سؤال مؤرق تتمفصل إجابته في ضرورة المرحلة … إذا كان كل الولايات في السودان خرجت مؤيدة للمدنية بهذه الأعداد الغفيرة (خلا الاخوانويين بطبيعة الحال، وجيش الجنجويد، وجيوش الحركات المسلحة التي وصلت الخرطوم مع قادتها)، فما هي القطاعات الاجتماعية التي يمثلها دهب، برطم، الجاكومي، عسكوري، ترك، هجو، مناوي، جبريل، دقلو؛ غير رفقاء سلاحهم وخلسة عضوية المؤتمر الوطني التي تظهر بلا وجه عبر كاموفلاجاتها الآن. وما هي فائدة السلام الذي انفقنا في مناقشاته أكثر من سنة مع أشخاص لا يمتون لأهل المصلحة الحقيقية بصلة – تلك الجموع التي خرجت اليوم في كل السودان تنادي بالمدنية بعد أن تقيّأت الاخوانوية والعسكرية إلى الأبد. فالواضح الغرض من كل ذلك، هو المماطلة والتطويل بالقدر الذي يجعل الشق المدني ذاهلا عن الالتفات لقضايا جرائم الحرب الإبادة الجماعية التي تطال أعضاءً في المكون العسكري، والمؤتمر الوطني، والحركات المسلحة. أما وقد انفضح كل ذلك بالمظاهرات الطوفانية اليوم، فيجب أن يبدأ السلام الحقيقي من داخل البرلمان، مع أصحاب المصلحة الحقيقيين، والحركات المسلحة التي تمثل أضلاعا مهمة في السلام الاستراتيجي للبلد. وبالتالي الحركات المسلحة والمكون العسكري والاشخاص المدافعين عن المؤتمر الوطني فليذهبوا مع المؤتمر الوطني حظرا وتفكيكا ومنعا من الممارسة السياسية والوظيفة العامة. بل ويجب النظر والتدقيق في أمر هويتهم ونزع الجنسية من بعضهم إذا صاروا يشكلون خطرا على الأمن القومي الاستراتيجي السوداني. إذن، أولى الخطوات هي عزل المكون العسكري الاخوانوي أسوة برصفائه ابنعوف وصحبه، واستبدالهم بمكون عسكري داعم للدولة المدنية فيما تبقى من أيام لرئاسة للعسكر لمجلس السيادة، ومشاورة واستفتاء أهل المصلحة الحقيقيين في أمر تمثيل الحركات ذات الاصول الشادية المدافعة عن المؤتمر الوطني لكياناتهم الاجتماعية. ثانيا، تشكيل المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية فورا وإصلاح مؤسسة القضاء والنيابة العامة والشرطة وجهاز الأمن والمخابرات، ومنع أي تمثيل من أي نوع للجهاز التنفيذي والمؤسسة العسكرية في المجلس التشريعي، ببساطة لأنه مناط به مراقبتهما ومحاسبتهما، ووجودهما فيه يعوق مجرد مقتضى الرقابة والمحاسبة. ثالثا، البدء في إجراءات السلام الحقيقي بتكوين مفوضياته والمفوضيات الأخرى، ودعوة عقار والحلو وعبد الواحد والآخرين بعد التشاور مع أهل المصلحة لبناء سلام ناصع ومستدام. رابعا، يعيِّن البرلمان أعضاء مجلس الوزراء ومجلس السيادة (الذي يجب أن يكون رئيسه من أهل القانون أو السلك الدبلوماسي) عبر ألية إجماع سوداني يقودها العلماء والمهنيون السودانيون، ومعهم أهل المصلحة من السياسيين لمباركة ما يقره علماؤنا ومهنيونا بعد التشاور العلمي المنتج. خامسا، إصدار تشريع يجعل رئيس المحكمة الدستورية هو رئيس مجلس السيادة في الفترات الانتقالية وفي حالة الفراغ الدستوري لحين تعيين رئيس مجلس سيادة جدير بمهمته، وبالتالي قطع الطريق على أي عسكري مغامر من الوصول للسلطة الى الابد. وعليه لابد أن يتم التدقيق في مسالة اختيار رئيس المحكمة الدستورية بشكل محكم وصارم. سادسا، مرحلة البناء ووضع السودان على أعتاب الانطلاق هي مرحلة تحتاج إلى العلماء والمهنيين والتقنيين واصحاب المهارات السودانيين، ولا تحتاج الى المجاملات والمحاصصات وأصحاب القدرات المتواضعة. وبالتالي لابد أن يصحب الفترة الانتقالية برنامج صارم من البحث العلمي والتدريب وبناء القدرات. اخيراً، ليكن المسيطر على ما تبقى من الفترة الانتقالية هو سلطة العلم لا علم السلطة، لنقود هذا البلد إلى بر الأمان.