قبيل انقلاب الجيش ببضعة أسابيع، بدأت الخلافات تتسع بين بعض الحركات في الجبهة الثورية والأحزاب والحركات التي كانت تعمل على توسعة ائتلاف قوى الحرية والتغيير وحل الخلافات داخله وصولا لإعلان مشترك. الأمر الذي قاد فيما بعد إلى إعلان حركتي «العدل والمساواة» بقيادة، جبريل ابراهيم و «تحرير السودان» بقيادة مني اركو مناوي ومجموعة من الأحزاب الصغيرة ائتلافا جديدا- قوى الحرية والتغيير، الميثاق- والذي دعم انقلاب البرهان لاحقا. وكان جبريل يشغل منصب وزير المالية في حكومة رئيس الوزراء المقال عبد الله حمدوك بينما تولى مناوي منصب حاكم إقليم دارفور. وبينما يواصل جبريل دعمه للانقلاب الذي وصفه بالخطوات الضرورية التي فرضها الوضع الراهن في البلاد، تملص مناوي منه واعتبره انقلابا لاحقا. من جهتها حاولت مكونات «الجبهة الثورية» في المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، إيجاد مكان في الوسط يضمن لها تنفيذ اتفاق سلام جوبا ولا تضطر فيه للاعتراف بالانقلاب. حيث قبل قادة الجبهة الثورية الهادي ادريس ومالك عقار والطاهر حجر، الذين كانوا أعضاء في المجلس السيادي الشرعي البقاء في المجلس السيادي الجديد، الذي كونه البرهان في الحادي عشر من الشهر الجاري، ولكنهم رفضوا أداء القسم مرة أخرى. ووقعت الجبهة الثورية المكونة من مجموعة من الحركات المسلحة والتنظيمات المعارضة مع الحكومة السودانية، اتفاق سلام في جنوب السودان، في تشرين الأول/اكتوبر2020 شاركت بموجبه في الحكومة الانتقالية. ويضم الاتفاق خمس حركات رئيسية هي الحركة الشعبية شمال بقيادة مالك عقار، المنشقة عن الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو، ومعها حركتي «تحرير السودان» بقيادة مني اركو مناوي و»تحرير السودان المجلس الانتقالي» بقيادة الهادي ادريس المنشقتين أيضا من حركة «جيش تحرير السودان» بالإضافة إلى «تجمع قوى تحرير السودان» الذي يقوده الطاهر حجر و»العدل والمساواة» بقيادة جبريل ابراهيم. بالمقابل، فشلت عدة جولات للتفاوض بين «الحركة الشعبية» بقيادة عبد العزيز الحلو والحكومة السودانية، كانت آخرها حزيران/يونيو الماضي، حيث تمسكت الحركة الشعبية بإصلاح الجيش قبل حدوث أي ترتيبات أمنية تدمج بموجبها قواتها في الجيش. من جانبه، ظل قائد حركة «جيش تحرير السودان» عبد الواحد محمد نور متمسكا بما اسماه «الحوار السوداني السوداني» ولم يبدأ أي جولة من المفاوضات مع الحكومة السودانية. وفي السياق، قال المتحدث الرسمي بإسم حركة جيش تحرير السودان محمد عبد الرحمن الناير، ل»القدس العربي» إن «موقف الحركة ومنذ تكوينها ظل ثابتاً لا يتزحزح ومبدئياً في مقاومة كافة أشكال الإستبداد والشمولية ورافضاً لكافة أشكال التسويات الجزئية والثنائية التي تخاطب قضايا الأشخاص والتنظيمات وليس قضايا الوطن». وأكد الناير أن الحركة عبرت بشكل واضح عن رفضها وإدانتها لانقلاب البرهان منذ بدايته، ودعت عضويتها وقواعدها وجميع مكونات الشعب السوداني ولجان المقاومة إلى مقاومة هذا الانقلاب وإسقاطه بكافة الوسائل السلمية المجربة. ولم تنخرط الحركة في مفاوضات مع الحكومة، حسب الناير «لانها انتهجت المنهج القديم والمجرب للتفاوض والذي ينتهي بصفقات ومساومات بين الأطراف الموقعة وبالمقابل لا يحقق أي سلام او استقرار في السودان». وأضاف: تم توقيع اتفاقات سلام كثيرة في السودان ولكن جميعها لم تحقق السلام والاستقرار المنشودين، بل فاقمت من الأزمة على النحو الذي نراه ماثلاً الآن، لذا الحركة رفضت الانضمام إلى منبر جوبا للتفاوض بين الحكومة والحركات السودانية. وأشار الناير إلى إعلان حركة جيش تحرير السودان مبادرة للحوار السوداني السوداني داخل السودان لمخاطبة جذور الأزمة الوطنية بمشاركة كافة المكونات السياسية والمدنية والشعبية والعسكرية ما عدا النظام البائد وواجهاته. والمرجو من الحوار السوداني السوداني، حسب حركة جيش تحرير السودان التوافق على حكومة انتقالية مدنية من شخصيات مستقلة مشهود لهم بمقاومة النظام البائد برئاسة دكتور عبد الله حمدوك، تقوم هذه الحكومة بتنفيذ البرنامج والمشروع الوطني الذي يخرج به مؤتمر الحوار. ويرى الناير أن انقلاب البرهان قطع الطريق أمام إعلان المبادرة التي لا يمكن بحال من الأحوال إعلانها في ظل الانقلاب، مشددا على ان معركة السودان الحالية هي إسقاط الإنقلاب وتوحيد كافة مكونات الثورة لإنجاز هذا الهدف ومن ثم طرح مبادرة الحوار السوداني السوداني في مناخ مدني ديمقراطي لا يسيطر عليه العسكر. ولفت إلى أنهم سيعملون مع لجان المقاومة والمجتمع المدني والقوى السياسية الجادة في التغيير من أجل إسقاط الانقلاب بمواصلة المظاهرات والمواكب وصولاً للإضراب السياسي والعصيان المدني الشامل وإنجاز التغيير المطلوب. ويعتقد مراقبون، أن العلاقة بين الجيش والحركات المسلحة عابرة وترتبط بمصالح مؤقتة قد يجنيها كل طرف من الانقلاب في الوقت الحالي. والمقصود هنا، الجبهة الثورية وحركتي مناوي وجبريل. فبينما تتمسك الجبهة الثورية بأي أمل لتحقيق السلام، بما يشبه الاستسلام نسبة لضعفها وعدم قدرتها على المراوغة السياسية، تأمل حركة جبريل في عقد تحالف استراتيجي مع الجيش يعيد الإسلاميين إلى الواجهة. أما حركة مناوي فيبدو انها لا تستطيع الثبات على موقف محدد، فبعد ان دعم قائدها خطوات قائد الجيش في بداية الانقلاب، عاد واعتبره انقلابا. وأدانت الحركة في بيان الجمعة قمع وقتل المتظاهرين، وقالت انها تتابع بقلق الأوضاع السياسية في البلاد مؤكدة ان التظاهرات السلمية والعصيان المدني حق مكفول في الحريات وضمن شعارات الثورة المجيدة. وطالبت «حركة تحرير السودان» بالتحقيق الفوري وتقديم الجناة إلى محاكمة عادلة، داعية كافة الأطراف إلى ضرورة الحوار الجاد في سبيل إنجاح الفترة الانتقالية والتحول الديمقراطي السلمي في السودان. ويرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولة بجامعة امدرمان الإسلامية صلاح الدومة، ان مواقف الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام، كانت وليدة اللحظة وفرضها الوضع الراهن في أغلبها، مشددا على انهم غير مهتمين بمن يحكم السودان أو الانتقال الديمقراطي ولكن بتنفيذ اتفاق السلام. وعند اتخاذهم قرار الميل للجانب العسكري كانوا يعتبرون انه الطرف الأقوى وبالتالي الأقدر على تنفيذ الاتفاق، لكن حساباتهم لم تكن صحيحة، حسب الدومة الذي قال ل»القدس العربي»: العسكريون ليسوا الطرف الأقوى كما هو واضح في المشهد الآن، بوجود الشارع الرافض لهم. وأشار إلى ظهور بوادر واضحة لتخلي حلفاء الانقلاب من الحركات عنه بعد تراجع توقعاتهم حول نجاح الانقلاب، بينما تبقى مواقف الحركات غير الموقعة على اتفاق السلام المتحفظة على خطوات الجيش الأخيرة. ويعتقد استاذ العلوم السياسية، ان بقاء قادة الجبهة الثورية الثلاثة في المجلس السيادي في المنطقة الرمادية، رغم انه محاولة مفهومة لإيجاد مكان وسط، لا يضر بمصالحهم إلا انه كان خصما على صورتهم أمام الشارع السوداني وانحسار المؤيدين لهم، مشيرا إلى ان شعبية أغلبهم في مناطقهم نفسها ليست كبيرة. أما حركتا العدل والمساواة وتحرير السودان اللتين دعمتا قائد الجيش في خطواته الأخيرة، فيرى الدومة ان الجيش استفاد من دعمهم بشكل مؤقت في فترة ما قبل الانقلاب ودفع الأمور لنقطة الصفر، بإحداث انشقاق في قوى الحرية والتغيير ومشاركتهما في اعتصام مصنوع أمام القصر الجمهوري وبالتالي فقدتا تأييد الشارع والقوى السياسية، وهذا ما دعا مناوي للتملص من الجيش والإقرار بأن ما حدث انقلاب. ويعتقد الدومة انه في كل الأحوال سيتم تنفيذ اتفاق سلام جوبا لأن الجيش أو القوى السياسية لن تجازف بالعودة إلى المربع الأول للتفاوض. وبخصوص الحركات غير الموقعة على اتفاق سلام جوبا، فيرى انها بالتأكيد في الوقت الراهن لن تنخرط في تفاوض مع قادة الانقلاب، وان مطالبها حول إصلاح الجيش ستكون أكبر حال عودة الحكومة المدنية واستئناف التفاوض.