لم يكن الشارع الذي صنع ثورة ديسمبر المجيدة يوماً تحت إمرة حزب او جهة او تنظيم وعندما خرجت اول المواكب في مدينتي الدمازين وعطبرة ، لم تخرج استجابة لدعوة حزب او اتحاد او غيره ، كان خروجاً عفوياً لمواطنين عبروا عن رفضهم لاستمرار حكم المخلوع لأسباب يعلمها الجميع ولا ينفي أحد دور الأحزاب ومشاركة قواعدها في ثورة ديسمبر المجيدة ، (بعد انطلاقها) ولكن غياب هذه الاحزاب او اختلاف وجهة نظرها الآن في كيفية وضع الحلول السياسية بعيداً عن الشارع ( لاسباب سياسية ) لن يؤثر على الثورة بشئ، وحدث ان خرجت المواكب عدة مرات واثبتت ان الثورة ثورة شباب خالصة لا تأخذ وتستمد قوتها من الكيانات ، ولاتحتاج الى ان تختبئ تحت المظلات الحزبية. واذا عدنا الى الوراء قليلاً، ففي فبراير الماضي رفض الشارع ولجان المقومة دعوة تجمع المهنيين للخروج وبعدها مباشرة دعت لجان المقاومة لتسيير موكب حاشد وضخم توجه الى مجلس الوزراء كانت اشهر شعاراته ( الجوع ولا الكيزان ) سلم فيه الثوار مذكرة الى رئيس مجلس الوزراء وفرقته الشرطة بالغاز المسيل للدموع. ومن وقتها أرسلت المقاومة رسالة واضحة ان الثورة ليست بيد كيان او حزب او جهة سياسية وان أغلب الثوار الحقيقيين الذين ما زالوا على العهد لا علاقه لهم بالأحزاب ، وربما يتوقع البعض انه لن تكون هناك أعداد ضخمة للمشاركين اذا خرجت الجماهير الثورة الآن وهذا صحيح نسبة لظروف كثيرة منها الصحية والسياسية وظروف اجتماعية لكن كل هذا لن يسلب الثورة ارادتها وإصرارها على الاستمرار في عملية التغيير مهما تكالبت عليها الشدائد وأحاطت بها الظروف وترجل عن قطارها أصحاب المصالح والمنتفعين من تمدد العسكر ودعاة الهبوط الناعم . وخرج رئيس مبادرة تحالف نهضة السودان د. التجاني السيسي، ليحذر الشباب من مغبة التحريض والدعوات للخروج للشارع لمناهضة قرار تكوين مجلس الشركاء وبرر ذلك إلى أن الجماهير ماعادت تحت سيطرة مكون واحد وإنما أصبحت هناك عدد من الأصوات مختلفة وتفرع الشارع لعدد من الاتجاهات وقد يؤدي الخروج لاصطدام وصراع بين الأطراف المختلفة في أمر المجلس لا يحمد عقباه والذي بدوره سيقعد الوطن، ودعا السيسي في تصريح ل( سودان مورنينغ) جميع الأطراف للحرص على التوافق والتضامن من أجل الوطن، واعتبر توقيع اتفاق السلام ووصول حركات الكفاح المسلح، إضافة حقيقية للفترة الإنتقالية لكنه استدرك قائلاً: يبدو هناك جهات لديها تحفظات على اتفاق السلام، وشدد السيسي على ضرورة أن يعمل شركاء الحكم الإنتقالي في تناغم وتوافق للايفاء بمطالبات الإنتقالية، وتابع: لكن التشاكس بين أطراف الحكم يؤكد على وجود خلافات عميقة ومازال التركيز على من يحكم وليس كيف تحكم البلاد وزاد قائلاً: (المكايدات السياسية بينهم سوف تزيد الفترة الإنتقالية تعقيد). وان استمعنا الى السيسي بعيداً عن خلفيته السياسية وتاريخه الذي لا يسمح له بتوزيع مثل هذه النصائح على الثوار ، وان كنا أكثر كرماً في ان نمنحه خاصية الانصات ولم نقل له ( ساعدنا بالسكات) اليس من الغريب ان يختزل الرجل كل أسباب الناس الى الخروج في تحفظهم على عملية السلام ، الا يعلم الرجل ان عملية السلام (الكسيح) هذه بعلاتها لم يدعمها الا الثوار ورفضها كل الإسلاميين وانصار النظام المخلوع وعدد من الاحزاب، وماغيروا رأيهم وساندوها إلا بعد ان كشفت لهم الحركات عن نقابها وفتحت لهم باب الأمل من جديد فالترحيب بحركات الكفاح ودعمها والمطالبة بتحقيق السلام مطلب من مطالب الثورة نادت به وناضلت من أجله ودفعت الدم ثمناً لتحقيقه، لكن هذا لا يعني أبداً ان يأتي السلام ويكون خصماً عليها او سبباً في المحاولة لإلغاء دورها او يطعن في شرعيتها او يدعم كل تخطيط يسلبها حقها او يحاول البعض (باسم السلام) ان يشيدوا جسوراً لعبور وتحقيق اهدافاً تعمل لزوالها او طمس هويتها، هذا لن تسمح به ابداً. لذلك يجب ان يكف البعض الذين يحاولوا (خلط الاشياء) لتخرج بطعم ونكهة مختلفة، فلا عداء للثوار مع احد، لطالما انهم يرفعون شعار الحرية والسلام والعدالة ، ويحلمون دائماً ببناء وطن كبير يسع الجميع ، دون ان يحاول البعض من (الجميع)، التطاول على ثورة أزاحت نظام المخلوع في وقت عجزت فيه كل الأحزاب وغيرها عن زلزلة عرشه، فهذا وحده يكفيها فخراً، ويجعلها في غنى عن انتظار دعم او مساندة من أحد وغداً ستحكي الشوارع كلمتها ويدرك الذين لا يفقهون علمها انها ثورة بإسناد صحيح غير قابل للتشكيك ، وليته يحتفظ السيسي بنصائحه إن كان فعلاً يخشى على الوطن الضياع. طيف أخير: وتصبح ياوطن أخضر