ربما استعارت مدينة النهود كلمات أغنية عبد الحليم حافظ: "إني أتنفّس تحت الماء.. إني أغرق أغرق" يومان والأمطار لم يغمض لها جفنٌ، وكأنها كانت تبكي سنوات من ألم الفراق بينها وبين هذه المدينة التي تعوّدت على السيول منذ آماد بعيدة.. وتعوّدت على خسائر السيول في الأرواح والمُمتلكات، لكن في المُقابل تعتمد هذه المنطقة اعتماداً مُطلقاً على الزراعة المطرية ومحاصيلها الزراعية وثروتها الحيوانية هما عصب اقتصادها، وهما موردان يحتاجان للأمطار، لكنها تفتقد للبنى التحتية!! الخرطوم: نصر الدين عبد القادر إنهيار عدد كبير من المباني مساء الجمعة الماضي فتحت السماء أبوابها على مدينة النهود بماءٍ منهمر، جعل المدينة ساهرة على الرعد الذي يخطف القلوب المخطوفة من الماء الذي ظلّ يتسلل من مسامات المباني ليشاركهم الفراش.. كانت ليلة قضاها أهل مدينة النهود بصبر وحمد، ثم جاء نهار السبت ليزيد الطين بلةً، ويجعل المدينة تلوذ بحثاً عن ذات ألواحٍ ودُسُر بعد أن أبت السحائب السود إلا وأن تشفي غليلها من الأشواق لهذه المدينة، فبعد أن سبحت المدينة بالأمس على أنهار من المياه نراها يوم سبتها تتنفّس تحت الماء، فانهارت المباني، وتهدّمت المنازل والأندية الرياضية والدكاكين ودورات المياه وبعض مباني الحكومة.. وفقدت كثير من الأسر المأوى وأماكن طبخ الطعام خاصة الأحياء الطرفية (الإنتفاضة وحي امتداد النصر وحي غزة وأجزاء واسعة من أحياء أبو سنون وحي الرديف والقلعة وأبو دقل والمناصرة والزبال وحي الصفا وحي البخيت غرب) ولا تزال المنازل تتهاوى حتى بعد سكون الأمطار المتوقعة استمراريتها حتى عصر الأحد، وبلغ عدد المنازل المنهارة بالكامل حتى الآن 156 منزلاً. السيول تجرف الدكاكين والسيارات..!! وكما نُشاهد في هذه الصور مدى قوة هذه السيول التي لم تترك شيئاً وقف في طريقها حتى السيارات، حيث بلغ عدد السيارات التي جرفتها السيول (9)، بل وجد أصحاب الدكاكين أن الثلاجات التي تركوها ملأى عائمة مع السيول الجارفة حتى سكنت بفولة منعم وهي منطقة تجمع المياه الوافدة من أعالي المدينة في الأطراف شرق وغرب المدينة وشَمالها وجُنوبها.. وقد فقد المواطن عبد الله حسين دكانه كاملاً، كما تكبّد أولاد النو أصحاب أكبر استثمار تجاري بالمدينة خسائر فادحة وشهد سوق أم دفسو إنهيار الكثير من المباني التجارية. وأفاد شهود عيان بأنّ المواطن محمد سليمان العاقب الذي يسكن حي الصفا جرفته السيول في طريقها حيث وُجد غارقاً ولقي مصرعه ليُحتسب شهيداً عند الله تعالى، هنالك أنباء عن فقدان عدد من الأشخاص إضافةً إلى الجرحى والمُصابين جَرّاء سقوط سقوف المنازل عليهم.. إرتباك مروري..!! تسبب هطول الأمطار الكثيف في ربكة كبيرة في حركة السير والمُرور بعد تعطل الحركة في كثير من الطرق الرئيسية الأمر الذي يقول بعض أهل المدينة إنه يحتاج إلى مُعالجات جذرية ببناء مصارف مياه بطرق علمية حتى لا يتكرّر السيناريو المُدمِّر كلما فاضت الأمطار والسيول.. الخيران لا تغيِّر مجاريها..!! يقول الأستاذ عبد الله إسحق إنّ الخيران لا تُغيِّر مجاريها سواء تم ردمها أو أقاموا عليها الأسفلت، لكن الأجدى والأصلح إنشاء كباري حتى تنعم هذه المدينة بالإستقرار وتستفيد أقصى فائدة من هذه الأمطار التي تُعتبر نعمة من نعم الله. إستغاثة عجلى..!! يقول مُواطنون فقدوا منازلهم بالكامل، إنّ الوضع أصبح غاية السوء وهم في حاجة إلى إغاثات عاجلة. جديرٌ بالذكر أنّ مدينة النهود في السنوات العشرين الماضية شهدت كثيراً من محن السيول مما جعل المنظمات الإنسانية والتطوعية ومنظمات المجتمع المدني تهرع لإغاثتها والآن تتجدد الكارثة ويتجدد النداء.. فهل من مغيث؟