تقوم القراءة على تفكيك رموز الحروف، وتكوين المعانى، للوصول بها إلى مرحلة المعرفة والفهم والإدراك، والإستنارة، عبر اللغة التي تعتبر هي الوسيلة الأولى لتحقيق ذلك. وعليه فالكتاب هو أحد أهم الطرق التربوية والتنويرية، وأفضل أدوات التغيير المفاهيمي، التي تستطيع من خلالها المجتمعات إستنهاض هممها ومداركها، والغوص بها في مُتون السفر المعرفي، وجعل التصارع الفكري والثقافي، بديلًا للإحتراب والتصارع بالسنان. في اليوم الثالث والعشرين لشهر أبريل من كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي للقراءة، تعزيزًا لحاجة المجتمعات للقيم الإنسانية، وحربًا للجهل والإنكافئية، وصولًا بها إلى رحابة الصدر وقبول الآخر. تلك وغيرها بالطبع جعلتنا أن نقف عند مبادرة (كمان)، وهي إختصارًا لجملة (كلنا من اجل نيالا)، التي كشفت عن أهدافها، التنويرية والتنموية، والبوح بها وعن أهمية الكتاب، ومدى إسهامه وقدرته في التنمية البشرية، وهي مبادرة تضم في كنفها، مختلف ألوان الطيف الفني والإبداعي والمعرفي. ولكأني اليوم في ذكرى ما كتبته من قبل، بتاريخ (29/4/2017)، وذلك بمناسبة يوم القراءة العالمي، تحت عنوان: (يوم القراءة بنيالا)، بعد حضورنا للإحتفائية، قبل ستة أيام من التاريخ أعلاه، بدعوةٍ كريمة من مجموعة (نيالا تعليم بلا حدود). وكأنما اليوم أشبه بالبارحة، فجميعهم جعلوا الكتاب خير أنيسٍ وجليسٍ لهم، لأنه الأكثر وفاءًا لصحبتهم، لكي يعبّروا فيه عن قيمة القراءة، ويذوقوا حلاوتها- أي جميعهم فتية- آمنوا برب الكتاب، ولبّوا دعوة الإهتمام بداء الروح. ثم زادوه زينةً وحضورًا أنيقًا، وتشريفًا لفاعلية، إستقبال مبادرة (أصنع فرقًا بكتاب) للحديقة الإنسانية، الشفيفة، الروائية، إستيلا قايتيانو، التي تستهدف بمبادرتها، توفير مكتبات عامة متنوعة لمدن (نيالا، الضعين ونيرتتي). فالإحتفاء بهذه الصِنعة وما أجملها من صِنعة!!، يتسابق إليها المهمومون بالإنسانية، والملبّون لدعوات المعرفة، والمؤمنون بأهمية الغوص في بطون الكتب، فصار هو الرابط بينهم، والجامع لهمومهم وأهدافهم السامية. تؤكد قناعاتهم بدور القراءة في إرساء القيم الفاضلة، ومساهماتها في إحداث التغيير المفاهيمي، ليتباروا عبر منصتهم كمان، التي تضم في قلبها، نفر كريم من الأفراد والجماعات الثقافية والفنية والإبداعية. تدافعوا بطموحهم من كل حدبٍ وصوب، مولعون بإهتمامهم وشغفهم بالقراة، فشكلوا حضورًا أنيقًا، وتفكيرًا متقدًا بالعقل، يتدبرون أمرًا بينهم، لمعالجة الإنزوائية والإنكفائية الموغلة في الإنصرافية، والعمل على معالجة الكثير من الظواهر والسلوكيات السالبة، التي عمّت به قرانا ومدننا، لدواعٍ كثيرة، ولكن بُعد الناس عن القراءة والإطلاع، والبحث في أدوات المعرفة، كان سببًا آخر، بات يتجلى فيه ضحالة التفكير وسوء التدبير. مما يتطلب ذلك ضرورة توفير المكتبات بالمدن والقرى العامرة بفنونها وآدابها وأناسيّها المعطونون بالقيم النبيلة، فتركوا مشاغلهم (المتلتلة) ونذروا حياتهم جاهدين، لتحقيق حلمٍ أكبر، ظل يراودهم سنين عددًا، فآلوا على أنفسهم، بذل المزيد لإنجاز مبادرة (أصنع فرقًا بكتاب)، وخلق مجتمعٍ يتنافس حول ضروب المعرفة المختلفة، والتسابق نحوها، إحترامًا لقيمه الإنسانية. بإعتبارها سبيلًا إلى إحترام الذات والرأي والآخر، بكل تبايناته وتنوعه، لأنه المعين في معالجة الظواهر والمشكلات، المُطلة برأسها دمارًا وخرابًا للعقول، فالسعي مستمرٌ لإعادة الأمل في الذين ما زالوا يهيمون غوصًا، بين سطور الأسافير المعرفية، دون وعيٍ بغثها وثمينها، وسيظل هو الهم الشاغل لنا جميعًا. إذًا تدافعوا بسمر وجوهكم، من قلب زحام الحياة ونكَدِها، وكابِدوا ضنككم ومشاغلكم، من أجل غدٍ أفضل، وصولًا إلى المبتغى والمنال، فأنتم جئتم دون معرفتكم لبعضكم- فقط- جئتم تعبّرون عن إنسانيتكم وجمالكم. سيما وأن ما يحمله إنسان نيالا من كنوز القريض والشعر، وكل ضروب الفن والإبداع، تؤكد أن حب الكلم، هو الجامع الذي لا يعرف الحدود السياسية، ولا الفواصل الثقافية والإجتماعية، سوى فوارق الجودة والرداءة، والغث والثمين. لأنّ السياحة بين جنبات الكتب وورقه المحبور، هي التي وشت لمنتجع تكتيك السياحي، قبالة وادي برلي، إحتضان المتوضئين بأحبار الخير، لتشكل مسامراتهم الوريفة على ضفة الوادي الشمالية، جمالًا زان من ألق المكان، وران من أجسادهم الأرق، وكان- وما زال- الوادي، أنيسًا للأنفس المغتسلة بقيم الجمال، والمتوشحة بمساءات الغروب. المساءات التي يحتشد فيها إنسان نيالا بين ضفتي الوادي، طولًا وعرضًا، تؤانسه النجوم، وتخفف عنه آلامه، من وطأة البحث عن لقمة العيش وقفة الملاح، تأكيدًا أن نيالا هي الأم الرؤوم، وتعزيزًا لما صدح به شاعرنا، هيثم جلال الدين، في رائعته (نيالا أم عيالا.. العيشة فيك هنيّة). لذلك فإن الرغبة في إعادة روح الأمل والإبداع، والإهتمام بالقراءة، هو الذي جمع تنوع أبناء وبنات نيالا، من أحيائها المختلفة، ليستقبلهم الوادي بأدبه الجم وكرمه الفياض- كيف لا!!- وهو ظل شريانًا لحياتهم، لقرن من الزمان، يمدّهم بمائه العذب، رغمًا عن جور الزمان وأبنائه له، لكنه لم يضن يومًا، فشيم الأكرمين الصفح. لذلك أراد القائمون بأمر المنصة أن يرفدوا إنسان نيالا، بوادٍ ذي معرفة، حتى يكون ساقيًا لهم، ومشاطرًا في فضل سقاية الماء، لكي تفيض شعرًا وفنًا، ومسرحًا، تتقدّم الجلسات، وتشكل حضورًا جميلًا يتوسطهم، فيطربهم الأستاذ محمد خير الخولاني بقراءاته الشعرية المتنوعة، وعبد الله إدريس، وهيثم جلال الدين، وسلوى محمد طاهر، والمنصة مليئة بغيرهم من الشعراء، والفنانين المبدعين، من لدن دريج، وصداح، ومعاوية إحساس، وغيرهم من الأصوات الندية، كلهم وجدوا الثناء والرضا من المشاركين الذين يشكلون حضورًا بآرائهم وتعبيراتهم. وعلينا أن نتفق على تخصيص يوم في الأسبوع للقراءة، مع تقديم ملخص للكتاب، الذي وجد حظه من القراءة، وتقديم قراءات نقدية له، ستكون فاتحة خير لمزيد من الأنشطة والبرامج، الداعمة لعودة المكتبة، بكل تفاصيلها، وعودة غيرها من مشروعات رفع الوعي والإستنارة بأهمية التنوع وقيمه الثقافية. وعليه نختم كتابنا ونقول: إننا تعرفنا عبر هذه المنصة على كنوزٍ من القيم- قل أن- يجود بها الزمان، سنظل معهم داعمين لمشروعات الفكر والتفاكر، حتى نضمن إستمراريتها، ولذلك ينبغي علينا وبمختلف تبايناتنا، أن نعض عليها بالنواجز، ونكون داعمين للمبادرة، وللرؤى والأفكار، المؤدية إلى إصلاح المجتمع، والبحث عن سبل المعرفة والتنوير، والإطلاع على تجارب وخبرات الغير، رفدًا لمنفعة المجتمع، ومعالجةً لمظاهره السالبة ودعمًا للموجبة، فهنيئًا لنا ولأهل نيالا هذا الصنيع، وعلينا جميعًا يقع عبء الإهتمام بالكتاب وصناعته، ودمتم عطاءًا للحق والخير والفضيلة. فشكرًا للذين كان لهم سبق الشرف، في إهدائنا هذه التحف الجمالية، والإتفاق على قيام المنصة (كمان)، والإهتمام بكل المجموعات العاملة في مجال الإبداع والإمتاع، وشكرنا يمتد للأبنوسية المتقدة بنور المعرفة، إستيلا، هي التي جمعتنا لتهدينا علمًا وإرثًا معرفيًا، وشكرنا أيضًا لشعبنا الذي أهدانا نفاج الحرية، نمارس من خلاله، سلطتنا الثقافية، فلهم جميعًا نقول: جُزيتُم خيرًا لما فعلتم!!!. والدنيا دبنقا دردقوها بشيش،،،،، [email protected]