السيتي يتجاوز يونايتد في الديربي    ركابي حسن يعقوب يكتب: ماذا يعني تنصيب حميدتي رئيساً للحكومة الموازية؟    غرق 51 سودانيًا    السودان يردّ على عقوبات الخزانة الأمريكية    الهلال السوداني يتطلّع لتحقيق كأس سيكافا أمام سينغيدا    سِيكَافا وفَن التّزحلق عَلَى الحَنِين    يوفنتوس يقتلع الفوز من الإنتر    شاهد بالفيديو.. الناشطة المثيرة للجدل "زارا" التي وقع الفنان شريف الفحيل في غرامها تعترف بحبها الشديد للمال وتصدم المطرب: (أرغب في الزواج من رجل يملك أكثر من مليون دولار)    شاهد.. "جدية" الإعلام السوداني تنشر صورة لها مع زوجها الشاعر وتستعين بأبيات من الغزل نظمها في حقها: (لا شمسين قدر نورك ولا الاقمار معاها كمان)    شاهد بالصورة والفيديو.. بضحكة مثيرة جداً وعبارة "أبشرك اللوري مافي زول سائقه مركون ليهو زمن".. سيدة سودانية تثير ضجة واسعة بردها على متابع تغزل في جسدها: (التحية لسائق اللوري حظو والله)    شاهد بالفيديو.. الفنان شريف الفحيل يفتح النار على المطربة إيمان الشريف: (المجهود البتعملي عشان تطبلي لطرف تاني قدميه لزوجك لأنك مقصرة معه ولا تعطيه إهتمام)    شاهد.. "جدية" الإعلام السوداني تنشر صورة لها مع زوجها الشاعر وتستعين بأبيات من الغزل نظمها في حقها: (لا شمسين قدر نورك ولا الاقمار معاها كمان)    شاهد بالصورة والفيديو.. بضحكة مثيرة جداً وعبارة "أبشرك اللوري مافي زول سائقه مركون ليهو زمن".. سيدة سودانية تثير ضجة واسعة بردها على متابع تغزل في جسدها: (التحية لسائق اللوري حظو والله)    رونالدو يتسلّم جائزة الحذاء الذهبي للدوري السعودي 2024-2025    وزير الداخلية يتفقد سجن سوبا ويقف على عمليات الصيانة و التأهيل بالسجن    د. كامل إدريس يلتقي المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للسودان    محمد صلاح يضرب شباك بيرنلى ويُحلق ب"ليفربول" على قمة البريميرليج    الهلال يواجه سينغيدا التنزاني غدا في نهائي بطولة سيكافا    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    لامين يامال: هكذا سأحتفل إذا فزت بالكرة الذهبية    مصر تسجل مستوى دخل قياسيا في الدولار    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    عودة السياحة النيلية بالخرطوم    ترامب يلوح بفرض عقوبات كبيرة على روسيا    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    أرميكا علي حافة الهاوية    الرئيس الرواندي يصل الدوحة    انتقادات عربية وأممية.. مجلس الأمن يدين الضربات في قطر    وزارة الزراعة والثروة الحيوانية والري بالخرطوم تبحث إعادة إعمار وتطوير قطاع الألبان    شاهد بالصورة والفيديو.. عروس سودانية ترفض "رش" عريسها بالحليب رغم إقدامه على الخطوة وتعاتبه والجمهور يعلق: (يرشونا بالنووي نحنا)    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    شاهد بالفيديو.. حسناء الإعلام السوداني تستعرض جمالها بإرتداء الثوب أمام الجميع وترد على المعلقين: (شكرا لكل من مروا من هنا كالنسمة في عز الصيف اما ناس الغيرة و الروح الشريرة اتخارجوا من هنا)    أعلنت إحياء حفل لها بالمجان.. الفنانة ميادة قمر الدين ترد الجميل والوفاء لصديقتها بالمدرسة كانت تقسم معها "سندوتش الفطور" عندما كانت الحياة غير ميسرة لها    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    هذا الهجوم خرق كل قواعد الإلتزامات السياسية لقطر مع دولة الكيان الصهيوني    نجاة وفد الحركة بالدوحة من محاولة اغتيال إسرائيلية    ديب ميتالز .. الجارحى ليس شريكا    ضبط (91) كيلو ذهب وعملات أجنبية في عملية نوعية بولاية نهر النيل    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    حادث مأسوي بالإسكندرية.. غرق 6 فتيات وانقاذ 24 أخريات في شاطئ أبو تلات    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رزنامة الاسبوع .. أَيَّتُهُمَا جُمْهُوْرِيَّتُنا؟!
نشر في الراكوبة يوم 26 - 04 - 2021


الإثنين
ذات يوم في أواسط تسعينات القرن الماضي، رنَّ جرس الهاتف في مكتبي، وكان المتحدِّث على الطرف الآخر ضابط من القضاء العسكري:
«يا مولانا عندنا محكمة عسكريَّة لمجموعة متَّهمين في محاولة انقلابيَّة بإقليم البحر الأحمر .. المتهمين الأوَّل والتَّاني طلبوك صديق ليهم، والمحكمة عايزة تتأكَّد من موافقتك»!
فكَّرت برهة ثمَّ قلت:
«انقلاب في بورتسودان؟! لازم أقابلهم في الأوَّل»!
«أكيد حنرتِّب ليك تقابلهم .. بس المحكمة عايزة تاخد موافقتك المبدئيَّة»!
وجرت المقابلة في مدرسة الاستخبارات بالقيادة العامَّة. كان المكان مكتظَّاً بجمهرة غفيرة من المتَّهمين العسكريِّين والمدنيِّين، يقارب عددهم الأربعين، مع أصدقائهم. وجلست إلى موكِّلَيَّ: الأوَّل الرَّائد أركان حرب الدِّرديري، من الدِّفاع الجَّوي ببورتسودان، والثَّاني العقيد أركان حرب جمال يوسف، قائد ثاني مدرسة المشاة بجبيت. وسرعان ما انفكَّ لغز الانقلاب «الإقليمي». تلخَّص الاتِّهام في أن الدِرديري جمع الرِّجال، والسِّلاح، وأخذ موافقة جمال على المشاركة، من جبيت، في الاستيلاء على الإقليم، بكلِّ ما فيه من مؤسَّسات مدنيَّة وعسكريَّة، ومن ثمَّ عزله عن بقيَّة القطر، واستقدام قيادة المعارضة، آنذاك، من القاهرة، وتسليمها إدارته، كأرض محرَّرة، وتخصيص مباني الحكومة الإقليميَّة كمقرٍّ لها، وحُدِّدت ساعة الصِّفر صباح الثَّلاثين من يونيو (!) وتمَّ إخطار ممثِّلَي الحزبين الكبيرين بالخطة. وعُهد إلى جمال بقطع طريق الخرطوم بورتسودان مِمَّا يليه من نواحي جبيت. كما تمَّ التَّخطيط لوضع قوَّات ضاربة حول حدود الإقليم الإداريَّة كافَّة. ورُتِّب، أيضاً، لاستبقاء طائرة سودانير القادمة، في اليوم السَّابق على التَّنفيذ، من الرِّياض متَّجهة إلى الخرطوم، عند هبوطها بمطار بورتسودان، ترانزيت، للتزوُّد بالوقود، بزعم حدوث عطب في الأنبوب، وذلك لاستخدامها، بطاقمها، في أغراض التَّواصل الإقليمي والدَّولي. كما جرى التَّرتيب لتفجير موقعين بالمدينة في ساعة الصِّفر، باستخدام كميَّة ضخمة من الدِّيناميت: عمارة الأمن، وساحة الاحتفال الرَّسمي ب «عيد الإنقاذ»!
أثناء الجلسات كان شهود الاتِّهام، من الاستخبارات العسكريَّة، يهيلون الوقائع الخطيرة، بلا رحمة، على رؤوس المتَّهمين. لكن هؤلاء ظلوا ثابتين، يستقبلون تلك الإفادات دون أن تهتزَّ شعرة منهم، خصوصاً الدرديري وجمال. فمبلغ اهتمام الأوَّل كان التَّصدِّي، بصرامة، لحماية كرامته العسكريَّة، زجراً لكلِّ من يشير إلى رتبته كمجرَّد «رائد»، مهملاً، ولو سهواً، صفة ال «أركان حرب»، أكثر من الإفادات نفسها، على خطورتها، كالعثور، مثلاً، على أصابع الدِّيناميت مخبَّأة في دولاب ملابس أطفاله! أمَّا جمال فكان كثير الاستهانة بالمحاكمة، حيث كان يغفو، ربَّما بأثر برودة التَّكييف في القاعة، بعد السَّهر طوال الليل في الزنازين السَّاخنة، فكنت أضطر للكزه، كي ينتبه للإفادات حتَّى يمكننا التَّشاور حول الأسئلة التي يتعيَّن عليه توجيهها عند مناقشة الشُّهود، حتَّى لقد لاحظت ذلك هيئة المحكمة نفسها المكوَّنة من رتب عليا. لكنني دائماً ما كنت أجد صعوبة في إيقاظه، لدرجة أنه انتبه، ذات مرَّة، حين ألححت على لكزه، وأشار، بكلتي ذراعيه، إلى الهيئة، قائلاً، بصوت جهوري:
«يا مولانا ما تتعب نفسك .. ما في فايدة .. الجَّماعة ديل عندهم أوامر يعدمونا .. عليك الله خلينا ننوم لينا شويَّة في المكيِّفات الباردة دي»!
وعلى حين أثار ذلك التَّعليق عاصفة من الضَّحك داخل القاعة، سمحت لي الهيئة أن أوجِّه الأسئلة مباشرة، رغم مخالفة ذلك للإجراءات!
كان أكثر ما أدهشني، خلال بعض الاستراحات بين الجَّلسات، خبران رواهما لي جمال؛ أوَّلهما أنه وصديقه الشَّهيد المقدَّم عبد المنعم كرَّار الذي أعدم عام 1990م، ضمن ضباط رمضان، كانا شاركا، أصلاً، في انقلاب البشير (!) حيث جازت عليهما، للوهلة الأولى، مثلما على معظم الضُّباط والجُّنود، أكذوبة أنه كان «انقلاب القائد العام»، ربَّما بأثر مذكِّرة القوَّات المسلحة قبل بضعة أشهر منه! وكان دور جمال احتلال الإذاعة، والإشراف على بثِّ البيان الأوَّل الذي سُلِّم له مسجَّلاً! وبعد أن احتلَّ المبنى، وأثناء انهماكه في مراجعة أشرطة المارشات والجَّلالات، بالطابق تحت الأرضي من مبنى الإذاعة، سمع ضجَّة تنبعث من أمام مدخل الطابق الأرض. فصعد للوقوف على جليَّة الأمر، فرأى عجباً أثار استغرابه! جنوده يحتجزون، في ذلك المكان، وفي تلك السَّاعة المتأخِّرة من الليل، سيِّدتين وشاباً حاولوا دخول الاستوديوهات، وبيدهم بيان يريدون إذاعته! وباطِّلاعه على البيان وجد أنه نداء للجَّماهير، على غرار نداء أبو عيسى في ليلة المتاريس، كي تهبَّ لحماية النِّظام الدِّيموقراطي الذي كانت الجَّبهة الإسلاميَّة تسعى للانقضاض عليه! وبالاستفسار عن هويَّاتهم اتَّضح له أن السَّيِّدتين هما زوجتا الصَّادق المهدي، سارة الفاضل وحفيَّة مامون، وأن الشَّاب هو نجله عبد الرحمن! فاكتفى جمال بمصادرة البيان، قائلاً لهم إن الجَّماهير، وقتها، كانت تغطُّ في نوم عميق، فما من أحد سيسمعهم، فضلاً عن أن الأمر، برمَّته، قد قُضي، إذ الانقلاب نفسه قد أنجز، والإذاعة احتُلت، والبيان الأوَّل سيذاع بعد قليل، ثمَّ طلب من جنوده أن يوصلوهم إلى بيتهم في الجِّوار، دون أن ينتبه لإشارة بيانهم إلى الجَّبهة الإسلاميَّة! وكم كان أسفي شديداً حين سألت جمالاً عن مصير ذلك البيان، فعلمت منه أنه أودعه جيب بنطاله، فانماص، لاحقاً، في الغسيل!
أمَّا الخبر الآخر، فهو أن جمالاً، بعد أن فرغ من بثِّ البيان الأوَّل، مكرَّراً، ومصحوباً بالمارشات والجَّلالات، بدأ يتلقَّى إشارات متواترة بأن صديقه كرَّار بانتظاره في القيادة العامَّة لأمر عاجل! لكن مسؤوليَّته عن تأمين الإذاعة لم تمكِّنه من تلبية نداء صديقه إلا بعد الظهر، حيث ألفاه في حالة مزرية، يشدُّ شعره، ويكاد يخبط رأسه بالحائط، وما أن رآه حتَّى هبَّ يغلق باب المكتب ليقول له بحنجرة مجروحة:
«يا جمال ألحق .. نحنا ياخ ارتكبنا غلطة عُمُرنا»!
«كيف»؟!
«الانقلاب دا بتاع الجَّماعة ديل، سرقوا شفرة القائد ونحنا ساعدناهم»!
قال لي جمال إنه، في تلك اللحظة فقط، سطع في ذهنه المعنى الذي ذهب إليه بيان أسرة الصَّادق بإشارته إلى الجَّبهة الإسلاميَّة! ثمَّ روى كيف استطرد كرَّار، طارحاً عليه فكرةً غاية في المغامرة:
«شوف يا جمال .. ما في أيِّ حل غير إننا نباغتهم هسِّع دي، قبل ما يتمكَّنوا»!
قال جمال إنه، رغم المفاجأة، عمل على تهدئة صديقه، وإقناعه بأن الفكرة، على وجاهة دواعيها، إلا أنها لا تخلو من تعجُّل، وعدم أخذ بعض جوانبها في الحسبان، نظراً إلى أنه لا شئ سيحول دون ارتكاب أولئك النَّاس، إذا أحسُّوا بالخطر، أفعالاً كارثيَّة قد تضرُّ ليس بالجّيش وحده، إنَّما بالبلد كله! وطرح عليه، بدلاً منها، ضرورة التَّريُّث، ريثما يرقد شعر جلدهم شيئاً، لحظتها يمكن الانقضاض عليهم. ثمَّ ودَّع صديقه عائداً إلى ام درمان، وفي حلقيهما غصَّة، وفي قلبيهما أسى! ولا بُدَّ أن حركة رمضان، التي قال جمال إنه شارك فيها، قد انطلقت، في العام التَّالي، بذات تلك المشاعر، لولا أنها انتهت باغتيال شهدائها. وأكَّد لي جمال أن الوحيد الذي كان يعلم بمشاركته هو صديقه كرَّار الذي اندفن، دون أن يبوح بسرِّه، في بسالة ووفاء نادرين! مع ذلك كان إبراهيم شمس الدِّين يشكُّ في جمال، لكن، لأنه كان يعوزه الدَّليل، فقد عمل على نقله إلى الجَّنوب، ثمَّ إلى جبيت، حتَّى اتَّصل به الدِّرديري، فلم يتردَّد في الموافقة على الاشتراك في عمليَّة البحر الأحمر، حيث أضحى لديه أكثر من سبب للمشاركة في الإطاحة بتلك العصبة!
من جانبي اتَّبعتُ في المحاكمة استراتيجيَّة ألا يصدر حكم بالإعدام. وبالفعل كان الحكم الأغلظ هو ما وُقِّع على الدِّرديري وجمال بالسِّجن المؤبَّد. ثمَّ ما لبث دستور 1998م أن صدر، فأفرج، بمناسبته، عن الجَّميع.
أخيراً، شقَّ عليَّ، قبل أيَّام، نبأ وفاة جمال، ابن الخرطوم 3 الباسل، إثر علَّة لم تمهله طويلاً، أسأل المولى القدير أن يشمله بواسع رحمته، وجميل غفرانه، وجزيل رضوانه.
الثُّلاثاء
يبدو أن ثمَّة مَن يسعى لإجبارنا، بالزِّنديَّة، على تجرُّع أن من قبيل التَّعب بلا عوض ما لا نكلُّ من لوكه، صباح مساء، عن الفرق بين الجُّمهوريَّة البرلمانيَّة والجُّمهوريَّة الرِّئاسيَّة، وكذلك السُّؤال الذي لا نملُّ من مضغه، مع مطلع كلِّ شمس، عن أيِّتهما جمهوريَّتنا، مع أن المسألة في غاية البساطة؛ فإن كانت الأولى، فإنها تحتاج إلى تأكيد من حمدوك ووزرائه، أمَّا إن كانت الثَّانية، فإنها تحتاج إلى إلزام البرهان ومجلسه. بغير ذلك تبقى المسألة محض «كلام ساكت» يدخل للعسكريِّين من أذن ويخرج من الأخرى، أو أنهم سيواصلون، إزاءه، سدَّ أذنٍ بطينٍة، وأخرى بعجينة!
مهام الفريق أوَّل البرهان، رئيس مجلس السَّيادة الانتقالي، «تشريفيَّة» بحتة، مع ذلك زار الجنينة، عاصمة غرب دارفور، زيارة «تنفيذيَّة»، بالثُّلاثاء 13 أبريل 2021م، ترافقه «هلُمَّةٌ» من الرَّسميِّين العسكريِّين، على رأسهم الفريق أوَّل شرطة عزالدِّين الشَّيخ، وزير الدَّاخليَّة، بينما خلا الوفد حتَّى من بثينة دينار، وزيرة الحكم الاتِّحادي! وكانت في استقباله، أيضاً، «هلُمَّةٌ» من الرَّسميِّين الولائيِّين، ما خلا الوالي الدُّومة الذي كان في الخرطوم لا علم له بالزِّيارة، ولا حتَّى أُخطر بها! وإذن، فإن برهان «التَّشريفي» زار الجِّنينة، زيارة «تنفيذيَّة»، في غياب «رئيس الحكومة» و«والي الولاية»، واجتمع «تنفيذيَّاً» مع المساليت برئاسة سلطانهم، ومع العرب برئاسة أميرهم! ووعد «تنفيذيَّاً» ب «تكوين لجان، وإصدار قرارات تعزِّز الأمن والإستقرار»! أمَّا «التَّشريفي» الآخر الهادي إدريس فقد وجد الهواء، في ما يبدو، مواتياً، فانبرى «يضَرِّي» عيشه، هو الآخر، بإطلاع سفراء الإتحاد الأوروبي، في نفس اليوم، على خطط «الحكومة» للمرحلة المقبلة!
فإذا كانت هذه «الحكومة» هي «حكومة السُّودان» الذي هو «جمهوريَّة برلمانيَّة»، ف «حكومة» مَن، إذن، «قاد» برهان «وفدها» إلى الجِّنينة؟! و«حكومة» مَن «سيكوِّن اللجان» باسمها؟! و«حكومة» مَن «سيُصدِر» عنها «قرارات حاسمة لترسيخ السِّلم، والأمن، والاستقرار»؟! بل و«حكومة» مَن «أَطْلع» إدريس «سفراء الاتِّحاد الأوربِّي على خططها»؟! أهي نفس «الحكومة» التي يرأسها حمدوك؟! أم «حكومة» أخرى يرأسها برهان؟! خاصَّة أن الأخير أكد ل (العربية الحدث) أنه وحمدوك على قلب رجل واحد! كما أن «الفريق أوَّل وزير الدَّاخليَّة» أدلى بتصريحاتٍ، عقب زيارة الجِّنينة، أصرَّ خلالها، أكثر من مرَّة، على الإشارة إلى «الفريق أوَّل برهان» بعبارة «السَّيِّد الرَّئيس»، ومَن يظنُّ أن تلك مسألة شكليَّة فليتحسَّس رأسه، و .. يا حمدوووك عوووك!
الأربعاء
حدثان أدبيَّان دوَّيا في قلبي، خلال الفترة الماضية، دويَّاً ليس كمثله شئ؛ الحدث الأوَّل اختيار رواية صديقي عبد العزيز بركة ساكن «الجَّنقو مسامير الأرض»، في نسختها الفرنسيَّة، بترجمة البروفيسور كزافيه لوزان، ضمن اثنتين وعشرين رواية، على القائمة القصيرة المرشَّحة لجائزة الرِّواية الأفريقيَّة للعام الحالي 2021م. أمَّا الحدث الآخر فهو بزوغ نجم الشَّاعر الشَّاب بحر الدِّين عبد الله، القائل: «جِئْتُ مِنْ أَصْقَاعِ الكَلَامِ كَوَعْلٍ/ يَقْرَأُ المِسْكَ فِي عُيُونِ غَزَالِ/ فَافْتَحُوا لِي نَوَافِذَ اللهِ أَعْلُو/ طَالَمَا الطَّقْسُ سَاخِنٌ فِي الأَعَالِي»، وذلك ضمن ديوانه «مُنْحَدَرَاتُ الكَاكَاو»، الصَّادر عن «دار موزاييك للنَّشر» بتركيا، والذي هو محلُّ ترحيب واحتفاء داخل وخارج السُّودان.
الخميس
نعى النَّاعي منصور محمَّد خير. وقبله رحل حسن شمَّت. وقبلهما توفِّي محمَّد عبد الله مشَّاوي في غربته السَّحيقة بأمريكا، وسبق الثَّلاثة عبد المجيد شكَّاك بانتحاره، عام 1977م، في سجن شالا بغرب السُّودان، صابَّاً، في منتصف الليل، جاز موقد الطبخ على الجَّسد المنهك، ومشعلاً النَّار فيه، حين أحسَّ بالمرض يوشك أن يضعف صموده الأسطوري. وبرحيل أربعتهم لم يبق من الرَّعيل الذين جنَّدوني في الحزب الشِّيوعي، بل وجنَّدوا معظم أبناء وبنات جيلي، في الموردة وبانت، خلال سنواتي هناك، غير ميرغني حسن علي، أطال الله عمره، ومتَّعه بالصَّحَّة والعافية. ويوم انتحار شكَّاك كتبتُ، في رثائه شعراً بعنوان «الرَّجُلُ حَالَةَ كَوْنِهِ شَظَايَا»، أقول، كأنَّما أصف مناقبهم الثَّوريَّة جميعاً، مَن سَبَقَ ومَن لَحِقَ، واستعدادهم للتَّضحية بأرواحهم في سبيل ما يعتقدون:
«يَا عِمْ مَسَاءً يَا تَوَهُّجَ النُّورِ البَلِيغِ حِينَ تُظلِمُ الأَجْسَادْ/ ويَا صَفِيَّ النَّارِ لَمْ تَهُبْ عَلَى حُقُولٍ الفِعْلِ رِيْحُهُمْ/ وإِنَّما هَبَبْتَ أَنْتَ عَاصِفَاً مِنْ أَوَلِ الحَرِيْقِ حَتَّى آخِرَ الرَّمَادْ/ مُجَلْبَبَاً فِي أَلْسُنِ اللَّهَبِ الحِدَادْ/ وصَافِرَاً فِي الَّليْلِ كَالْقَذِيْفَةِ/ رَافِلَاً فِي هَالَةِ الشَّرَرِ الكَثِيْفَةِ/ نَاشِرَاً فِي الأُفُقِ المُعْتِمِ ضَوْءَكَ الفُسْفُورِيَّ/ نَافِضَاً عَنْكَ مَرَّةً ولِلْأَبَدْ/ مَذَلَّةَ الجَسَدْ/ إِذْ يَسْتحِيْلُ قَوْقَعَةً لِلْوَهنِ المُمِيتِ، الألَمِ المُمِضِّ، وإِذْ يَعْلُوْكَ، وإِذْ يَدْنُوكَ، وإِذْ يَجْتَاحُ فِيْكَ الصَّبرَ، يَضْرِبُ حَوْلَ رُوحِكَ الوَثَّابَةِ الأَسْوَارْ/ فَيَسْتَحِيْلُ الاِنْتِحَارْ/ لُغَةً تَسْتَكْمِلُ شَهْوَتَها بالاِنْفِجَارْ»!
أولئك هم أولو الفضل في التَّأثير علينا برفاقيَّتهم التي هي قرينة الإنسانيَّة في أسمى تجلِّياتها، فليس ثمَّة ما هو أسمى من الشَّهامة، والمروءة، والإقدام، والجَّاهزيَّة الدَّائمة لخدمة المجتمع الصَّغير والكبير، والاهتمام بأحوال مَن رقَّ حالهم، واشتدَّت حاجتهم. ولم يكن، في تلك المنطقة الأمدرمانيَّة كلها، من يبزُّ أولئك في المعرفة بهؤلاء! وكان منصور الأقرب إلينا من جهة السِّنِّ والمزاج. وكانت تجمعنا وإيَّاه عُشرة رائقة مع حبيبنا المرحوم مصطفى شمَّت «نُصْ»، شقيق حسن الأصغر، وفي تلك المجموعة كان عثمان حامد، وعثمان بله، وعلي عيسى، وآخرون. وعلي عيسى هو ابن خالة منصور، وهي الخالة التي كان عبد الخالق يقيم معظم ندواته الضَّيِّقة في بيتها. ولمَّا توفِّيت وجَّه عبد الخالق بأن يتكفَّل الحزب بنفقات العزاء مِمَّا جميعه. ولم يكن فينا من لم يلحظ، آنذاك، كيف طوَّر منصور نفسه، على بساطة تعليمه، لجهة الثَّقافة العامَّة، خصوصاً الماركسيَّة. وكان ذلك يتبدَّى، جليَّاً، من خلال المناقشات التي كانت تدور في سهراتنا في مجلس «نُص»، ببانت غرب، قبل أن «نتقاود»، آخر المساء، راجعين إلى حيث نفترق في شارع الأربعين، نحن إلى بيوتنا، وهو إلى ورديَّته في جريدة «الطليعة» التي كان متفرِّغاً لها باتِّحاد العمَّال. وغالباً ما كان منصور «عمود نص» تلك السَّهرات، ما لم يكن لديه ضيوف، ببيته بالموردة، من أصدقائه، الشَّهيد الشَّفيع وعوض الله إبراهيم وغيرهم. أمَّا في فصل الخريف، عندما كان خور اب عنجة يمتلئ ويفيض، فقد كنَّا نقضي أكثر أمسياتنا أمام بيتهم على الضِّفة الشَّماليَّة، جلوساً على عناقريب قصيرة وبنابر يخرجها، ومعها شبكة صيْد، وموقد فحم، وصاج تحمير، ودورق زيت، فنستمتع بعشاء السَّمك الذي نصطاده ونقليه بأنفسنا.
وكانت من خصال منصور الشَّجاعة، وعُلوِّ الهمَّة، وكثرة الحماسة، وقوَّة الشَّكيمة، ولعلَّ ذلك بعض ما أهَّله لأن يكون أحد أفراد طاقم الحماية لعبد الخالق، كتفاً لكتف مع شكَّاك وحسن شمَّت، بل وكان أحد أبطال الدِّفاع عن دور الحزب على أيَّام هجمة «عنف البادية» عليها!
رغم خروجه من الحزب، منذ العام 1970م، ظلَّ منصور وفيَّاً لعلاقاته الإنسانيَّة مع رفاقه القدامى، بل عاد يتبرَّع للحزب من القليل الذي يملك. وعندما سألت صدِّيق يوسف، أقدم المؤسِّسين الأحياء، عمَّا إن كان منصور قد أبدى رغبة، في أيِّ وقت، كي يعود إلى صفوف الحزب، أجابني، ببلاغة فاكهة: وهل كان منصور، في أيِّ وقت، خارج هذه الصفوف؟!
سنفتقده، وسيفتقده كثيرون غيرنا، وسيفتقده، بوجه مخصوص، بسطاء النَّاس، ومساكينهم، في سوق الموردة، وفي ساحات بانت، وفي كلِّ هاتيك الأزقَّة التُّرابيَّة العتيقة، نسأل الله العليَّ القدير أن يشمله بواسع رحمته وغفرانه، وأن يجعل البركة في سائر أهله، وأصدقائه، ومحبيه، وعارفي فضله.
الجُّمعة
ليست حكيمة، البتَّة، دعوة البعض لإبطال مفهوم «عدم الرَّغبة في المقاضاة Nolle prosequi» الذي يتيح للنَّائب العام إنهاء المحاكمة، بعد البدء فيها، لأسباب أهمُّها كون ضرر المقاضاة على الصَّالح العام أكبر من نفعها. لكن هذه السُّلطة تحتوشها، تحت الأنظمة الشُّموليَّة، ريَب وشكوك كثر، بعكسها في الأنظمة الدِّيموقراطيَّة، حيث تسهم في ترسيخ سيادة حكم القانون.
السَّبت
درج البعض على عدم الثِّقة في القدرات الإبداعيَّة المحليَّة، فينسبون كلَّ ما هو لافت منها إلى أصل خارجي! الفلَّاتيَّة، مثلاً، هي، عندهم، «أم كلثوم السُّودان»، ووردي لا بُدَّ أن يكون «عبد الحليم السُّودان»، وهلمَّجرَّا! أحد هؤلاء اتَّهم اتِّحاد الكتَّاب، مرَّة، بأخذ فكرة «محاكمة الطَّيِّب صالح» الشَّهيرة عن برنامج «الحكم بعد المداولة»، من إنتاج ماسبيرو! ويعلم الله أنني، شخصيَّاً، لم أشاهد هذا البرنامج إلا مؤخَّراً جدَّاً، حين أُعيدَ عرض محاكمة الفنَّان الرَّاحل محمود يسن، ومثل فيها كشاهد اتِّهام المخرج علي عبد الخالق، ولا أذكر مَن كان القاضي أو ممثِّل الاتِّهام أو الدِّفاع. أمَّا فكرتنا نحن، والتي كنتُ أحد الفاعلين الأساسيِّين في اقتراحها وتنفيذها بدار الاتِّحاد القديمة بالمقرن، عام 1988م، فلم تكن تكراراً لتجربة ماسبيرو، كما بَهَتَنا ذلك الرَّاجم بالباطل، بل محاولة لكسر نمط النَّدوات التَّقليديَّة السَّائد. وقد اخترنا ذلك الشَّكل لما يتوفَّر في «المحاكمة» من ملامح دراميَّة بامتياز. وأذكر أننا نفَّذناها بمشاركة الطيِّب صالح نفسه، والذي كان، وقتها، قد عاد إلى الوطن بعد غياب سنوات طويلة، فجلس، بتواضع، في قفص الاتِّهام، أمام جمهور غفير، وكان القاضي هو الشَّاعر والقاص والنَّاقد فضيلي جمَّاع، وممثِّل الاتِّهام المرحوم النَّاقد والكاتب عبد الهادي صديق، وممثِّل الدِّفاع الشَّاعر والكاتب محمَّد المكي إبراهيم، بينما مثَلَ كأحد شهود الاتِّهام الشَّاعر والنَّاقد مصطفى عوض الله بشارة الذي انصبَّت إفادته على ما وصفه ب «إساءة» رواية «موسم الهجرة»، لما أسماه «أخلاق القرية»، مِمَّا أثار سخريَّة الطيِّب! ويؤسفني أنني لم أعد أذكر بقيَّة الشُّهود.
المهمُّ أن اتِّحاد الكتَّاب ظلَّ، دائماً، ابتداعيَّاً، لا اتِّباعيَّاً، سواء في تلك الفعاليَّة، أو في غيرها من أشكال النَّشاط الثَّقافي، كالاحتفال بأعياد الاستقلال، مثلاً، وتكريم الفيتوري الذي أعدنا إليه جنسيَّته وجواز سفره بعد الانتفاضة، وكان قد جرَّده منهما نظام النِّميري، وإلى ذلك تنظيم جلسات «الامتاع والمؤانسة» الرَّمضانيَّة التي كانت تمتدُّ إلى وقت السَّحور، مع عدد من الرُّموز الثَّقافيَّة، كعبد الله الطَّيِّب، ويوسف بدري، وسعاد إبراهيم احمد، والفكي عبد الرحمن، والطَّيِّب محمَّد الطَّيِّب، وغيرهم.
الأحد
خلال السَّنة الماضية زرت جوبا مرَّتين، حيث لاحظت أن التَّيَّار الكهربائي نادراً ما ينقطع. ومؤخَّراً أوردت الصُّحف «خبراً» مفاده أن رجلاً شوهد يمشي، هناك، حافياً على أسلاك الكهرباء العارية، فاعتُبر ساحراً أو كجوراً! وفكَّرت .. لو أن رجلاً شوهد يفعل نفس الشئ في الخرطوم، لما اعتُبر ذلك «خبراً» .. أصلاً!
***


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.