نحن نعيش فجر ثورة روحية اظلنا زمانها مجهودات المصلحين الدينيين لم تعد مقنعة للمتمردين على كل قديم، فقد اجتاحت أوروبا موجة من العقلانية المتنكرة للدين والروحانيات، ركبتها أوروبا وبها وصلت للشواطيء التي يقف عليها العالم اليوم. شواطيء فيها كل شيء إلا السعادة الداخلية أو الغنى الروحي أو الطمأنينة النفسية. وكل تلك المفقودات في حقيقة الأمر قريبة جداً من تلك الشواطيء إذا وجدت الإرادة والرغبة من العلماء والباحثين. في ظل هذا الوضع الحداثي السعيد والمتأزم في آن واحد لزم رجال الدين المسيحي الصمت وطرق النجاة ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه أمام ذلك الطوفان العارم الذي قضى على كل قديم بخيره وشره مما أحدث شرخاً وألماً عظيماً على مستوى الأفراد وعلى مستوى المجتمعات في نفوس الكثير من المؤمنين في الغرب في ذلك الزمان وإلى اليوم. تلك هي النار الحارقة التي عليها استوت الحداثة التي بها اجتاحت أوروبا عالم اليوم والتي نصطلي نحن اليوم بنعيمها وبلهيبها في منطقة الشرق الأوسط وافريقيا والعالم الإسلامي. لم يكتفي أصحاب التفكير المادي بالبحث في مجال الطبيعة وظواهرها بل زحفوا رافعين راية النقد والتمحيص والنظر على كل مقولات الأديان وطرحوا كل المشروع الديني "خصوصاً المسيحي" على بساط البحث والنظر فأحدثوا رجة عظيمة هي كالقيامة الفكرية وهناك لم يجد أهل الدين المسيحي ما يدفعون به عن عقائدهم. و"بدأ إنطلاق العمل الفعلي للقضاء على مكانة الثقة والتقليد في حياة الفكر. وتطور الأمر إلى بحث أوروبا عن قيم أخلاقية في النظام الطبيعي نفسه بديلاً عن القيم الأخلاقية الدينية". ولكنهم لم يكونوا مصيبين فيما ذهبو إليه " ففي مقابل اقتلاع شيطان واحد نبت عشرة من الشياطين". ولقد احتاطت عناية السماء لكل ذلك بإرسال نبي الإسلام بالقرءان الذي بدأ مشروعه الديني بالعلم والقلم والقراءة والنظر والتفكر. ولذلك لا يتعب رجال الدين الإسلامي كثيراً في مدافعة الماديين ذلك لأن للإسلام والقرءان منطقه العلمي العقلاني الخاص به الذي به يخاطب العقول لدرجة معقولة وهو ما يفتقده طرح الكتاب المقدس. فطرح القرءان هو طرح جبريلي ملائكي لديه اعتبار لعلم الظاهر بينما طرح الكتاب المقدس طرح آدمي يميل إلى علم الباطن. وعليه يكون المشروع الإسلامي قد أكمل المشروع اليهودي المسيحي، وعليه لن يكتمل مشروع العالمية الثالثة إلا بالأخذ بكل مفهوم الكتاب الأول والثاني والثالث. [email protected].com