شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالفيديو.. بشريات عودة الحياة لطبيعتها في أم درمان.. افتتاح مسجد جديد بأحد أحياء أم در العريقة والمئات من المواطنين يصلون فيه صلاة الجمعة    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح: بدأت قواتكم المشتركة الباسلة لحركات الكفاح المسلح بجانب القوات المسلحة معركة حاسمة لتحرير مصفاة الجيلي    مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وزير الصحة: فرق التحصين استطاعت ايصال ادوية لدارفور تكفى لشهرين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آخر أخبار البحث حول حقيبة الفن السودانية (هناك مستجدات)!
نشر في الراكوبة يوم 12 - 06 - 2017


ملاحظة إستباقية:
الإنجليز وقعوا مواثيق صلح سياسي على مراحل مع الكيانات الإجتماعية الفاعلة في السودان وهما زعماء الطوائف ونظار القبائل. ولكن الصلح لم يشمل الإرث الثقافي لشعوب السودان او هي فرضيتي هنا، وأعطوا الأفندية (الموظفين) بقدر عطائهم في العمل الوظيفي غير السياسي. فسطا زعماء الطوائف ونظار القبائل على المشهد السياسي كل الوقت وحتى تاريخ اليوم بينما استعاض الأفندية وحتى تاريخ اليوم بالسيطرة على المشهد الثقافي بغرض الكسب السياسي فاحتكرو صناعة جل الفنون الحديثة ومنها الفن الغنائي كله، حتى لم تجد "الحكامات" شيئا يفعلنه فاختفين من التاريخ.. (هذه الملاحظة محورية في بحثنا).
وعدت الأصدقاء أنني سأنشر اليوم خلاصات أولية وكانت مشروطة بإنجاز عمل فني حتمي للبحث متعلق بثبت المراجع لجزئية جوهرية في البحث وهي: المحيط السياسي والإجتماعي والثقافي والتقاسيم والمناشط الإقتصادية والطبقات المسيطرة/المتحكمة في الفترة التي عاشتها حقيبة الفن أيام العهد الإنجليزي/التركي وحتى العام 1950 (ملاحظة: هو عندي ليس إحتلال إنجليزي/مصري إلا مجازاً كون مصر مستعمرة تركية/إنجليزية حتى العام 1952 وكانت قناة السويس محتلة حتى يونيو من العام 1956 عام الجلاء وهو كما هو معلوم من اهم المناسبات/الأعياد الوطنية المصرية). هذه المعلومة مهمة كونها ستتعرض للإضاءة في ثنايا البحث عندما نبحث في التيارات السياسية التي شكلت خيال الناس في تلك المرحلة الهامة من عمر السودان.
وهي ست تيارات وليس إثنان فقط كما نختزلهما في كلامنا اليومي فنقول: تيار الإستقلال (ملاحظة توضيحية، لا أعني هنا تيار الإستقلال الشامل ورمزه ود حبوبة بل تيار الحلف مع الإنجليز ضد وحدة وادي النيل اي الإستقلال المنضبط وهو التيار الند الاقوى الذي انتصر على وحدة وادي النيل فكان الإستقلال من داخل البرلمان). وتيار وحدة وادي النيل الذي ظل يداعب الأحلام بين حين وآخر دون أن يتحقق في الواقع. وتلكما كانتا الإيديولجيتان الظاهرتان اللتان إنقسم لاحقاً على أساسهما المشهد السياسي كله في السودان بعد دخول الأفندية مؤخراً إلى الساحة السياسية عبر المؤهلات الاكاديمية. فكان إنقسام مؤتمر الخريجين بين الطائفتين "الأنصارية والختمية" ثم توالت الإنقسامات والحروب والإنقلابات وحتى تاريخ أول إنقسام مادي/جغرافي وهو إنقسام جنوب السودان عام 2011.
بعد القراءة والتمعن في واقع اللحظة التاريخية ايام العهد الإنجليزي وجدنا أن هناك ست تيارات سياسية فاعلة ومختلفة في توجهها الآيديولوجي. ستة تيارات!.
وأن تلك التيارات عادة ما يعلو فعلها/أثرها أو يهبط من مرحلة إلى أخرى وبعضها ظل فاعلا كل الوقت. وعلى قاعدتها تشكلت حركات وأجزاب وجمعيات أدبية وسياسية، مثل: جمعية وحدة وادي النيل عام 1918 واللواء الأبيض 1924 ومؤتمر الخريجين 1938 والأمة والأنصار والحزب الإتحادي والمزيد. وعلى أساسها تم إعدام ود حبوبة .. ود حبوبة يمثل التيار التحرري المستقل "ضد الإحتلال بشكل شامل" بينما على عبد اللطيف يمثل التيار التحرري الوحدوي، ضد الإنجليز وحدهم أو كأولوية مطلقة، دا مجرد مثال عاجل، التحليل يأتي لاحقا).
تلك التيارات ذات اثر حاسم في تشكل الوعي الوطني والسياسي كما بالطبع تشكل المشهد الثقافي بشكل مختلف عن الماضي!. كما تلك التيارات حددت وجهتنا في إنماط الفن التي صنعناهاأو/و تبنيناها في السودان و أيضاً مصر مع إختلافات مقداراية وليست نوعية.
خلاصة قولي هنا لمن تابع بوستاتي السابقة حول الموضوع: أن هناك خمسة اشخاص مؤهلين في مجالات مختلفة يعملون معي في البحث (جمع الوثائق الكتابية والمسموعة والمرئية وكل كل الممكن من المهام) وهم الاعزاء: يسرا بن إدريس ومعتصم بيضاب ومجدي الحسن ومنعم وهناك آخرين ساهمو مساهمة كبيرة على حائطي بالفيسبوك فرفدو البحث بقدر من المعلومات والتحليلات والإنفعالات العظيمة، فشكراً وسعادة بكم أجمعين.
للأسف الصديق الخامس إنسان عزيز وجدير بالمهمة وأكثر وهو كان زميلي في كلية غردون التذكارية/الخرطوم (قسم الانثروبولوجيا) لكنه لأسبابه الخاصة لم يبلغني أنه لم يقم بمهمته التي يتوقف عليها إضاءة هذه الجزئية الهامة من البحث إلا اليوم. لذا رأيت أن الأفضل للعمل أن يكون في كماله الممكن ولا كمال طبعا. وعليه لن يتم نشر خلاصة من أي نوع حتى يتم إكتمال البحث بالصورة المثلى. ودون إستعجال قد يخل بالمحتوى المعنوي او الفني. في الحقيقة أنا منفعل جداً مع الناس، كم هذا جميل، لكنه ربما كان أهم نقاط التحدي في أن يكون البحث سليماً من الناحية المعيارية/العلمية وإمتثال الأعراف الأكاديمية. ثم أخشى أن يكون إستعجالي في نشر خلاصة أولية للبحث كان مسوقاً بنزعات ذاتية!. أزعم أنني قادر على إنتقاد منهجيتي في البحث وأن أفعل تقيم ذاتي للعمل mentoring and evaluation
إذن البحث سينشر كاملاً حين جاهزيته للنشر وعبر دار نشر رسمية (870 صفحة حتى الآن).
ولكن ومن حين إلى اخر ربما أنشر بعض المواد أو الوثائق الكثيرة التي حصلت عليها مع تعليق صادر من رؤيتي الخاصة وليس نتيجة بحث، أي أنا العادي كما تعرفونني اشارك معكم كالعادة.. مجرد توضيح.. شكرأ لصبركم.. واجمل معاني الحب والإحترام لكم أجمعين.. وأسف إن كان في الحوارات الكثيرة حول الموضوع أهملت أحدكم من حيث الردود أو تماهيت مع الإنفعالات الكثيرة التي أعتبرها حميدة ومفيدة لأانها المشاعر الإنسانية ما دامت غير مغرضة!.. فقط علينا أن لا نسرف لأن القضية عادية، مجرد بحث صغير ولا شيء غيره، أنا أعرف ذلك!. ويمكن الموافقة على محتواه أو الرد عليه وتفنيد حججه اي كانت. وتلك هي القضية وعادية.
لحظة لطفاً "في كلام تحت إختياري القراءة بالذات لمن أراد الرد أو التداخل "المفيد" على جزئية التيارات والإفتراضات التي قلنا بها أعلاه" أو اي شيء متعلق.
من أراد أن يتعرف بشكل اكثر دقة على النقطة المعنية بالتيارات المتنافسة/المتصارعة/المتصادمة في مستوى السيطرة على السياسة والسوق والثقافة ومن الثقافة الفن في النصف الأول من القرن العشرين يستطيع أن يشاركني قراءة المقطع التالي من البحث (ليس في شكله النهائي بعد من حيث المحتوي ولا اللغة) لكنه يعطي ملامح الفكرة. أي مراجع ايضاً مطلوبة من الاصدقاء سواءاً كانت كتابية او مسموعة أو مرئية الخ.
المحيط السياسي والإجتماعي والثقافي والتقاسيم والمناشط الإقتصادية والطبقات المسيطرة/المتحكمة في الفترة التي عاشتها حقيبة الفن أيام العهد الإنجليزي/التركي
في العام 1899 دخل الإنجليز السودان واستطاعو إحتلاله بعد مجزرة دموية عظيمة راح ضحيتها الآلاف من السودانيين "جدودنا العاديين" في معركتي كرري وأم دبيكرات ومعارك أخرى. (لم نهزمهم ولكن سحقناهم) هكذا قال تشيرشل في كتابه معركة النهر. بمعنى أنهم شجعان واولي ولاء عظيم لقضيتهم فقدموا صدورهم للسلاح الناري المتطور بلا تردد املاً في النصر.
ووطد الإنجليز حكمهم على المدنية الغربية الحديثة. وكان عدوهم الأكبر في المرحلة الأولى هم أهل الطرق الصوفية وفي مقدمتها طريقة المهدي الأنصارية المنبثقة عن الطريقة السمانية. وكان العدو الثاني هم الكيانات القبلية والعشائرية الحية في الوسط النيلي وكردفان والشرق ودارفور وسائر أرجاء السودان. إذ أن المقاومة ضد الإنجليز في بدايات الغزو قادها هؤلاء ومن أبرزهم "ود حبوبة" ومثله الكثرين، قبل أن يعمل الإنجليز لاحقاً على إحتواء الموقف المتفجر عبر العسف المادي ثم تم الصلح عبر قسمة السلطة والثروة (في مستوي تحتاني) مع شيوخ وزعماء الطوائف والقبائل.
أعقب ذلك بعملية رشاوي عظيمة، من أبرزها منح أراضي زراعية شاسعة لآل المهدي والميرغني وآخرين. وتعيين الكثير من زعماء القبائل والعشائر في وظائف سياسية وسيادية وبرلمانية. حتى وصل الصلح مداً أهدى عنده الإمام عبد الرحمن إبن المهدي الكبير سيفه لملك بريطانيا العظمى وهي قصة معروفة وموثقة.
وإن تم الصلح السياسي فلم يتم صلح ولا تصالح مع الإرث العشائري/القبلي المشوب بالفخر بالذات والفروسية وإثارة حمية الحرب لدى الفرسان السودانيين (الأشعار والأغاني: الحماسة والدوبيت وغيرهما الكثير. لا بد أنها نماط شعرية وغنائية وظيفية تحمل جينات التمرد (نحن أولاد بلد نقعد نقوم على كيفنا وفوق رقاب الناس مجرب سيفنا) مثل هذا الشعر سيزعج أي دخيل يسمعه طبعا، اليس كذلك!.
إنها على اقل تقدير أنماط أدبية/فنية غير محبذة مثلها والأشعار التي تمجد رجالات الصوفية "الدراويش" بلغة الإنجليز، الذين أستطاعو هزيمة القائد الإنجليزي الفذ وقطع رأسه "في وضح النهار" وهو طبعا الجنرال الإنجليزي العظيم غردون باشا الذي تأسست للتو في العام 1902 كلية تذكارية بإسمه في قلب الخرطوم، تخرج منها في العام 1918 خليل فرح والعمرابي ومصطفى بطران ودميتري البازار وهم من أعظم مؤسسي شعر الحقيبة .. وانا برضو لاحقاً قريت في نفس مباني الكلية التذكارية وتخرجت الاف الالاف منها الناس الخيرين والاشرار، وهذه حاجة جانبية على سبيل المناسبة)!.
إن أغاني الدوبيت والحماسة والمناحة والدلوكة والمديح تعتبر أشعار مقاومة في نظر الإنجليز وهي من أهم الإنماط الشعرية الغنائية في العهود السابقة بداية بالعهد السناري وربما قبله بأمد غير معلوم.
العامل السياسي عضدته عوامل أخرى لا تقل حسما وهي الرؤى المدنية الحديثة الوافدة مع الفتح "الإحتلال" والمفاهيم اللبرالية ومفاهيم الوطنية المضادة للقبلية والعشائرية (يقودها الأفندية) ثم السوق الحديث الذي يتطلب فن حديث يستطيع أن يرضي الأذواق الجديدة. ويرضى في نفس الوقت الإنجليز والمصريين "الأتراك/البشوات" حكام السودان آنذاك.
وعند ذلك يزدهر الفن كما يمكن أن يكون مهنة "نشاط إقتصادي" مثل كل المهن يعتاش منها مشتغليها كلما أمكن بيع الفن كترفيه في السوق مثله وأي بضاعة. وهو بالضبط ما حدث، ففي العام 1930 قامت أول حفلة تجارية في سينما كلوزيوم، نظمها ابو الفن دميتري البازار (هو نفسه قال بذلك في تسجيل إذاعي، وذكر أن لقبه "ابو الفن" يعني الفن السوداني الحديث). وقبل العام 1930 كانت أسطوانات الغناء الجديد تباع في السوق بواسطة دميتري البازار وآخرين.
وفي محاولة البحث عن نمط شعري جديد وفق الضرورات الملحة الف إبراهيم العبادي كتاباً أسماه "أستاذ الأغاني" في الثلاثنيات وطبعه في مصر وجاء به إلى السودان.
ويبدو أن كل شعراء ومثقفي ومغني تلك الحقبة الزمنية كانو مهمومين هماً كبيراً بإيجاد نمط شعري جديد يواكب اللحظة التاريخية الجديدة وبشكل عاجل كما هو واضح من الإجتماعات الساخنة التي تمت في منازل كل من خليل فرح والعبادي والعمرابي ومصطفى بطران ودميتري البازار وسرور واخرين (المرجع: كلام: دميتري وسرور والعبادي والسر قدور وآخرين/تسجيل اذاعي).
كانت تلك الإجتماعات مخصصة لمناقشة خلق/صناعة/إيجاد نمط شعري وغنائي جديد في السودان وفق مواصفات جديدة مختلفة عن الأشعار والأغاني السائدة التي تمجد الفرسان أحياءً وأموات "الحماسة والمناحة والدوبيت" أشعار العزة والتمرد والاستقلال المطلق والفخر بالذات الحرة في الإطلاق . كما المديح الذي يمجد شيوخ الطرق الصوفية بالإضافة إلى وظائفه الأخرى في التقوى ومدح الرسول "راجع أعلاه.. المديح أيضا خطر على العهد الجديد من تجارب الماضي! .. لا بد من صناعة فن جديد لأن الحياة لا تصح بلا فن!.
عناصر المشهد السياسي بشكل أكثر تفصيلية.. مزيد من إلقاء الضوء على خلفيات تخلق الفن الجديد "الحقيبة":
كانت هناك ستة تيارات سياسية/آيديولوجية عريضة في السودان كل أيام العهد الإنجليزي.
تلك التيارات بقدر تصالحها الشكلي/الظاهري كانت في العمق متنافسة ومتصارعة مع بعضها البعض حد الفناء، وهي:
1- التيار الإنجليزي الأقوى والأعتى إذ الإدارة العليا في يد الإنجليز (خط مساند للخط الإستقلالي المنضبط الذي يمثله تيار الامة والأنصار بشكل اكثر حدة من حيث السياسي وله عناصره الثقافية الواضحة حتى الآن)
2- التيار التركي/الباشوات حكام مصر الفعليين، المسيطر الفعلي الثاني ولا غيره (مساند لتيار نسخته الخاصة من وحدة وادي النيل" هنا سر التشويش في دعوة وحدة وادي النيل كون هنا توجد تحت الركام النسخة المدسوسة والمغشوشة من دعاوي وحدة وادي النيل"!. (مثال المكاواة أن السودان تابع لمصر).
والبقية تيارات معارضة من حيث الجوهر للتيارين اعلاه لكن هناك تشابكات ومتقاطعة في المصلحة أو ضدها من واقع القمع والركون أحياناً لمنطق الواقع بحكم الضرورة:
3- التيار الوحدوي التحرري المصري/عموم المصريين من عمال وموظفين وعساكر عاديين إلخ .. وهو منبع الرؤية الحقيقية الشعبية "المصرية/السودانية" في الإنعتاق من الإستعمار وبناء وطن قوي موحد (وادي نيل موحد) على اساس طوعي وندي. وهي نسخة معطوف على "4" صالحة كل الوقت وحتى الآن.
4- التيار الوحدوي التحرري السوداني "عمال وموظفي المدن من الافندية، إضافة لعدد من الطوائف الدينية واهما الختمية" وهو تيار متحالف بالضرورة أو شبه مندغم مع التيار التحرري المصري (البشر العاديون/الشعوب) كون المصلحة واحدة والمصير مشترك في التحرر والإنعتاق من الإستعمار الإنجليزي التركي في مصر والسودان على حد سواء (هنا يكمن سر بريق النداء بوحدة وادي النيل الذي تم توسيخه لاحقاً عبر دمجه بالتيار العدو للشعب المصري والسوداني على حد سواء وهو التيار رقم "2" انظر اعلاه. هذا الحلم معطوفا على "3" مازال صالحا ومشرعا على كل الإحتمالات.
5. التيار التحرري الإستقلالي (الشامل) في مصر.. غير متحالف مع احد.. ضد الإنجليز والباشوات "الأتراك/الالبان/الشركس"بشكل مطلق ورمزه الدائم الزعيم عرابي (تم سحقه و هزيمته المادية بشكل شبه كامل) لكنه ظل يمثل حضوراً عظيماً في الأدب والرؤى والأشعار والميثولوجيات الشعبية.
6. التيار التحرري الإستقلالي الشامل في السودان ضد الإستعمار بشكل كلي كما أن ليس في خاطره تحالف مع أي قوة اخرى خارجية مثلما لدى الافندية في الخرطوم "هنا لا مدح ولا قدح بل قراءة محايدة". ورمز هذا التيار الحر المستقل والمتحرر كلية رمزه الاول هو عبد القادر ود حبوبة (تم هزيمة هذا التيار المادية وسحقه بشكل شبه كامل) لكنه ظل من نظيره المصري/العرابي يشكل حضوراً كثيفاً في الأدب والرؤى والأشعار والميثولوجيات الشعبية (بتريد اللطام
بتريد اللطام أسد الكدادة الزام
هزيت البلد من اليمن للشام
سيفك للفقر قلّام
بالصفا واليقين حقيقة انصار دين
بالحربه ام طبائق قابلوا المرتين
فى وش المكن رقدوا التقول نايمين
تيّم فى التقر انصار زاربنو
بعهدوا القبيل بعيسى تاهمنو
اتلموا العمد ليهم نقر سنو
الهوج و الشرق طار المنام منو
تيّم فى التقر قال العمير للسوم
القوى والضعيف من عينو طار النوم
الكفرة النجوس ما بختوا من اللوم). ادب ساخن حد الموت ضد الإنجليز.. أي فنان يتغنى بتلك الملحمة ايام الأنجليز سيعرض نفسه إلى ما لا يحمد عقباه.. اليس كذلك!، طبعا، انت إذن تشجع االتمرد على السلطة الشرعية "حسب تصورها لذاتها".
(أب كريق في اللج .. سدر حبس الفجج.. خال فاطنة) ادب ضد الأتراك. دا برضو كلام خطر.
وهناك آلاف الأشعار والأغاني من تلك الانماط كما المدائح أصبحت محرمة بعد الغزو الأنجليزي/التركي في العام 1900 وحتى خروج الإستعمار من السودان، فنرى الأن أغاني المقاومة تلك صدً لفخر قديم يتغنى بها الفنانون الجدد وغيرهم في القنوات الفضائية المعولمة والقاعات المكندشة في شكل ترفيه يتباع بالقروش في السوق من فنانات رائعات مثل إنصاف مدني وآخرين وأخريات.
وإذ اندثرت المقاومة السودانية الشعبية الأصيلة (نسخة: بتريد اللطام وأب كريق في اللج).
فأنتقل الإنجليز بعدها إلى مرحلة "رخوة" من التنافس، ليس مع احد غير شريكهم في الحكم "الباشوات" والأخطر النسخة الأصيلة الشعبية المصرية السودانية. فأصبح الصوت الذي يزعج الإنجليز هو نداءات وحدة وادي النيل "الشعبية الندية الاصيلة". وحدة وادي النيل كانت شعاراً مقدساً لدى التحرريين "الوحدويين" في القسمين من وادي النيل وهي تسمية مضادة للإستعمار الإنجلزي/التركي لكن لا إستقلالية شاملة!.
فتأسست أول خلية لوحدة وادي النيل "حسب شهادة دميتري البازار" في العام 1918 وتم على أساسها فصل دميتري وخليح فرح والعمرابي ومصطفى بطران من كلية غردون. وعلى خلفية هذه الجمعية تأسست جمعية أخرى أشد بأساً وصرامة بدورها تنادي بوحدة وادي النيل وهي جمعية اللواء الأبيض ومن رموزها البارزة على عبد اللطيف.
في الجانب المصري أهم رموز التحرر من الإستعمار الإنجليزي/التركي هو سعد زغلول "وحدوي شعبي حر".
ولاء معظم شعراء ومبدعي الحقيبة في السودان كان مع هذا الخط . وهم في العادة غير قبليين ولا عشائريين ولا طائفيين إلا تكتيكيا!. وكان معظمهم من طليعة مثقفي البلاد على مستوى التمدن والمدنية.
ولو تأرجح ولائهم بين الإنجليز في الخط الإستقلالي المنضبط والخط التحرري الوحدوي بين حين وآخر.. ولكن حالة الشد والجذب ليست دائماً فاعلة وحية وإنما كثيراً ما يتصالح الناس مع الواقع القائم كما أن الحركة التحررية ليست بمنأ عن الإختراق وهناك إشاعات مثلاً حول دور دميتري البازار وهو رجل تبناه الإنجليز في الخرطوم وأبوه أغريقي وجده سلاطين باشا "من شهادته بنفسه في حديثه الإذاعي سنة 1974".
ولا شيء مؤكد والإدعاءات قد تفتقدها البراهين، ولكن... تلك التحولات والإنفاعلات العظيمة أنتجت واقعاً جديداً أحتاج أدوات تعبير جديدة فكان النمط الشعري الجديد، إحدى تجلياته الفن الجديد " الحقيبة".
إنتهى المقطع من البحث.. كان ذلك مقطع صغير غير نهائي من بحث حول حقيبة الفن السودان "إبداعات وإشكالات حقيبة الفن السودانية" نحاول من خلاله أن نعاين المحيط الذي نشأت في كنفه حقيبة الفن.
محمد جمال الدين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.