ما بين طموحات الاقتصاديين وآمال المواطنين طوي الملتقي الاقتصادي الثاني أوراقة وأسدل الستار عليها لتبقي الأزمة الاقتصادية بالبلاد بين طيات الورق ضمن التوصيات والمخرجات التي تمخضت طيلة مداولة يومين متتاليين وسط لفيف من الخبراء الاقتصاديين والأكاديميين والتنفيذيين والمعنيين من أجهزة الدولة الاقتصادية . فالملتقي بالرغم من كونه ظاهرة صحية تشخص أعراض الاقتصاد السوداني المتراجع إلا أن اقتصاديين رؤوا عدم اختلافه عن سابقاته من مؤتمرات اقتصادية مضت حيث لا تزال القضايا هي ذات القضايا والأزمات نفس الأزمات والحاجة إلي إصلاح لم تراوح مكانها فالانهيار الذي أطال الاقتصاد من تضخم وتراجع في الإنتاج بالدولة لا يمكن أن إصلاحه مجرد تداول لأوراق وتوصيات تحتاج إلي التنفيذ أكثر من الشرح والتوضيح. الملتقي برزت خلاله تساؤلات إلي السطح منها، كيف فوتت الدولة الاستفادة من الفرصة الكبرى خلال الأعوام الماضية والتي كان النفط فيها يثري الخزانة ويدر عوائد جمة .؟ حيث لم يتم توظيف تلك العائدات في مناحيها الحقيقة والطبيعية كالزراعة والإنتاج والقطاعات الحيوية الصناعية .فيما تكشفت تساؤلات أكثر عمقا خلال الملتقي ما إذا كان السودان دولة بإمكانها أن تدعم غيرها من الدول المجاورة في حين حاجة شعبها الماسة إلي تلك الخدمات .؟ ويتساءل مشاركون هل نحن جديرون بإنارة القرى التشادية فيما يغطي الظلام معظم مدننا وقرانا علي امتداد الوطن .؟ وهل لنا من الفوائض ما يجعلنا نقدم الخدمات والدعومات الي دولة أثيوبيا والصومال .؟ لكأنما أراد المشاركون وضع اللوم علي جهة بعينها جراء فرص التداول والمناقشات . ولعل وجهات النظر قد تباينت لدي العديد من المشاركين في الملتقي الاقتصادي الثاني فبعضهم يري أن الملتقي لم يلبي تطلعات البلاد والشعب من خلال وضعه النقاط علي حروف الخلل التي تنخر جسد الاقتصاد . ويري الخبير الاقتصادي أستاذ الاقتصاد البروفيسور عصام الدين بوب أن الملتقي لم يفلح في تشخيص القضايا كما يجب وقال عصام الدين ل"التغيير" أننا أتينا إلي الملتقي علي أمل أن نجد عرضا حقيقيا لمشاكل الاقتصاد السوداني لكن الأوراق التي عرضت بخلاف القليل منها كانت بعيدة عن روح المشكلة الحقيقية التي جئنا لسماعها والمتمثلة في انهيار الاقتصاد السوداني . وذكر بوب أن التعليقات التي وردت ضعيفة عدا ما تفضل به المهندس كمال علي والذي تطرق إلي إهدار الأموال والفرص من قبل الدولة ما بين العام 1999م إلي 2006م ولم تخصص أموال البترول للتنمية ويتفق عصام الدين فيما ذهب إلية كمال علي في أن ذلك هو مكون أساسي من مكونات المشكل الحقيقي للاقتصاد السوداني المتمثل في عدم القدرة علي تخصيص الموارد للتطوير الأمثل ويطرد بوب بالقول أن الدولة ليس بمقدورها إصلاح ما افسد في شأن الاقتصاد داعيا إلي الالتفات إلي الشعار الذي يتردد وهو التغيير الكامل في الإدارة الاقتصادية والسياسات المطروحة من قبلها . ويلمح في جانب آخر اقتصاديين إلي عملية الانفتاح الاقتصادي والتي وردت ضمن توصيات أوراق المؤتمر وتفعيل المخرجات تنفيذيا وإداريا . ويري بابكر محمد توم رئيس اللجنة الاقتصادية بالبرلمان رئيس احدي اللجان المشاركة أن هناك اتفاق عام حول بعض الموجهات من قبل المختصين خاصة فيما يتعلق بسياسة الانفتاح الاقتصادي والاهتمام بالإنتاجية ومحاربة الفقر .وقال بابكر محمد توم ل"التغيير" أن المقررات لم تختلف كثيرا عن سابقاتها في مؤتمرات مضت خاصة مؤتمر 1989 الأول في عهد حكومة الإنقاذ ونأمل أن تكون الموجهات أساسية في محاور ميزانية الدولة واصفا المعالجات "بالدواء المر" وهو لابد من تعاطيه للخروج من الأزمة برغم صعوبة التنفيذ . ويذهب محمد توم انه إذا طبقت التوصيات وتوجيهات رئيس الجمهورية سوف يحدث التغيير المطلوب مشيرا أن العبرة ليست بما يتمخض من تداول ومخرجات ولكن العبرة بالتطبيق مطالبا بالتزام الخدمة المدنية وعدم تدخل السياسة في مسار العمل الاقتصادي المتخصص. ولعل الملتقي استطاع بحسب اقتصاديين توضيح مسار المعاناة في الاقتصاد السوداني وتلمس جزءا منها خلال التداول . الدكتور شريف التهامي يري أن الملتقي استعرض معاناة الشعب السوداني وسياسات الدولة الاقتصادية تجاه الأزمات الراهنة التي كانت جزءا من حالات التعسر والتراجع .وقال التهامي ل"التغيير" الحكومة أمامها كل هذه الإشكالات وعليها الاستفادة من الملتقي بوضع التدابير اللازمة للخروج من عوائق الاقتصاد ومنعرجاته .وإنزال التوصيات إلي ارض الواقع بحيث تصبح محل تنفيذ والاستفادة منها في محاور التخصص . وبحسب اقتصاديون أن الملتقي الاقتصادي لم يلقي الضوء علي الأزمة الاقتصادية العالمية وتأثيرها علي الوضع السوداني الأكثر تدهورا. ويقول الدكتور حسين سليمان أن إفرازات الأزمة الاقتصادية العالمية ما زالت تلقي بظلال سالبة علي الاقتصاد السوداني وهو ما لم يتطرق إلية الملتقي بشكل واضح ويري حسين أن الاقتصاد العالمي بحالته الماثلة يشكل جزءا من التحليل المنطقي للظروف المماثلة في السودان . فيما أوردت الأوراق أن عجز الموازنة مقداره 3,4% ويشكل مشكلة كبري للاقتصاد ولكن الدول الكبرى وعلي رأسها أمريكا فإن مستوي العجز فيها بلغ 30%ما يجعلنا نطمئن إلي حد ما في المحاولة لإصلاح ما يمكن إصلاحه . الملتقي الاقتصادي الذي غاب عنه الاقتصادي عبد الرحيم حمدي وشرف رئاسة لجنته العليا الدكتور التجاني السيسي رئيس السلطة الإقليمية لدار فور لم تغيب عنه النكهة السياسية والتي وضعت قضايا أقاليم الصراع علي طاولت التداول والاهتمام هل ستجد توصياته حظا في برنامج الموازنة بالدولة أم ستبقي المخرجات مكانها الإدراج والأرفف.؟ وفي الوقت الذي تفتح جهات عدة شعبية بالوطن أشرعة الأمل في إصلاح الاقتصاد ورفع كاهل المعاناة عن المواطنين يظل الاقتصاد يتقدم بأرجل سلحفائية نحو الحلول .