الكويت – «القدس العربي»: ناقشت الشاعرة سعدية مفرح كتابها السردي «سين- سيرة ذاتية ناقصة» في نادي «زوايا فكرية» بمناسبة إفتتاح «النادي الثقافي» في مقر جمعية المهندسين الكويتيين، بحضور الروائي إسماعيل فهد إسماعيل؛ استهلت سعدية مفرح الأمسية بقراءة لمقاطع من نصها «موسيقى النوى» قرأتها بإحساس عال، بصوتها المرتجف وجلاً أمام فيض القصيد وإيقاعه المتنامي عابثا في روحها شغفا ودهشة، ثم دلفت لكتابها السردي الذي وصفته بأنه «ثمرة الوصل الالكتروني بينها وبين القراء وهو عبارة عن إجابات كانت تردها بشكل يومي على مواقع ثقافية على الانترنت، وحملت أسئلة في غاية الإحراج تخلو من المجاملة». وكشفت مفرح: أن الكتاب حمل اسمه الحالي «سين» في آخر لحظة بينما كان من المقرر أن يكون باسم آخر، هو «وأعدوا لهم من قوة» و ان «الإجابات التي تضمنها الكتاب تمثلها في وقتها، وأنها قد تجيب عنها بطريقة مختلفة الآن»؛ وعن السيرة الذاتية «الناقصة» قالت إنها «أضيفت من قبل الناشر في ذلك الوقت، معتبرة أن السيرة الذاتية تبقى ناقصة ولا تكتمل إلا بالموت، كما أنها منقوصة لأنها لا تتسم بالصراحة فهناك خطوط حمراء لا يمكننا تجاوزها في مجتمعنا»، لهذا لم تكن موافقة على إضافة عبارة «سيرة ذاتية» فأضافت لها كلمة ناقصة. ووصفت مفرح دور المؤسات الثقافية بأنه ملتبس، ففي الوقت الذي ينبغي فيه أن تقدم الرعاية للمبدعين، تبدو وكأنها تفرض نوعا من الوصاية عليهم، وأنها ترفض الرعاية المباشرة من قبل المؤسسات الحكومية للمواهب الشابة، فهذه الرعاية- برأيها تضع قيودا بشكل مباشر أو غير مباشر، فالمبدع يحد من إبداعه دون أن يقصد، حين يعرف أن هناك جهة ترعاه. وأوضحت أن أي جهة رسمية ترعى أي موهبة سيكون هناك مقابل مرئي أو غير مرئي لهذه الرعاية، فالمبدع الذي يقدم إبداعه لهذه المؤسسة وبرعايتها لابد أن يلتزم بشروطها، وهكذا يقيد المبدع نفسه في لحظة الابداع التي يجب أن يقتنصها ويطلق لها الحرية المطلقة، فلا يمكن للإبداع أن يقيد بشكل مباشر أو غير مباشر، وإذا قبل بهذا القيد فإنه سيكون أقل ابداعا وأكثر محدودية، وهنا نحن نتكلم عن لحظة الكتابة والتدوين للأفكار وليس النشر. لكنها أكدت على أن ثمة دورا واجبا على هذه المؤسسات تجاه المبدعين والكتاب، فلا يمكن إعفاء هذه الجهات من دورها في توفير بنية تحتية متطورة للمناسبات الثقافية وتنظيمها، من معارض للكتاب أو للفنون التشكيلية، ومؤتمرات، مهرجانات وأمسيات ثقافية ونشر وغيرها. وعن الأم تحدثت الشاعرة سعدية مفرح بتأثر بالغ: بعد رحيل والدتي، صرت أشعر أحيانا أنني هي، وأحيانا يختلط علي الأمر، فأستدعيها في مساءاتي بشكل قصدي لأحكي لها بعض ما مر بي أثناء النهار كما كنت أفعل دائما. وربما تصورت أنها هي التي تستحضرني من غيابي لأكون إلى جانبها بدلا من العدم، لفرط حضورها وجبروته المهيمن على حياتي كلها؛ رحلت والدتي فعلا، لكنها تركت الكثير منها فيّ، وبعد رفقة امتدت على مدى أكثر من أربعة عقود من الزمان بشكل يومي حميم، صرت- أنا المختلفة عنها دائما وربما في كل شيء، كما كنت أعتقد- أفكر كما كانت تفكر، وأحب ما كانت تحب، حتى عطر دهن الورد الذي كانت تفضله على غيره من العطور صرت أحبه واستلهمه وأكاد أشمه في كل فضاءاتي، كلما استحضرتها أو استحضرتني. قبل رحيلها.. لم يكن الموت قريبا مني إلى هذا الحد، ولكنها عندما ماتت في حضني، وتسربت روحها من جسدها وتصاعدت نحو السماء بينما اسند رأسها على صدري، كانت نظرتها الأخيرة لي، وكلمتها الأخيرة لي، ورائحتها الأخيرة الممزوجة بدهن الورد في انفي، فأي قصيدة يمكن أن تكون إذن؟!. عندما عدت بعد دفنها في مقبرة الجهراء الموحشة، كأي مقبرة، لغرفتي، شعرت أنني تحررت من خوفي الذي تنامى في السنوات الأخيرة بشكل مرضي عليها. لكنني لحظتها دخلت نفقا يشبه قبرا صغيرا، ثم حين ذهبت لزيارة قبرها لاحقا، تكثف المعنى الشعري كله في شكل القبر الذي كان أمامي. شعرت بألفة نادرة مع المقبرة، وكانت رائحة الورد تلاحقني وترسم خطوطا مستقيمة بين القبور الكثيرة لتدلني على ما يخصني من كومة تراب.. كنت ألمح قصيدتي معطرة بدهن الورد تنتظرني هناك كي ألحق بها يوما ما. وأجابت على سؤال «لماذا لا تكتبين رواية؟!»: ببساطة لأنني لست روائية، أرى أن كل روائي يملك خاصيتين، أن يملك موهبة كتابة الرواية وأن يملك الشغف الذي يجعله يعبر عن تلك الموهبة، وهذا ما لا أملكه؛ كثيرون حاولوا إقناعي أنني أملك الموهبة وأنها تظهر في بعض مقالاتي ذات النمط القصصي، لكن أقول لهم حتى لو كان ذلك صحيحا فأنا لا أملك الرغبة في كتابة الرواية وليست لدى قدرة على احتمال التعامل الكتابي مع التفاصيل، لهذا سأبقى قارئة وناقدة مخلصة للرواية، لكني بعيدة جدا عن كتابتها. ووجه الروائي إسماعيل فهد إسماعيل سؤالا للشاعرة «هل أفقدك النقد الصريح صداقات معينة؟!»، أجابت باسمة بالإيجاب: أفقدتني كتاباتي النقدية بعض صداقاتي، لكنها حالات قليلة جدا، وغالبا ما كنت اعتبرها لاحقا، وبعد أن تهدأ الأمور، بأنها لم تكن صداقات حقيقية، الصديق الحقيقي لا يمكن فقدانه بسبب نقد قاس مثلا يوجهه صديقه له، بل أن من شروط الصداقة الحقيقية- بالذات- أنها تسمح بتوفير مساحة من النقد القاسي بلا زعل ولا غضب. ثم حلقت الشاعرة سعدية مفرح من جديد في عالم الشعر وقرأت قصيدة «تغيب فأسرج خيل ظنوني» بناء على طلب الحضور قبل أن يكرمها النادي الثقافي بدرع تذكاري وتبدأ توقيع نسخ كتابها. منى الشمري القدس العربي