٭ بالأمس قلت لكم تأتي الذكرى التاسعة عشرة لرحيل الشاعر نزار قباني الذي شغل الناس عبر أكثر من ستين عاماً ومازال يشغلهم سأكتب كلمات عابرات كلها تصب في معنى واحد ان المبدعين وعلى رأسهم الشعراء لا يموتون لأن كلماتهم تقهر الموت. ٭ ومنذ عام 4791م تعايش نزار قباني مع متاعب قلبه برؤية الفنان الشاعر.. يداعبها ويتخيل ما فعلت بقلبه يقول عندما بدأ الأطباء في جراحة قلبي لن يجدوه فاحتلت مكانه قضاياه الكثيرة في مطلعها قضية نون النسوة وتاء التأنيث ومواجع القضية العربية وهموم العرب وسخافات بعض الحكام. ٭ ونزار قباني الذي نعاه الناعي في أمسية الخميس الخاتم لشهر ابريل عام 8991م كان ظاهرة ابداعية بكل المقاييس ظاهرة شعرية ونثرية شغلت الساحة الأدبية منذ عام 0491م العام الذي أصدر فيه ديوانه قالت لي السمراء وأطلق القنبلة في المجتمع الشرقي وقامت القيامة ولم تقعد حتى دخلت دنيا السياسة منذ خبز وحشيش وقمر وهوامش على دفتر النكسة وإلى الخطاب ويوميات بهية المصرية حتى إعلان وفاة العرب. ٭ الناعي نعى نزار قباني الذي شكل حضوراً مكثفاً ومثيراً للجدل والمعارك من 0491م 8991م حضوراً بالحركة والندوة والمقالة السياسية المواكبة.. نعاه لعشاق كلماته ولأهل الابداع عامة ولكن الناعي نفسه يعلم أنه لم يمت وذهب جسده وبقيت كلماته التي ستشغل الناس من جديد تشغلهم مع متغيرات الحياة. والموضوعات.. المرأة في الشرق وفي الغرب وفي كل الدنيا مازالت محل قضية ونقاش والعرب مازالوا هم العرب.. مع الخبز والحشيش والقمر والمعارك الكلامية هي المعارك نفسها. ٭ نزار لم يمت.. بل كلماته وبصرف النظر عن موضوعاتها واتفاقنا أو اختلافنا معها تشكل علامة كبيرة ومحطة كثيرة الأضواء في ما يزيد عن نصف قرن وإلى قرون قادمة وقبله قالها المتنبي أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم. ٭ نزار قباني زار السودان مرات عديدة بدأها عام 9691م وفي دار الثقافة بالخرطوم قال «هذا الذي يحدث لي ولشعري في السودان شيء خرافي حتى لا يحدث الا في الحلم ولا في الأساطير شيء يشرفني ويسعدني ويبكيني.. أنا أبكي دائماً حين لا يجد الناس مكاناً يجلسون فيه فيجلسون على أهداب عيوني.. أبكي دائماً حين تختلط حدودي بحدود الناس فلا أكاد أعرف من منا الشاعر ومن منا المستمع. أبكي دائماً حين يصبح الناس جزءاً من أوراقي جزءاً من صوتي جزءاً من ثيابي». ٭ وعندما زار نزار قباني الخرطوم عام 0891م في مهرجان الثقافة الثالث قال «ها أنا مرة أخرى في السودان أتعمد بمائه واكتحل بليله واسترجع حباً قديماً لا يزال يشتعل كقوس قزح في دورتي الدموية... ويقول الحب السوداني ليس جديداً علي فهو يشتعل كالشطة الحمراء على ضفاف فمي ويتساقط كثمار المانجو على بوابة قلبي ويسافر كدمع أفريقي بين عنقي وخاصرتي هذا الحب السوداني لا أناقشه ولا أحتج عليه لأنه صار أكبر من احتجاجي وأكبر مني.. صار وشماً على غلاف القلب لا يغسل ولا يمسح. هانذا مرة أخرى في السودان وهل يمكنني أن أصرخ هنا، كما أشاء وأنزف كما أشاء. أنا أعرف السودانيين جيداً وأعرف ان صدورهم كغاباتهم مفتوحة للأمطار والريح والبرق والرعد والحرب.. لقد قبلت دعوة وزير الثقافة والإعلام للمشاركة في مهرجان الثقافة لأنني أولاً عاشق للسودان ولأن قصائدي هنا تعيش في بين أمها وأبيها». ٭ رحل نزار قباني الذي يعتبر الكتابة عملاً انقلابياً من الدرجة الأولي.. فقد كان يمتلك ناصية الكلمة تماماً وهي تنقاد إليه في طاعة عجيبة.. رحم الله نزار قباني. هذا مع تحياتي وشكري الصحافة