الكوارع تُنظَّف بماكينة الحلاقة ورؤوس الأبقار تغسل بالصابون يعود إنشاء سوق قورو، الواقع في أقصى الجنوب الشرقي لحي مايو جنوبي الخرطوم، إلى أواخر تسعينات القرن الماضى، عقب ترحيل عشش فلاتة من مقرها القديم الواقع بين حي العُشرة والسوق الشعبي، إلى ذاك المكان الذى عرف بقورو تيمناً بالفاكهة الخلوية النيجيرية ،ونسبة لوجود القبائل النيجيرية بكثافة في تلك المنطقة. هذا السوق عُرِف بأنه أسوأ سوق بالعاصمة القومية بل على نطاق السودان بأكمله، من حيث طرق عرض البضائع وعدم تنظيمه بشكل يليق بالأسواق من حوله، وعرض السلع وسط النفايات والأوساخ التي تحيط بالسوق إحاطة السوار بالمعصم. تحقيق: ضفاف محمود إزاء ذلك، قررت زيارة السوق فى منتصف نهار قائظ، وجدته يعج بحركة المارة من مختلف أحياء الخرطوم بحثاً عن أشياء لا توجد إلا بداخل سوق قورو، وحصرياً عليه، بدأت جولتى التي استمرت ليومين متتاليين من مدخل السوق الشمالي حيث أماكن عرض المنشطات الجنسية بشتى أنواعها ومسمياتها، البلدي منها والطبي المعتمد من وزارة الصحة، هناك شاهدت بأم عينى، مناظر تقشعر لها الأبدان، وجدت بيع مخلفات المشروبات الغازية سواء كانت علب أو قوارير وبالقطعة و ( الشوالات) ، أما الأطباق البلاستيكية التى يتم جمعها من صالات المناسبات فرأيتهم يعيدون بيعها مرة أخرى بذات بقايا الأطعمة التي يجلبونها من تلك الصالات، وفي وضح النهار، وذاك ما عضده لي صاحب تلك الأطباق، وقال لى يتم تجميعها بكميات كبيرة ويتم بيعها كنفايات ومن ثم يُعاد تدويرها مرة أخرى بمصانع البولسترين. غادرته إلى موقع آخر حيث وجدت سوق الملابس البالية والقديمة، توقفت أمام البائع للاستطلاع، جاءت سيدة تحمل كيسا كبيرا به كمية من الملابس أخرجتها واحدة تلو الأخرى، وبدأت المفاوضات حول السعر، تذمر التاجر وقال لها (18) جنيه بس، ووافقت السيدة وقبضت المبلغ وردت عليه بعبارة ربنا يعشِّيك، سألتها عن مصدر الملابس، قالت لي انها تأتى بها من الأحياء المختلفة إلى سوق قورو وتبيعها لتتصرف منها، وهكذا يمشي الحال، فى جانب آخر وجدت علب الصلصة والمياه الغازية والقوارير بأشكالها والأحذية القديمة التى يؤتى بها من مكبات النفايات والقمامة، تجد كل حذاء من بلد، سفنجات قديمة ممزقة تُباع، وفى جانب آخر من السوق أعشاب بلدية تاتى من المنشأ دولة نيجيريا،وتستخدم فى أغراض الدجل والشعوذة وعرق بندا ذو اللون الابيض، هنا يبلغ سعره آلاف الجنيهات، واخشاب وبخائر غريبة ملابس نيجيرية داخل أحد البوتيكات، بالإضافة إلى الكريمات النيجيرية التى تعمل على تفتيح البشرة وحبوب التسمين التى تباع فى الهواء الطلق ،والمنشطات جنسية وغيرها، ألجمتنى الدهشة عندما شاهدت اقراص الفياجرا ذات اللون الازرق، توقفت امام السيدة التى وجدتها تعرض البضاعة فى صينية ألمونيوم، أمسكت بصندوق الفياجرا، قالت بلكنة نيجيرية واضحة... لا دا حق رجال أنت داير شنو؟. سألتها.. طيب دا بى كم؟. قالت دا شريط ب(36) جنيه، داير حبة بى 6 ستة جنيه اخدت منها حبة ب 6 جنيهات بحجة أننى زبونة،ولكي أبعد عني الشبهات، ومن ثم بدأت اتعرف على أنواع المنشطات الجنسية بكافة اشكالها، دار حوار بينى وبين السيدة... دا شنو دا؟... ردت... دا قورو ..بخلى الراجل قوى، طعمو مر.. وفى ضكر القورو دا أ قوى من القورو سعره 5 جنيه، ونوع أخر من الحبوب التى يتم ادخالها فى عنق الرحم تمنح المرأة غشاء بكارة جديد، وقطرة تستخدمها النساء لتضييق الجهاز التناسلى، وأيضاً بودرة بيضاء وأخرى تسمى العقرب،وتستخدم لنفس الغرض، كلها منشطات جنسية ذات أثر فعَّال كما علمت من بعض مرتادي السوق المجربين، من النساء والرجال. رفعت كيسا به حلوى قالت لى سعره 50 جنيه، الواحدة بى 2 جنيه، وقالت (الحلاوه دي بتستخدمها النساء فقط، وعندما تستخدمها المرأة يراها الرجل غاية فى الجمال،والحاجات دى مجربة، أسال نسوان دا كلو)، هنا قاطعتنى احدى السيدات بالقول.. نحن عايشين حياتنا بالحاجات دي بمزاااااج، وماعندها أي أضرار بالنسبة لينا لأنها تأتي من نيجيريا مباشرة، أشِرت إلى صندوق به صورة تمساح وسألتها.. ياحاجة دا شنو؟.. قالت لى دا تمساح دهان يستخدمه الرجال كمنشط جنسى سعره 35 جنيه، وواصلت الدردشة مع تلك السيدة عن الزبائن، قالت لى زبائني من النساء والرجال ومن خارج منطقة مايو،وبعض النساء يشترين هذه المنشطات لازواجهن من هذا السوق، وعن استخدام تلك المنشطات بالنسبة للنساء قالت لي إحدى السيدات أن المنشطات النسائية أمر طبيعى، وليس لها أضرار على المدى القريب او البعيد، وقالت أنا مجرِّبة، وأشارت إلى التغيُّرات الكثيرة التي تحدث للمرأة جرَّاء عمليات الولادة المتكررة ولذلك تستخدم هذه الاشياء،بجانب أشياء اخرى مثل المضادات الحيوية ودهانات تستخدم لعلاج الصداع ونزلات البرد، وكذلك خلطة تستخدم مع الكاسترد وحبوب مختلفة ذات لون اصفر لعلاج النزلة ايضاً وأخرى للحساسية وشيء سائل.. لم أتبيَّن كُنهه.. رأيته داخل عبوة زجاجية.. قالت لى انه يستخدم لعلاج الصداع بجانب حلوى بيضاء تستخدم لعلاج النزلات المعوية، بجانب علاجات كثيرة وصيدليات على قارعة الطريق تبيع معروضاتها على عينك ياتاجر بلا رقيب أو حسيب. ومن داخل رواكيب متناثرة داخل السوق، شاهدتُّ مناظر مقززة لفواكه معروضة للبيع وهي متعفنة بالكامل... مثل المانجو والموز والجوافة بالرغم من انها منتهية الصلاحية، ولحوم سوداء متعفنة تباع بالكوم بواقع 5 جنيهات، ولحوم الدواجن التى تعرف بامهات الدواجن وزنها كبير وتُقسَّم وتباع بالكوم ، القوانص رائحتها تزكم أنوف المارة، وأرجل الدجاج التى تسمى اصبر لى، ورؤوسه التى تسمى (تامر حسنى) تعتبر وجبة شهية لطلاب المدارس بذاك السوق الغريب، بالإضافة إلى المصران المحمر الذى يسمى تايتنك، والاقاشى الذى يصنع من لحوم غريبة مثل ماركة(الله كتلا) ، والذباب يغطى تلك المعروضات، بجانب رؤوس الابقار والخراف واحشاء الأبقار والخراف التى لا تصلح للاكل باعتبارها متعفنة ومتسخة، والأرجل التى تعرف بالكوارع تتم نظافتها بماكينة الحلاقة داخل حلة كبيرة بها ماء وصابون بودرة ليتم غسلها بالماء والصابون، وأحشاء الدواجن تتم تعبئتها داخل جوالات كبيرة فى طريقها للتوزيع، سندوتشات الأقاشى اسعارها زهيدة، كذلك طلبات الدجاج التى تباع بعشرة جنيهات، جادلت البائع ان يعطينى الطلبين بخمسة عشر جنيه.. وافق على الفور ولم يعترض. بعدها توجهت لبائع (الامبلكسات) وهى عبارة عن الجهاز التناسلى لذكر الضأن الذي يتم تتبيله بالبهارات والبصل، وتشوى أو تُحمَّر، ويباع الطلب بخمسة جنيهات، والكمونية المحمرة طلبها بثمن بخس، وكذلك الخضروات والفواكه التى انتهت صلاحيتها، ووجبات نيجيرية مثل القدو قدو، والبطيخ الذي يباع هنا بالقطعة، واشياء اخرى من ضمنها حفاظات البمبرز المستعملة يتم غسلها وبيعها مرة اخرى، واثناء خروجى من السوق وجدت رجلا سبعينىا يعرض مستحضرات تجميل من بينها صبغة شعر منتهية الصلاحية وحبوب تسمين شكلها غير، وفى الخصوص قال بائع القمامة وهو رقيب معاش.. فضَّل حجب إسمه.. هنا نحن نمر بظروف مأساوية ولدينا اسر بها طلاب بالمدارس لذلك نُنقِّب في بقايا القمامة وكل المعروض فى السوق عبارة عن بقايا النفايات التى تشاهدونها ..كل شيء هنا من القمامة . وواصلت سيرى داخل إحدى الرواكيب وجدت حلة كبيرة موضوعة على الحطب وعددا من الاطفال يجلسون على كنبات حديدية، سألت عن القِدر الكبير وسبب التجمع فى هذا المكان؟.. قال لى احدهم.. هذه وجبة شعبية مكونة من الارز المصرى واللوبيا.. ويباع الطبق بواقع خمسة جنيهات. ومن ثم كانت لنا جولة اخرى داخل متجر وجدنا داخله تربيزة كبيرة مفروش عليها جوال مبلل بالماء وبه قطع القورو بألوانها المختلفة وسأل مرافقي مصور الصحيفة عبد الله ود الشريف البائع.. من أين تأتون بالقورو؟.. رد أحدهم.. انه ياتى من دولة تشادونيجيريا وهو علاج للضغط والسكرى والبلغم والعجز الجنسى والإقبال عليه كبير ويأتى لشرائه عدد كبير من الناس، وقال إن هناك طبيبا معروفا، رفض ذكر إسمه، يأتي كثيراً ليشترى القورو، بغرض عمل تجارب علميه عليه.. على حد قوله. حصيلة ما خرجت به من هذه الجولة المثيرة أن الفقر عامل رئيس فى تلك المنطقة ، وأن حال هؤلاء السكان يحيل عقلك إلى الحيرة والتساؤل المشروع عن (هل هؤلاء الناس أصحاء عقلياً وبدنياً ؟)، حيث أن كل شئ فى قورو لايصلح البتة للاستخدام الآدمي، الأمر الذي يتطلَّب ضرورة التدارك السريع من قبل السلطات المختصة لإيقاف تلك الفوضى وإنقاذ الأهالي وسكان الأحياء المجاورة لسوق قورو من كارثة صحية محققة، لا شك أنها واقعة لا محالة .