ينشغل الشارع الرياضي بالجدل الذي أثير مجددًا بين رئيس نادي الهلال الأسبق صلاح إدريس، والرئيس الحالي أشرف سيد أحمد الكاردينال، حيث حصل إدريس على حكم قضائي من دائرة المراجعة الإدارية بالمحكمة العليا على قرار تم بموجبه إلغاء قرار مفوضية الشباب والرياضة الولائية بقبول ترشيح أشرف الكاردينال لرئاسة مجلس إدارة نادي الهلال في الانتخابات التي جرت في عام 2014. وجاء في قرار المحكمة ما نصه: "يلغى القرار الإداري الذي صدر من المراجع ضده الأول، والذي قضى بأحقية المراجع ضده الثاني للترشح لرئاسة مجلس إدارة نادي الهلال". وكان إدريس وهو عضو الجمعية العمومية لنادي الهلال قد تقدم بطعن في أهلية ترشح الكاردينال نسبة لتعارض ذلك مع المادة (28) من قانون الشباب والرياضة، والتي تشترط ألا يكون المرشح قد تمَّت إدانته في أي جريمة تمس الشرف والأمانة. عادة إن أول ما يتعلَّمه طالب القانون في مقاعد الدرس، هو أن القاعدة القانونية بطيئة في التكوَّن والتخلق حتى تعطي واجباتها الملزمة للجميع، وأن الظاهرة الاجتماعية غالباً ما تتقدم القانون الذي لا يأتي إلا متأخراً لتنظيمها، حين يعلن المشرِّع ضرورة ذلك.. وبطء حركة القانون وراء الحركة الاجتماعية بظواهرها المختلفة، يفقد القانون، في كثير من الأحيان، المرونة اللازمة لتحسس غيابه في بعض الجوانب، وقبل فترة ليست بالطويلة كان الاعتماد على وسائل الإثبات يقف عند حدود ما قُرِّر في قانون الإثبات السوداني المعتمد على البينات التقليدية. انفجرت ثورة المعلومات، وظهرت الجرائم الإلكترونية، لتضع قانون الإثبات أمام واقع جديد يجعله يقبل بوسائل إثبات ذات صلة وثيقة وصميمة بزمن التقانة الإلكترونية الحديثة، بل إن علم الجينات الحديث، أيضاً، فرض أن يكون من ضمن المتاع القانوني في قضايا حساسة مثل قضايا إثبات النسب، ولم يعد كافياً أن يعالج إثباتها وفق وسائل الإثبات التقليدية, وهو أمر ضروري أن يكون القانون قادراً على مسايرة العصر ما أمكنه ذلك وأمكن المشرِّع. في مقاعد الدرس وكليات القانون عادة ما تثار أسئلة مهمة، خاصة في مادة القانون الجنائي، حول الطبيعة الهشة على مستوى التعريف القانوني للجرائم المخلة بالشرف والأمانة، والتي يمتد تأثيرها الاجتماعي على مرتكبيها، بل وفي بعض قوانين الدول الأوروبية، في السابق قبل أن يمتد إليها جدل التغيير الفقهي والقانوني، كانت جرائم الشرف تمنع مرتكبيها من الانتخاب والترشُّح، حتى ولو كانوا قد عوقبوا على هذه الجرائم وقضوا فترة محكوميتهم.. وفي فرنسا بعد تحريرها من النازيين تعرض الذين تعاونوا مع الألمان لهذا الحرمان من مباشرة العمل العام أو الترشُّح، وأيضًا في دول أخرى من القارة الأوروبية. لتعريف الجرائم المخلة بالشرف والأمانة يورد قانون العقوبات المصري هذا التعريف في أحكام القضاء المصري: "أما الجرائم المخلة بالشرف فلم تحدَّد في هذا القانون أو في سواه تحديدا جامعا مانعا، كما كان من شأنه بالنسبة للجنايات، على أن المتفق عليه أنه يمكن تعريف هذه الجرائم بأنها هي تلك التي ترجع إلى ضعف في الخلق وانحراف في الطبع". لكن في القانون الجنائي السوداني لم يفرد المشرِّع تعريفاً يوضح فيه باستفاضة طبيعة الجرائم المخِّلة بالشرف والأمانة، رغم حضور هذا الشرط القانوني المانع كمادة في كثير من اللوائح والقوانين التي تضع شروط الترشح للمناصب العامة، سواء كان في المؤسسات الإدارية أو المناصب السياسية أو حتى الهيئات الرياضية؛ بمعنى أن هذا النص صار من المأثورات القانونية، دون أن يسنده تفسير مانع جامع يحدد مداه ويعصمه من السيولة الفائقة التي قد تتناقض مع المبادئ القانونية الأصولية في أن العقوبة أو أثرها الاجتماعي والعام يجب ألا تكون سيفاً مسلطاً على مرتكبيها، طالما قضوا فترة محكوميتهم، وبما أن أثر الجرائم المخَّلة بالشرف والأمانة يستمر مع المتهم حتى بعد إتمامه لعقوبته؛ فإن ذلك الأمر يناقض المبادئ الدستورية والقيم الحقوقية في أن يظل هذا الأثر مثل وسم القرون الوسطى الذي يوسم به اللصوص والمجرمون، وهو من جانب آخر يجرد الإنسان من حقوقه الطبيعية والعامة، وبالتالي، فإن وجود مثل هذه النصوص في قلب القوانين المعترف بها من الدولة والمسيرة لعمل الهيئات والمؤسسات يحتاج إلى ضبط دستوري وقانوني يحدد الفترة التي يمتد فيها الأثر المترتب على مثل هذه الجرائم، وإن لم تحدد الهيئات والمؤسسات في صلب لوائح تسييرها مدى زمني يحدد الفترة المناسبة لانقضاء استمرار تأثير هذه الجرائم التي سبق أن استنفذت أحكامها وعقوباتها سيكون هذا الأمر بلا شك مناقضاً لروح القانون ويعيب هذه النصوص وهو، للأسف، قد يجعل من المحاكم ساحة لتصفية الخصومات بشكل يناقض مضمون العدالة. حتى الآن يتطلب الوضع معايرة للمبادئ القانونية بالقيم الحقوقية العالمية المعترف بها دولياً، وهذا ما يجعل القانونيين في موضع الانتباه للتركة الضخمة من القوانين السودانية التي تحمل بعض المواد المناقضة لهذا المسار؛ خاصة على المستوى الشكلي والتطبيقي، ومن أهم هذه المبادئ هو الحفاظ على حقوق الأفراد في المجتمع وحمايتهم من أن تصبح الإدانة التي تعرضوا لها جرماً أبدياً. في سابقة قضائية للورد ديينغ في أوائل القرن السابق طلب متقاضٍ من السكة حديد تعويضه في إنجلترا على حادثة كسر في رجله، حينما كان يسير قريباً من القضبان، طلب تعويضه لوجود مطبات وحفر فلم تستجب المحكمة له، ثم قدم فيما بعد دعوى لاحقة استند فيها إلى أن السكة حديد قامت بردم هذه الحفر، وبالتالي، تقر بأنها مصدر للخطورة؛ فكان رد اللورد ديينغ: "أنه من الطبيعي كلما كبرت الإنسانية، ازدادت حكمة". اليوم التالي