( ما كان يعلم الشاعر العظيم كامل الشناوي وهو حي يرزق يهب كل من حوله الضحكات فهو اخف دم في عصره كما وصفه المقربون ان يتحول منزله بحي العجوزة إلى'كباريه'، ويقع المنزل في الشارع الخلفي لمنزل نجيب محفوظ. لقد تحولت'الصالة' التي كان يقابل فيها كامل الشناوي أصدقائه، ويتابع فيها أغانيه التي شدا بها محمد عبد الوهاب وأم كلثوم ونجاة وعبد الحليم وفريد إلى'صالة' للعربدة يترنح فيها السكارى الذين يجمعون بين حالة السكر والخروج عن القانون، بينما بنات الليل يترنحن هنا وهناك، لقد شاهدت المطبخ الذي كان يعد فيه أشهى الأطعمه لهذا الشاعر الكبير الأكول الذي قتله مزاجه النهم للطعام الدسم، إذ مات بعد وجبة عدس أباظية، فها هو مكان إعداد القهوه والشاي وكاسات الخمرة والمزة والشيشة وقطع الفحم لزبائن الأجساد هل كان الشاعر كامل الشناوي يعلم ان هذا سيكون مصير شقته، إذا في هذا الحين كان سيكتب رثاءاً مختلفا عن الذي رثي به نفسه قبل رحيله حين قال : إذا حان حيني وانتهى العمر إنه عزيز على نفسي فراق حياتنا أمثواي في لحد من الارضي ضيق وما كنت بالدنيا العريضة راضيا عله كان سيضيف بيتا يقول : وكارثة الماخور تجمع مومس وضجة الفن الوضيع بداريا عزيزي ايها الشاعر الكبير لقد خانك نظام مبارك الذي كان عليه لو كان شريفا أن يحول شقتك الى متحف لعشاق الكلمه الجميلة، ألسنا أمة البيان ؟ الست أنت النموذج الأرفع للشاعر المقل الجميل فتراثك الشعري ديوان واحد صغير هو'لا تكذبي' تلك القصيدة التي كتبتها في تلك المرأة السادية التي كنت تعشقها'نجاة' . أيها الناس لقد علمت بهذه الكارثه في حق كامل الشناوي وحق الشعر والشعراء ومصر والعروبة، فدخلت هذا الماخور والذي يحمل اسم ( crazy horse ) فأخذتني رعشة ووحشة، فغادرت المكان بعد لحظات بينما ( المتر ) يدعوني لإحتساء ما أريد، والراقصة في مدخل غرفة نوم كامل الشناوي تتلوى، أاحد الجزارين يرقص معها بحذاء العمل الجلدي ذو الرقبة، فعاودت الذهاب إليه في موعد مبكر، والشمس لم تبرح الغروب بعد، فوجدته في هذا الموعد الذي يعد نهاريا في حساب'الكباريهات' قد حول نشاطه إلى'ديسكو'، أما أنا فصرت كما قال الشناوي من قبل ... وحدي شريداً، محطم الخطوات، تهزني انفاسي، تذيبني لفتاتي، كهارب ليس يدري من أين او اين يمضي ؟ القدس العربي