ما يقلقني حقا في مجتمعنا السوداني اننا اصبحنا لا نعير اهتماما للكثير من سلوكياتنا الحياتية الخاطئة وهي تأخذ بخناقنا الي مسالك سحيقة . ولعل اكثر ما يثير قلقي هو قلة اهتمام المختصين النفسيين في بلادنا بهكذا سلوكيات قبيحة لانشغالهم الدائم برغيف الخبز والبنزين ومستلزمات الحياة اليومية. وحتي اعلامنا تجده مشغولا بالسياسة والحكومة وترك وقوش وحمدوك وفتح المينا وقفلوا المينا. في وقت تزك فيه السلوكيات الهشة تنخر في أجساد الناس. وان كنت استميح عذرا للجميع وقد أهملت في بلادنا مثل هذه القضايا وطغت عليها الاحداث اليومية بأثاراتها وضجيجها . فلم تعد مشاكل الناس النفسية او العصبية او السلوكية قضايا ذات اهمية حتي يتناولها الإعلامي او المختص او يفرد لها المساحات في الصحف و القنوات الفضائية. وحقيقة فما لفت نظري هو ذلك السلوك المنتشر والذي اصبح ملازما للناس في حياتهم العامة وهو النشاط الاذني الذي انتشر بين الناس . وسخافات نقل اخبار الناس بعد فلترتها وتزينها بالزيادات بمختلف اصباغها. فالكثيرون منا قد اصبحوا اهل نميمة و(شمارات) وهذا هو مسماها الجديد .. وقد اصبحنا نعايشها في حياتنا اليومية .. فبكل برود قد يقول لك قائل (عندي ليك شمارات عن فلان) . رغم ان الشمارات او النميمة بالمفهوم القديم كانت سلوكا مجير للنساء . فاحيانا يقال لك (انت مالك زي النسوان تقطع في الناس) . فكم من شخص ظلم بسبب قصص "مفبركة" تم نسجها في بعض الجلسات . وكم من بيوت خربت . وكم من نساء طلقت . وكم من موظف او موظفة فصلت . وكم من شباب اصيبوا بالنفسيات والاكتئاب. وحقا فلقد انتشرت هذه الظاهرة القبيحة... وقد تكون دوافعها في الغالب اجتماعية او سياسية ... او إيديولوجية ... او نفسية … فاصحابها ربما يكونوا مرضى نفسيون. و اكثر ما يروق لهم هو الحديث عن قضايا الناس وأخص خصوصياتهم وفي غيابهم. و أصبح الالتقاط الأذني ونشر الشمارات والاخبار شغلهم الشاغل. وانتشر هذا الوباء كالنار في الهشيم. وليتنا ندرك مدى خطورة نقل هذه (الشمارات) بين الناس فقد تزرع هذه الشمارات العداوة والبغضاء في النفوس وتكون سببا رئيسيا للكثير من الخصومات في المجتمع. ولقد كشفت دراسات ان انتشار جلسات النميمة بين الشباب عامة والفتيات خاصة بهدف التسلية وشغل وقت الفراغ هو في النهاية نتيجة شعور نفسي بالكبت والإحباط يسيطر على هؤلاء الشباب. واكيد تدخل الإشاعة و الكذب والتدليس … والقراءة الكيدية للأحداث في هذه السلوكيات الضارة التي انتشرت ... لذلك يقول بعضهم إن ما بين الحقيقة واللاحقيقة مسافة صغيرة جدا ، وقد تقارب هذه المسافة. المسافة ما بين العين والأذن تقريبا. وحتي "ساستنا" أصبحوا صناعا مهرة للشمارات فلا يحلو لهم الا سماع (الشمارات). وكم يجندون من أفراد نمامون وبمخصصات كبيرة لخدمة أغراضهم الدنيئة. فكم كثر البارعون في حكومتنا من الذين يلفقون الاكاذيب والأخبار المزيفة ، ودعوتي هنا للجميع ان نحارب وبقوة ناقلي ( الشمارات) لانهم حقا (خرابين بيوت) . وهم كذلك يخالفون الله ورسوله «وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ» . وكذلك (تجِدُ مِن شِرار النَّاسِ يومَ القيامَةِ عندَ اللهِ ذا الوجهينِ ، الَّذي يأتي هؤلاءِ بوجهٍ، وَهؤلاءِ بوجهٍ) . واكيد ان بعضنا قد تعرض لمثل هذه الآفات الضارة في مسيرته الحياته . لذا فأن دعوتي في النهاية ان يعمل المختصون في الحد من مثل هذه السلوكيات الضارة. فخطورتها الحقيقية في انها تصيب اجيالنا في مقتل. [email protected]