على نحو لافت تحوّل المشهد السياسي خلال اليومين الماضيين المحشو بالعمائم البيضاء إلى عرض كوميدي، تلك الكوميديا التي لا تصلح إلا للضحك. لم يعد مثيراً للاهتمام أي حديث سياسي مهما بلغ من الأهمية ومهما كان مصدره حتى لو بلغ مرحلة التنحي، فلم يعد يدعو للتوقف لو أُعلنت أي قرارات رفيعة ظاهرها يقول إنها ستؤثر بشكل حقيقي على الفعل السياسي.. التغيير الجراحي الذي أجراه المؤتمر الوطني في إزاحة وجوه قديمة عن المشهد السياسي لم يؤثر بشئ، بل لم يقدم أي نتائج إيجابية كانت هذه التعديلات قد أجريت لأجلها، لم تقدم شيئا تلك التعديلات التي قال عنها وزير الخارجية إبراهيم غندور إنها لو أجريت في بلد آخر لسالت دماء، لم تُقدم شيئا سوى أنها أضعفت نفوذ بعضهم داخل المنظومة التي لم تضعف في الحقيقة. الأزمة تبدأ من أعلى قمة حتى أدناها، فحلها لا يُمكن أن يتم عبر تبديل الوجوه وتقديم وتأخير أخرى، القضية لا تنحصر في أشخاص بعينهم، هي منظومة استشرت في كل شبر من الدولة، فماذا لو ذهب فلان وظلت فكرته وسياسته ومنهجه باقيا، وهل يحدث التغيير الحقيقي إذا ذهب شخص واحد وبقيت منظومة كاملة، ينبغي أن لا تُربط الحلول بذهاب الأشخاص فقط، ذهاب المنظومة بأكملها هو الحل، أزمات السودان المركبة تجاوزت حلولها الوقت الذي ينبغي، وسوف تستغرق المزيد إذا ما استمر اختزال الأزمة في أشخاص أو تبرئة أشخاص بعيداً عن المنظومة التي يتبعون إليها. ما يمر به السودان الآن ليس في من يريد معسكر السلام ومن يرغب في معسكر الحرب فالأزمة ليست في من، وإنما في كيف، وكيف هذه هي التي تحدد ما سيكون عليه الوضع مستقبلاً، إن كان تغييراً قليل التكلفة يسنده الرشد، أو تغييراً باهظ الثمن يعصف بما تبقى.. في حديث أدلى به أحد قيادات الشعبي حينما قابل حزبه الرئيس بشأن الحوار الوطني في بداياته، نقل عن الرئيس أنه يخشى أن لم يتغير الوضع بالحوار، أن يتغير بطرق أخرى، والطرق الأخرى معلومة وهي الآن على شفا الخطوة الأخيرة، في هذه الأثناء تبدو الفرصة الأخيرة وكأنها تتبدد، المنظومة التي تحكم الآن تستحق أن تُمنح جائزة عالمية في تبديد الفرص، هي ليست الأولى لكن ربما تكون الأخيرة، فالوضع المأزوم الذي يحيط الإقليم من كل جانب ينبيء بذلك.. ليس من الرشد أن تتأخر في الحل لتدفع الثمن أضعافا مضاعفة، ليس من الرشد إطلاقاً. التيار