في الحقيقة في وجود البيئة الراهنة حيث يرى كثر من النخب السودانية أن الفكر الليبرالي فكر رميم ولا ينشغل لهم بال بأن نمط الانتاج الرأسمالي قد أصبح ممر إلزامي للشعوب لكي تنتقل من حيز الثقافات التقليدية الى حيز الحداثة تصعب رؤية إطلالة نجم البشارة بميلاد ابن لنا يسوق الغافلة النائحة المنتحبة بإتجاه طريق الخلاص. مجتمع سمح للحركة الاسلامية أن تتحكّم في مفاصل حركته لثلاثة عقود بفكرة الدولة الإرادة الإلهية في زمن يشغل فيه ضمير أحرار العالم فكر يتحدث عن دولة الحق في الحقوق تدل كل المؤشرات بأن نخبه تعاني من عجز الى درجة لم تستطع أن يكون لها دور كأقلية خلاقة تلعب دور قوة جبارة تجره من وحل المجتمعات التقليدية. وغياب الأقلية الخلاقة حتى اللحظة ينتج ظرف زماني حرج حيث تقدم الشعب على النخب ولا غرابة في ذلك لأننا في زمن تقدم الشعب و سقوط النخب. تقدم الشعب السوداني و أسقط الحركة الاسلامية بثورة مجيدة كثورة ديسمبر وشعارها حرية سلام وعدالة وإذا بالنخب تمارس دورها الرذيل وتترك الكيزان من جديد في مفاصل الدولة لكي تعيق تقدم الثورة كأن الأبدية قد حكمت على هذا الشعب أن يكون أسير جبار الصدف الذي يحول ما بينه و طريق مسيرته نحو التقدم. بالمناسبة أحاول أن ألفت النخب أن تلاحظ بأن إستمرار الحركة الاسلامية السودانية في الحكم لثلاثة عقود ليس لأنهم تنظيم جدير بأن يكون حاضر في زمن الحداثة التي قد قضت على جلالة السلطة وقداسة المقدس ولكن لأن المعارضة كانت موات وغاب عنها المفكر الذي يتسلح بأفكار الحداثة وحيل عقل الأنوار. وبالتالي إستمرت الحركة الاسلامية في تخريب وتجريف كل أرصفة المجتمع وعندما أسقط الشعب السوداني الحركة الاسلامية غاب المفكر الذي يستطيع ترجمة ما أوحاه له الشعب في شعاره العبقري حرية سلام وعدالة وإنزاله الى أرض الواقع وقد رأينا أتباع المرشد والسلفيين وأتباع الامام وأتباع الميرغني كيف كان تكالبهم على محاصصة الوظائف واهمين أن ما تركته الانقاذ من ركام هو دولة وما عليهم غير ممارسة تخلفهم في تهافت لا يدل على غير أنهم متأهبين للخروج من التاريخ. غفلة النخب السودانية لم تأتي من فراغ قد أتاح للكيزان أن يتسلطوا على أقدار الشعب السوداني لثلاثة عقود. جاء من تلافيف أن فكر الكيزان كان لا يختلف عن فكر أتباع الامام وأتباع مولانا الميرغني والسلفيين وغيرهم من دراويش الطرق الصوفية وكلها أفكار لا علاقة لها بميلاد دولة حديثة. لذلك كانت الفرصة متاحة للكيزان بأن يتسلطوا لمدة ثلاثة عقود وبعدها لم تقود شخصية تاريخية ثورة ديسمبر حتى تنزل ما أوحاه المجتمع للنخب على أرض الواقع لهذا ما زالت النخب تدور في فلك تقليديتها القديمة بفكر ديني لا يعرف الطريق الى فكر النزعة الانسانية المفضية لمفهوم الدولة الحديثة. لهذا ما زال الكيزان يعشمون في العودة ولا ينقطع عشم الكيزان في العودة للحكم إلا عندما تبرز شخصية تاريخية تنزل ما أوحاه الشعب في شعار ثورة ديسمبر الى أرض الواقع بفكر يجنح الى تأسيس دولة حديثة بعيدا عن فكرة دولة الإرادة الإلهية التي يشترك في الحلم بعوالمها الكيزان وأنصار الامام الصادق المهدي وأتباع الميرغني لأن الانساق الثقافية المضمرة تجعل قادة قحت من أنصار وختمية وغيرهم من سلفيين ودراويش وكل مؤمن بخطاب الدولة الارادة الألهية لا يختلف عن الكوز في شئ ولهذا وقفنا في نقطة واحدة رغم أن ثورة ديسمبر ثورة عظيمة قد نالت إعجاب أحرار العالم بأن ثورة الشعب السوداني تأذن بإنعتاق شعب من حيز التقليدية. حرروا أنفسكم من أثقال الفكر الديني المتجسد في عقل أتباع الامام الصادق المهدي وأتباع الميرغني والسلفيين وستكون الدولة الحديثة العلمانية التي لا يخافها العقل وتكون دولة حديثة حيث العقل لا يخاف حينها سيختفي الكيزان من مسارح وجودكم الخرب. قد يخطر ببالك أيها القاري المدرب المفارق للقراءة الناعسة سؤال أين يقع أتباع التغيير الجذري من شيوعيين سودانيين قد أصبحوا لا يختلفون في شئ عن أتباع الفكر الديني في السودان؟ وهنا يتضح كساد الفكر وسط النخب السودانية وتظهر الأنساق الثقافية المضمرة في تأخيرها لبروز شخصية تاريخية تتجاوز عقلنا الجمعي التقليدي وتعلن ميلاد الجديد من الفكر الذي يوحيه لنا ضمير الوجود عبر تجربة الانسان. المحزن أن الأنساق الثقافية المضمرة تضع الشيوعي السوداني جنبا لجنب مع الكوز لأنهم جميعا ضحايا تغبيش الوعي السائد منذ بداية الحركة الوطنية ومنذ أيام أتباع مؤتمر الخريجيين وهم لاحقيين للأحداث. وللأسف نجد عدم ايمان الشيوعي السوداني بنمط الانتاج الرأسمالي وهو متكلس في شيوعية كلنق ابو صلعة كما يصف عبد الله علي ابراهيم مادحا أستاذه عبد الخالق محجوب قد حرمنا من أن يخرج من بين صفوفهم دينغ شياو بينغ وقد رأينا كيف غير إتجاه الصين من مسيرة ماو تسي تونغ وجعلها تؤمن بفكرة نمط الانتاج الرأسمالي وكيف أصبحت الصين اليوم تسير بمعدل نمو اقتصادي قل نظيره وقد إنعكس على إرتفاع مستوى المعيشة في الصين. والإجابة على السوأل لماذا تكلس الشيوعي السوداني في شيوعية كلنق أبو صلعة نجدها في خلط النخب السودانية بشكل مخجل عندما يتحدث أحدهم عن ديناميكية النيوليبرالية وكأنها خط الليبرالية بآباءها من أمثل جون لوك وعمانويل كانط وجان جاك روسو وعلم إجتماع منتسكيو وآخر العنقود نظرية العدالة لجون راولز في كيفية تحقيق فكرة العقد الاجتماعي. عهد دينغ شياو بينغ بدأ عام 1978م وعليك أيها القارئ المدرب أن تلاحظ ماذا يعني لنا عام 1978م أنه يصادف في العالم العربي والاسلامي زمن بداية الخمينية وكيف إنتحر العالم العربي والاسلامي وغاص في وحل الفكر الديني وبعدها كيف سارت الصين في التخلص من أفكار ماو وكيف سار العالم العربي والاسلامي التقليدي في جحوده لفكرة النزعة الانسانية والقطيعة مع التراث وفكرة التيقن من نمط الانتاج الرأسمالي وقدرته على إمكانية خلق الثروة وإعادة توزيعها بما يضمن فكرة الضمان الاجتماعي. صحيح في ضؤ تقدم الصين وإزدهارها الاقتصادي ستواجه في المدى البعيد مسألة الانفتاح السياسي ولكنها لها نخب تستطيع أن تعبر باتجاه الديمقراطية بسلام كما عبر دينغ شياو بينغ مصاعب أقلها محاولة تجاوز أفكار ماو. ما أود قوله كيف سادت شيوعية سودانية لا يلخصها إلا أنها فكر ديني تريد أن تكون وريث لفكر ديني قد عانينا منه وهو سير على قاعدة ديني شيوعي ضد ديني كوز أو سلفي أو من أتباع الامام واتباع الميرغي ولهذا لم يخرج من بين صفوف الحزب الشيوعي السوداني من يكون على مستوى قامة شخصية تاريخية كما دينغ شياو بينغ. عندما كان دينغ شياو بينغ أصغر زائر لفرنسا مع وفد طلابي كان عمره خمسة عشر عام سأله أبوه عشية مغادرتهم الى فرنسا ماذا تريد أن تعمل من زيارتك لفرنسا؟ يقال أن إجابته كانت لكي نتعلم الحقيقة والمعرفة من الغرب لكي ننقذ الصين .