تصاعدت قبل أيام حدة التراشق اللفظي بين حزبي الأمة القومي و المؤتمر الشعبي، على خلفية بدت غير مفهومة لكثيرين. وعندما اتيحت الفرصة لكمال عمر «الأمين السياسي» للشعبي لتفسير أسباب المعركة المحتدمة على صفحات بعض الصحف والمواقع الإلكترونية، حاول في حوار له مع صحيفة «السوداني» جر المتلقي إلى قضايا إنصرافية وقراءة خاصة للنوايا. وقال: «نحن طيلة الفترة الماضية نسمع هجوماً من حزب الأمة وقيادته بدون أسباب.. والصادق المهدي دوماً يبحث عن الأسباب لكي يهاجم المؤتمر الشعبي». واعتبر ان الهجوم «غيرة تاريخية بين الترابي والصادق». لست واثقاً ما إذا كان السيد كمال أضاف فترة السنوات العشر الأولى المرعبة للإنقاذ، التي كان قادة فصيله رأس الرمح فيها، من بين هذه الفترة الماضية التي أشار إليها في حديثه أم لا؟ حتى لو اسقطها عمداً، فإن الفترة الأقرب أن جماعة الشعبي هم الذين بدأوا وتحديداً -السيد كمال- خلال الاجتماعات شبه المغلقة لأحزاب المعارضة خاصة عند غياب ممثل الأمة. يضاف إلى هذا مقالات الغمز واللمز التي يدبجها منسوبون للشعبي بالتعاون مع كارهين للامة «كده وبس».. اما تلميحات الدكتور حسن عبد الله الترابي الملتبسة «قصداً» تجاه الأمة فإن خير من يفسرها هم آل المهدي. ان من حق المواطن أن يتلقى إجابة موضوعية على الأسباب الحقيقية لموقف الشعبي من الأمة بعيدا عن تبريرات كمال الساذجة، والذي يراهن على «سطحية» المتلقي. ولكن المؤكد ان الخلاف بين الطرفين أعمق بكثير مما يحاول ان يوحي به قادة الشعبي، فالإمام لم يتراجع حتى الآن عن توصيفه لفكر الحركة الإسلامية التي يمثل رأس الرمح الفكري فيها الدكتور حسن الترابي، فالحركة «إنكفائية» مقابل فكر الانصار والأمة «الصحوي». أو تحديداً، التجديد الفكري الذي بذل فيه الأمام جهداً مقدراً يمتد منذ سنوات نميري الأولى وحتى اليوم. أما سيياسياً، فكل الادبيات المتوافرة في مكتبة الحزب «أي وثائق» تحمل القيادات العليا في الحركة الإسلامية بلا إستثناء مسؤولية الانقلاب على الديمقراطية في العام 9891م مسددين طعنة في الظهر لأحزاب تاريخية شكلت لهم حصنا آمناً كجماعة مضافة في التصدي للأفكار الشيوعية. موقف الأمة الفكري والسياسي تجاه الحركة الإسلامية عموماً والشعبي على وجه التحديد لا يقتصر على القيادات العليا، فموقف القواعد أكثر تشدداً لجهة عزل الشعبي وقياداته. وكان واضحاً منذ أكثر من اربع سنوات أن المهدي يسبح وسط مياه داخلية متلاطمة تنسال أغلبها جهة رفض أي حوار أو تحالف مع بقايا الحركة الإسلامية في السلطة أو الشارع. وبذل المهدي جهوداً مضنية كان خلالها يخرج من إجتماع ليدخل آخر، ونجح في إقناع قطاع كبير بوجهة نظره المبنية على قراءة دقيقة ومتأنية لتعقيدات الوضع الداخلي والتربصات الخارجية. وجهة نظره وإستراتيجيته لحل الأزمات السودانية تتلخص في جملتين «الديمقراطية راجحة وراجعة» و«الأجندة الوطنية التي لا تقصي احداً». وظن القادمون الجدد لصفوف المعارضة وبناء على تقييم خاطئ وباستدعاء صور ذهنية فطيرة تبنى في الجلسات الخاصة تقول إن المهدي يغير مواقفه سريعاً، ظنوا أن في مقدورهم إحتواء الإمام وقيادة المعارضة، وما على المهدي إلا أن يجلس في داره، ويجير لهم قواعد الانصار لينتزعوا عبرهم السلطة «إعادة إنتاج لأحداث أبا و67». المفاجأة غير السارة التي واجهت الشعبي، ان هناك اتفاقاً عاماً في صفوف منسوبي الامة والانصار «لا للمبادأة بالعنف» في سبيل استعادة الديمقراطية كاملة الدسم ،بينما يردد القادمون الجدد جملة واحدة في كافة اللقاءات والفعاليات.. «لا بد من إسقاط النظام الآن» ويدعون منذ أكثر من عشر سنوات أنهم جاهزون تماماً لإسقاط النظام «الآن» لان قواعد المعارضة كلها انضمت إلى صفوفهم. فقد قال الاستاذ كمال في حديثه ل «السوداني»: «حزب الأمة ليس الأكبر بين الاحزاب، لان الحياة السياسية تطورت، وحزب الأمة ما بقيت جماهيريته زي زمان وما بيلقى دارفور تاني لأن الشعبي شال دارفور ولو مشى مناطقه في النيل الابيض ومناطقه الأخرى ما هيلقى ناسه لأن الشباب والناس اتطوروا واتغيروا». انها صورة نمطية أخرى رددها منذ العام 68 نفس هذه الجماعة وربما كانت زيارة واحدة في صحبة الإمام إلى النيل الابيض كافية لتغيير هذه الصورة. ولكن هب أن تصورهم صحيح، فلماذا (التوتر والتهديد بالوثائق والأخيرة قديمة قدم الحركة الإسلامية).. منذ انخراط الامة القومي في حوار مع الوطني وغيره على ضوء الأجندة الوطنية التي تؤكد أولى اهدافها «لا للمشاركة المنفردة بالتعيين». إن الشعبي كما يقول صديقنا عبد المنعم عوض الريح محتاج يقعد في علبه لإعتقادهم خطأ أن مجرد وقوفهم على الرصيف سيغطي ويسدل ستاراً على أخطائهم الجسيمة في الفترة التي سيطروا «جماعة الشعبي» فيها على كل مفاصل السلطة. ملحوظة: هناك تجارب شخصية على ديكتاتورية المتشدقين الآن بالديمقراطية من جماعة الشعبي يمكن سردها بالتفصيل ولا يمكن طمر وقائع اغلاق مكتب صحيفة «الشرق الاوسط» العام 39 ودور قادة نقلا عن صحيفة الراي العام السودانية 3/7/2011م