تكلمنا في مقال سابق عن منقصات التعليم المثالي ، وفي هذا المقال نود أن نتحدث عن التعليم عن بعد ماله وماعليه بالرغم من الظروف الصحية التي فرضته كأمر واقع ، في ظل هجمة كوفيد _19_2 والتي إجتاحت العالم بصورة شرسة ، القائمون على التعليم في بلادنا يتوجسون خيفة من إستطالة فترة هذه الجائحة ، كما أنهم منازعون بالحرص على عدم تفويت العام الدراسي . فجاءت فكرة بث المقررات عبر المذياع ، حيث أنه الأكثر إنتشارا في مداه البثي في أقاليم السودان المترامية الأطراف وكذلك لضعف إرسال الشبكات الإتصالية العنكبوتية في السودان . تأتي الفكرة ويبدأ العمل بها بالرغم من التعثر الذي واجهها في بداية التطبيق ، لكن أعتقد أن الفكرة مقبولة الى حد كبير في ظل ظروفنا الإقتصادية السيئة وعدم قدرة الأسر في مناطق السودان المختلفة توفير إجهزة ذكية لإبنائهم وبناتهم حتى يتسى لهم متابعة الحصص عبر التقنية الرقمية .من المؤكد ستلقى هذه التجربة كثيرا من السخرية والتهكم ولكن المضي بها قدما لازم وضروري . في العالم العربي بدأ نظام التعليم الرقمي في مصر والسعودية والجزائر والمغرب والأمارات والأخيرة قد قطعت شوطا كبيرا في مجال التدريس عبر هذه التقنية الرقمية وذلك لوجود بنية تحية متكاملة وثابتة ، إمكانية توفر أجهزة ذكية للطلاب ، شبكات إتصال ذات قدرات عالية ، بنية تحية مدرسية عالية ، كوادر بشرية مؤهلة ومدربة على القيام والإشراف على هذا العمل والقدرة على متابعة إستجابة الطلاب ، وعمل برامج تحاورية ضمن الحصص ، كما يلاحظ من تجربة الأمارات أن أفراد الأسرة يعتبر شريكا إصيلا في هذه التجربة التي فرضتها الظروف الطارئة . التجربة السعودية في عملية الطب الإتصالي واجهتها كثير من المشاكل التقنية والبشرية ، لكن التجربة كانت هدفا أستراتيجيا للجامعات والمستشفيات والدوائر الحكومية ، تطورت بتدريب وتأهيل الكادر البشري وتوفير بنية تحتية قادرة توفرت لها كل المعينات لتخدم الحاضر والمستقبل ، حيث تمكنت الجامعات والمستشفيات التواصل مع كافة الدوائر العلمية في العالم وإكتساب خبراتها ومعارفها العلمية. التجربة التي تقوم بها وزارة التربية والتعليم ، بالرغم من ضرورتها ، إلا أن مخرجاتها قد تكون ضعيفة ، لأن التلميذ نفسه مكونه المعرفي واهن ، كتابة وقراءة وذلك حتى في المراحل المتقدمة ، كذلك لعدم وجود مناظرات تفاعلية بين المدرس والطالب من خلال المذياع ، والأهم أن دور الأسرة سيكون هامشيا وغير مؤثر لظروف اللهث وراء المعيشة وتوفير لقمة العيش . .ماهي الإحتياطات التي يجب توفرها لضمان تحصيل أكبر ؟ أولا على وزارة التربية التعليم ، تحديد المنهج بصورة واضحة وثابتة ، أن توفر الكتاب لكل ثلميذ حتى يكون في مقدوره متابعة المنهج من خلال المذياع ومراجعته وإستذكاره من خلال الكتاب ، أن تقدم إرشادات من خلال الحصص للتلاميذ بكتابة مذكرات أثناء إلقاء الدرس لتسهيل الرجوع للدرس المعني في الكتاب . وقد يتساءل متسائل ، لم كل هذا التخوف ، والعالم كله قد لجأ الى إلية التعليم عن بعد ، مع إختلاف الظروف والوسائل ، فقط يجمعنا هدف الرسالة التعليمية ، نعم ، هناك بعض المحاذير ، لأننا ليس بماليزيا مهاتير ، والتي هيأت بنيتها التحتية في بداية التسعينيات من القرن الماضي لمواكبة الشرق في نهضته وكانت قدوتهم اليابان وكوريا ، ولذلك حين عصفت بهم الجائحة كانت البنية التحتية مؤهلة لأداء دورها الرسالي في القيام بمهمة التعليم عن بعد وقد حققت ماليزيا نجاحا غير مسبوق حتى مقارنة بدول الغرب الرأسمالي. نحن لن نسخر من خوض التجربة مع إخضاعها للدراسة والنقد والتحوير والتعديل في سبيل تحقيق الهدف الموضوع للقيام برسالة تعليمية غير مشوهة وغير مكتملة ، كما على وزارة التربية والتعليم متابعة ذلك الأمر بعمل الإستقصاءات الميدانية في كل منطقة من مناطق السودان لمعرفة العيوب والمناقص وسرعة معالجتها ، لأننا يجب أن نعلم أن غير المألوف مرفوض ، ولتكن هذه التجربة الحديثة في نشر العلم والمعرفة بواسطة المذياع والتلفزيون أرضية ننطلق منها الى مواكبة العالم في بناء بنية تحتية راكزة للتعليم عن طريق التقنية الرقمية ، لأننا لا نعلم كم من جائحة قد تغدر بنا ، إن لم نقبل التجربة بكل سلبياتها وعيوبها سيظل قطارنا متعطلا في محطة رقم 1 وتتراكم دفعات ودفعات من الطلاب في الجامعات أو نترك فراغا بين الدفعات .المهمة في غاية الصعوبة تحتاج لتكاتف مجتمعي كامل اضافة الى دعم وزارة التربية والتعليم والتي لا تحتاج لأن نضع على رأسها أكثر فأس .