إنه هو ، ذاك الحزن اللامحدود واللامبالاة ، حينما يصير مالوفاً أمامنا، مشهد أطفال في أسمال بالية مهترئة، وهم يزرعون شوارع الخرطوم ، وطرقاتها آناء الليل و أطراف النهار ،مثقلة ظهورهم الطرية ، بما جمعته أيديهم البريئة الغضة من قمامة ونفايات ، ومن ثمّ يبيعونها بثمن بخس جنيهات معدودات،وترى أحيانا مجموعة منهم يعتلون ظهر كارو محمل بأكياس ، ظفروا بجمعها على مدى ساعات شاقة، تحت لهيب شلالات الشمس الحارقة المتدفقة علىى رؤسهم،والأدهي من ذلك، هؤلاء الصغار عرضة لامراض فتاكة من تلك النفايات الخطرة التي تحدق بهم و بمن حولهم، خاصة، أنهم يجوبون كل مكان ،وضف الي ذلك ، يفتقرون على نحو مطلق، للرعاية الصحية والإهتمام بالنظافة، فطبيعة ما يقومون به من عمل سلكتهم فيه الاقدار، لا ينسجم مع هذا المبدأ ،فمن المسئول عن معاناة هؤلاء الصغار؟ ،أطفال تعودت نظراتهم تتبع مكبات النفايات و السلال لا الكتب و الدفاتر،إنحنت ظهورهم من حمل جولات النفايات الثقال، لا الشنط المدرسية ،وكم تعبت أرجلهم من قطع المسافات الطويلة لهثا وراء نفاية تسكت جوعهم ،وليس وراء لعبة في فناء مدرسة ، أو في منتزه،بل حتي حينما يتسللون الي تلك المنتزهات ليس للهو كأقرانهم ،بل لجمع نفايات،هل تعلم عزيزيى القارئ، بان بعض هؤلاء الصغار يعول اسراً من عائد جهدهم الكبير و الشاق ،مقابل ثمن زهيد ، ضف الي ذلك المشقة النفسية ونظرات البعض الاشمئزازية لهم والمضار الصحية من إستنشاق بواعث النفايات، فهؤلاء الصغار لا ذنب لهم البتة في الحال الذي هم فيه ، فمنهم من لفظته الحرب، وقذفت به في جوف المدن الكبيرة ليلاقي مصيره المحتوم ،ومنهم من قست عليه ، واسرته صعاب الحياة الإقتصادية الساحقة، فزجت بهم في أتون المعاناة ووضعتهم أمام خيار لا خيار بعده الا الفناء و الموت جوعا،كم يعتصرني الالم، كلما أرى ذاك اليافع "شريف" إبن الاحد عشر ربيعا ، وهو يحّمل عربته الكارو المستأجره ،بالنفايات نظير مبالغ لا تسمن و لا تغني من جوع ،وهو يقوم بذلك، بعد يومه الدراسي،فنظراته تشع ذكاء وتحدي في آن معا ،وهو يقوم بعمله بجدية وإهتمام ،فكم من شريف قست عليه منظومتنا الإجتماعية بالعيش في قاع المعاناة، والرزح في براثن الضياع ،انهم أطفال و صبيان يقدمهم المسئولون عن حماية و رعاية الطفولة ، قرابين للضياع و الحرمان من طفوله آمنة وطبيعية مثل اقرانهم في كل مكان في البلاد. كيف تكون لنا عاصمة حضارية اذا فشلنا في توفير حياة كريمة لهؤلاء الصغار الابرياء ؟ فكل هذه المعطيات المفجعة تحتم على جهات الاختصاص و السلطات على مستوى رئاسة الجمهورية الإلتفات الي ظاهرة اطفال القمامة هؤلاء ومعالجتها عاجلا، انها ظاهرة متفاقمة وتشكل تهديدا صحيا و نفسيا لهم و للجمتع،فيجب دراستها ووضع حلول نهائية لها،وذلك بتقديم العون لهم و الحاقهم بالمدارس حتي يعودوا الى وضعهم الطبيعي و التمتع بمستحقاتهم كمواطنين لهم الحق في التعليم و العلاج و الرعاية الكاملة من قبل الدولة وكفي أن يحملوا احلامهم و قوتهم النتن على أكتافهم في كل الطرقا هائمون ويمشون على وجع. صحيفة المستقلة -الاربعاء 22 مارس 2017 [email protected]