عمان: استجابة النظام السوري المباغتة لدعوة أردنية قديمة بالتحرك عسكرياً في جنوبي سوريا برزت لواجهة الأحداث خلال الساعات القليلة الماضية لكن بتوقيت «مريب» وبأسلوب بعيد ميدانياً عن المواصفات والمقاييس التي كانت عمان تطالب بها. والأهم ان هذه الاستجابة العسكرية المفاجئة ولدت مع صباح السبت بدون «تنسيق» وتشاور مباشر وفقاً لقواعد الاشتباك الحدودية، الأمر الذي اربك الأردنيين قليلاً لكن دفعهم وباللغة العسكرية إلى اقصى مستويات الحذر والجاهزية القتالية في الوقت نفسه تجنباً لمزالق اي مطبات أمنية ناتجة أو هزات ارتدادية أو تداعيات. بهذا المعنى يمكن وصف ما يجري ميدانياً في عمق محافظة درعا هذه الأيام ومن الزاوية الأردنية على النحو التالي: نظام بشار الأسد يتحرك عسكرياً وينقل معدات ثقيلة ويستعد لتدشين معركة كبيرة بعنوان «استعادة درعا» لكن بأسلوب ينطوي على مناكفة للأردن وبدون مشاورات تنسيقية وعلى اساس مباغتة ميدانية تنطوي على مجازفات أمنية. برزت هذه المؤشرات مع بواكير فجر السبت حيث تم رصد حراك غير مألوف منذ اربع سنوات لقطاعات عسكرية نظامية بإتجاه مدينة درعا تحت عنوان تحريرها من الإرهابيين. في التفاصيل تحركت كتيبتان على الأقل من الجيش النظامي السوري وتم نقل عربات صواريخ متخصصة بتدمير أهداف إنشائية واسلحة وذخائر متخصصة بتدمير التحصينات والدشم مع توفير حافلات عسكرية يعتقد انها ستعنى بنقل ميليشيات شبه عسكرية مساندة لجيش النظام السوري ومجموعات تتبع الحرس الثوري الإيراني وقد تشمل لاحقاً مقاتلين من حزب الله اللبناني. حصل ذلك بتوقيت في غاية الريبة وبالتزامن مع وصول رسمي لقوات الحشد الشيعي العراقي برضى النظام ودعم روسيا إلى منطقة المثلث الحدودي السوري العراقيالأردني. اللافت جداً حسب الراصد المتخصص للميدان السوري صلاح ملكاوي هو ان حركة الحشد الشيعي العراقية تصل بمقاتلين مجهزين تحت أعين «قوات التحالف» التي لا تتابعها ولا تردعها علماً بان الأردن جزء اساسي من قوات التحالف. والجزء المتعلق بقوات الحشد العراقية غامض حتى الآن والسؤال الذي يطرحه المراقبون فهل جرى نقل هذه القوات وعدم إعاقتها من قبل قوات التحالف الموجودة اصلاً في المنطقة بعلم وموافقة الأردن؟ ميدانياً لا تؤكد ولا تنفي السلطات السياسية والحكومية الأردنية اي معلومة في السياق. لكن يعتقد على نطاق واسع بان وجود قوات ميليشيات مسلحة جداً بالقرب من مثلث الحدود الأردنية وبادية الشمال وبإقرار ورضى التحالف الدولي خطوة لا يمكنها ان تولد بدون موافقة عمان أو على الأقل بالتوازي مع «تطمينات وضمانات» قدمت للأردنيين من الراعي الروسي بأن هذه القوات ستقف داخل الأرض السورية والعراقية ولن تقترب من الجزء الأردني ومهمتها ستكون حصرياً مطاردة ومضايقة وملاحقة مقاتلي تنظيم «الدولة داعش». في الجانب الميداني لا يمكن رصد المصير الذي ذهبت اليه في ظل تطورات الواقع تأكيدات وزير الخارجية الأردني ايمن الصفدي لنظيره الروسي سيرغي لافروف بان عمان لن تقبل بوجود عصابات إرهابية ولا ميليشيات طائفية على حدودها. لكن عمان في الواقع الموضوعي يبدو انها تقبل فعلاً او مضطرة لأن تقبل مع ان مصادر خاصة ابلغت «القدس العربي» بان طهران ارسلت للأردنيين ما يفيد بعدم وجود مبرر للقلق من حركة الحشد الشيعي العراقي في منطقة التنف او حركة الحرس الثوري في وسط وعمق درعا لأن حدود عمليات هذه القوات سورية تماما ولا اجندة سياسية لها ولوجودها ووظيفتها مساعدة الأردن في مواجهة تهديدات تنظيم «الدولة». التأكيدات الإيرانية ومعها الروسية بهذا المعنى تبدو «ملتبسة» تماما ويزيد من مستوى الإلتباس ان نظام بشار الأسد بدأ يستعد لمعركة كبيرة في درعا تحديداً ايضاً بدون ضمانات او تأكيدات للأردنيين المضطرين بدورهم ميدانياً للتبديل والتغيير في استراتيجيتهم الأمنية وفقاً لمعطيات الميدان وبنظام القطعة. في دوائر اردنية سياسية لا تبدو مفهومة حتى الآن العديد من المظاهر والمسارات وأهمها موقف التحالف الدولي من تجمع قوات الحشد الشيعي قرب الحدود مع العراق وموقف روسيا من ضمان عدم «عدائية» الميليشيات الإيرانية في درعا وموقف النظام السوري نفسه من مقاييس الأردن الأمنية التي تطالب بعودة الجيش النظامي السوري لدرعا. ولكن مع وجود تنسيق عملياتي وبطريقة لا تستخدم فيها «مدفعية ثقيلة» حتى لا يتأثر الأمن الحدودي الوطني الأردني شمالي المملكة.