أعاد حديث الإمام الصادق المهدي في البرنامج التلفزيوني «أيام لها إيقاع» ليل الأول من أمس عن الدكتور حسن الترابي، اعاد الخلاف الذي لم ينقطع بين الرجلين الى دائرة الضوء من جديد ،ولكن بتوضيحات ربما تجعل التراشق الذي استمر طويلا يصل محطته الأخيرة بأن يكون دائما مستديما باعتبار انه لا سبيل الى التلاقي بين نهجين يغذيهما منهجان مختلفان، ليتأكد ان اعراف السياسة تختلف عن الاعراف الاجتماعية المرعية حول ان «النسب عين شمس» ، وكما يشرح السودانيون فإن الشمس لا يمكن التحديق فيها. قال المهدي، ان فراقه ومفارقته للترابي تعود الى فترة سن قوانين سبتمبر المايوية حيث وقف معارضا لها بينما الترابي وقف من خلفها ودعمها، وان الهوة اتسعت بينهما منذ تلك اللحظة بعد ان ظل زمنا يأمل فيه ويرجو منه الخير منذ عرفه عميدا بجامعة الخرطوم في ستينيات القرن المنصرم، وانه كان يريده سندا وعضدا له في مكافحة المد الشيوعي والافكار الهدامة للدرجة التي ناصر فيها زواجه من شقيقته وصال رغم اعتراض الاسرة والامام الصديق المهدي على هذا الزواج. وربما يكون ما قال به المهدي يقع في اطار ما شهدته الفترة الاخيرة من تراشق بين الزعيمين وفريقيهما الا ان ما يجعله جديدا كليا انه قد يغلق الباب امام أي تقارب قد يسفر عن لقائهما المعلن عنه صبيحة يوم الحوار التلفزيوني، حيث ورد في الاخبار ان لقاءً سيجمع رئيس حزب الأمة القومي الإمام الصادق المهدي والأمين العام للمؤتمر الشعبي الدكتور حسن عبد الله الترابي خلال اليومين القادمين لبحث عدد من القضايا المهمة في الساحة السياسية لدعم مطلوبات التحول الديمقراطي وإتاحة الحريات العامة، اللهم الا ان يكون تقاربا في الحد الأدنى ويبقى كل منهما في واديه. ويرد بعض المراقبين الصراع المتطاول بين الرجلين الى خلاف في المنهج الفكري ومن ثم النهج السياسي الذي يتبعه كل منهما،فبينما ظل الامام المهدي يدعو على الدوام الى تغليب لغة الحوار واستخدام القوة الناعمة في احداث التغيير المطلوب ويطبق تفسيرا عمليا ل «وجادلهم بالتي هي أحسن»، ما فتئ الدكتور الترابي يسعى الى ما يبتغي بقوة ويدعو الى استخدام القوة المباشرة في احداث التغيير المفترض ويطبق تفسيرا عمليا ل «وليروا فيكم قوة» مما يجعل احتمالات التوافق بينهما صعبا. ومن وجهة نظر الكاتب والصحفي محمد عبد السيد فان الخلاف بين الطرفين أعمق بكثير مما يحاول ان يوحي به البعض وهو خلاف فكري في الأساس كما يشير، ويقول ان الإمام الصادق لم يتراجع حتى الآن عن توصيفه لفكر الحركة الإسلامية التي يمثل رأس الرمح الفكري فيها الدكتور حسن الترابي، ب «الإنكفائية» في مقابل تبني الامام الصادق المهدي فكر الصحوة الانصاري، بينما يرد الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي كمال عمر بأن الترابي من المتقدمين فكريا في حركة الإسلام، ويشير الى ان اتساع الهوة بين الطرفين مرده الى الغيرة من انتاج الترابي الفكري ، ويقول في حوار معه قبل اسابيع ان المهدي يغير من الترابي «لأنه لديه مؤلفات ورصيد من الفكر لا حدود له، أمام رصيد ضئيل من المعرفة لدى القيادات الأخرى، وهو ما كان له حسد عميق في نفوس السياسيين تجاه الترابي، والصادق المهدي يغير من الترابي غيرة تاريخية..». اذن ربما تكون المواقف السياسية انبنت على المواقف الفكرية للرجلين التي قادت احدهما الى اتخاذ سبل التسوية في معالجة شؤون البلاد والعباد خطا سياسيا، وقادت الآخر الى طرق التصفية والاقتلاع في معالجة ذات الشؤون خطا اساسيا، وهنا يوضح نائب الأمين العام لحزب الأمة الدكتور عبد الرحمن الغالي ان الاختلاف بين الطرفين يتركز في طرح حزب الأمة وطرح الجبهة الإسلامية عموما، ويقول الغالي في حوار معه ان هذا الاختلاف الفكري تجلي في مواقف سياسية كثيرة مثل قوانين سبتمبر ومن تجربة الإنقاذ الاسلامية عموما، ويقول ان المؤتمر الشعبي الذي يقوده الترابي يختلف مع حزب الامة الذي يقوده المهدي في الرؤية لحل المشكلة السودانية، فالأمة يرى ان حل المشكلة السودانية كلما كان حلا سلميا قوميا ديمقراطيا هو أفضل من سيناريو المواجهات الذي يتبناه المؤتمر الشعبي ويتحدث فيه عن الإطاحة بالنظام، ويصر الامين العام لحزب الأمة القومي صديق محمد اسماعيل على ضرورة التعامل بحكمة ليس خوفا علي أرواحهم او لأجل سلطة او مصلحة آنية او ذاتية. ويقول في تنويره الذي قدمه لاعضاء حزبه بالنيل الابيض في شهر يونيو الماضي «ناس المؤتمر الوطني انتهجوا منهجا خاطئا للوصول للحكم و يجب تغيير هذا الوضع الخاطئ لتكون الآلية الأمثل لحكم السودان عن طريق التداول السلمي للسلطة عبر الآليات الحرة والنزيهة التي يختارها المواطن بإرادته الكاملة .كما يجب تعديل السياسات الاقتصادية والأمنية والتنموية والاجتماعية والعلاقات الخارجية ... الخ لتكون برنامجا يشمل ويستوعب جميع أهل السودان وآلية تحقيق ذلك عبر الأجندة الوطنية». الا ان للمؤتمر الشعبي دفوعاته في ضرورة اقتلاع النظام الحاكم واتخاذ طريق الثورة عليه منهجا للتغيير نتيجة ليأسهم من صلاح الحال، وقد قال القيادي بالحزب المحبوب عبد السلام انهم مصممون على إسقاط النظام لأن النظام لم يغير سلوكه، وقال في حوار معه بالقاهرة،ان شعارهم واضح وهو اسقاط النظام ويجب عدم الدخول في أية مفاوضات ثنائية مع النظام، وقال انهم مع أية خطوة سلمية للتظاهر والاعتصام والإضراب لتتبلور جميعها في أن تؤدي إلى إسقاط النظام، ويقول الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي كمال عمر ان قناعتهم هي «لابد من حراك جماهيري لاسقاط سلطة المؤتمر الوطني ولا يوجد امل في هذا النظام على الاطلاق» ، ويعدد عمر الاسباب في وجود قوانين مقيدة للحريات تمنع حرية التعبير وحرية التجمع وحرية الصحافة وتمنع ممارسة الحقوق الخاصة مما جعل المناخ طاردا في قضية الحريات، وايضا هناك قضية دارفور والوضع الاقتصادي المترهل ، فضلا عن ان ثلث السودان تم فصله، وكثير من الأسباب التي هي كفيلة باسقاط النظام. وكما يشير مراقبون فان مواقف الرجلين تتسق مع سياسات حزبيهما المعلنة ،اذ حسمت الهيئة القيادية لحزب المؤتمر الشعبي في اجتماعها الاخير في شهر يناير الماضي امرها واعتمدت اللجوء للإطاحة بالنظام عبر الثورة الشعبية المنظمة حال عدم الاستجابة لمطلب الحكومة الانتقالية ، بينما اختار حزب الأمة القومي ما اطلق عليه الاجندة الوطنية التي قال عنها الأمين العام للحزب صديق محمد اسماعيل انها فكر سياسي متقدم تحافظ علي السودان وتغير الوضع القائم ، وقال ان الحوار حول الاجندة الوطنية من المفترض ان يفضي إلى إصلاح سياسي وهو الحل «باليد» والبديل هو الحل «بالسنون» وهو يتطلب إعداد وتجهيز لان فيه دماء سوف تسيل «ونحن مساءلون عنها أمام الحق عزو جل». الصحافة