم...(8) خبر سطحي وعام ؛ ولا يشفي الغليل ولا يذكي أنه فعلا تربطه علاقة حب ومودة بالمكفوفين على الأقل كان بالإمكان ذكر بعض الأسماء المشاركة في العرض؟ ومن صاحب العمل تأليفا وإخراجا ؟ ونبذة أو مخلصا عن العمل ؟ وهاته الصورة عامة في الإعلام العربي؛ وعند الباحثين؛ وهذا له علائق بالخلفية الذهنية العربية تجاه الكفيف . والآمر ليس وليد اليوم بل منذ بروز جمعيات للمسرح المكفوفين في بداية التسعينيات من القرن الماضي: وحسب معلوماتي كانت في أوائل التسعينات فرقة موسيقية وفرقة مسرحية تضم بعض المكفوفين من أصحاب المواهب الفنية المسرحية التي نالت إعجاب الجمهور، ثم اختفت رغم وجود هؤلاء الفنانين الذين يتمنون إعادة نشاط الفرقة وتقديم الأعمال التي تبرز قدرة وموهبة الكفيف في المسرح والغناء ويجب على الجهات المختصة عدم تجاهل الفرق الفنية المكونة من المبدعين المكفوفين وإتاحة الفرص لهم لممارسة عملهم الإبداعي الواعي.... ومن غير الإنساني أن نجعل الكفيف مهملاً في زاوية من المجتمع وكأنه إنسان عديم النفع، إن الجمهور اليمني، جمهور واع ومشجع لكل عمل فني جيد يقدمه فنان كفيف أو فنان سليم، وعندنا إمكانيات مسرحية نادرة ولكن أمامها عقبات يجب معالجتها (9) فمعالجة العقبات؛ ترتبط بتفعيل المؤسسات؛ عبر القوانين والضوابط المساهمة في ازدياد الثقة للمكفوف؛ وتدعيمه لممارسة إبداعه فوق الركح ويستطيع أن يعتلي خشبة المسرح بكل حرية وتلقائية؛ فرغم العراقيل؛ فالعديد من المكفوفين بإرادتهم حاولوا اقتحام الركح والاعتلاء عليه للتعبير وممارسة شغبهم وهوايتهم الدفينة؛ ولا سيما أن المسرح فعل اجتماعي ؛ تشاركي؛ يحقق لممارسيه قدرات خاصة؛ وشعور نفسي معين؛ وبالتالي فالكفيف على المسرح يساهم في تطوير مهاراته وأدواته والتي بدورها ستساعده على تجسيد الشخصية بأفضل صورة ؛ وكذا تنمية حواسه غير البصرية وتدريبها؛ مما تمكنه من التعرف على الأشياء المحيطة به، وتساعده على الإدراك. ولا يمكن للكفيف أن يعرف الأشياء من حوله كالأسوياء، ولكن قدرته على الإدراك تتطور وتنموأساسا بعمليات التدريب المستمرة وبالتالي فالتداريب والممارسة .: لم تغير منظور الممثلين المكفوفين لأنفسهم وزادتهم ثقة في أنفسهم فحسب، بل أثبت بعض من هؤلاء المكفوفين بعد تجربته المسرحية، تحسنه بل تفوقه الدراسي... بل قد تغيرت حتى نظرة عدد من أفراد المجتمع إلى هؤلاء الناس، الذين غالبا ما ينظرالى مصيرهم في الحياة كقراء للقرآن في مداخل الجوامع وعلى المدافن أو متسولين في الأزقة و الشوارع (10)
إحالات :
1) سلسلة التراجيديات اليونانية -1- تراجيديا سوفقليس: ترجمة عبد الرحمان بدوي ص 110/111
2) نظرية الدراما الإغريقية لمحمد حمدي إبراهيم ص 182/183 الشركة المصرية العالمية للنشر- لونجمان - ط 1/ 1994
3) نفس الإحالة ص 255
4) كتاب إنما نحن ... جوقة العميان للتركي الدخيل ص30 الناشر مدارك الإبداع / بيروت - ط 2/ 2011
5) اللجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الدورة الحادية عشرة- 30 / مارس – 2014 البند 10 من جدول الأعمال المؤقت
6) تصريح هشام البوكيلي عضو المجموعة الوطنية للمكفوفين المعطلين- لشبكة الكفيف العربي في 14/ 05 / 2007 "ا لمكفوفون المعطلون بالمغرب بين تحديات الإعاقة وسوق الشغل كتبه: رحمة بوشيوع الجوهري
7) تصريح أحلام جلال وكيل مدرسة النور للمكفوفين بالاسماعلية: لجريدة الوفد - تحقيقات وحوارات تقرير: ولاء وحيد-24 / 10/ 2015
8) انظركتاب إنما نحن ... جوقة العميان للتركي الدخيل ص63/64 الناشر مدارك الإبداع / بيروت - ط 2/ 2011
9) عبقرية الكفيف المبدع :لزينب حازم - جريدة 14 أكتوبر في 27/03/2007 عدد 13708
10) الربيع العربي في الصندوق الأسود: مسرح مكفوفي البصر في سيدي بلعباس-
صحيفة القدس العربي بقلم إدريس الجاي: 2012-12-30
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.