شرطة ولاية الخرطوم : الشرطة ستضرب أوكار الجريمة بيد من حديد    الدعم السريع تحتجز (7) أسر قرب بابنوسة بتهمة انتماء ذويهم إلى الجيش    الهلال يفتتح الجولة الأولى لابطال افريقيا بروندا ويختتم الثانيه بالكونغو    التقى وزير الخارجية المصري.. رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يؤكد عمق العلاقات السودانية المصرية    نزار العقيلي: (كلام عجيب يا دبيب)    البرهان يؤكد حرص السودان على الاحتفاظ بعلاقات وثيقة مع برنامج الغذاء العالمي    ميسي: لا أريد أن أكون عبئا على الأرجنتين.. وأشتاق للعودة إلى برشلونة    عطل في الخط الناقل مروي عطبرة تسبب بانقطاع التيار الكهربائي بولايتين    رونالدو: أنا سعودي وأحب وجودي هنا    مسؤول مصري يحط رحاله في بورتسودان    "فينيسيوس جونيور خط أحمر".. ريال مدريد يُحذر تشابي ألونسو    كُتّاب في "الشارقة للكتاب": الطيب صالح يحتاج إلى قراءة جديدة    مستشار رئيس الوزراء السوداني يفجّر المفاجأة الكبرى    عثمان ميرغني يكتب: إيقاف الحرب.. الآن..    التحرير الشنداوي يواصل إعداده المكثف للموسم الجديد    دار العوضة والكفاح يتعادلان سلبيا في دوري الاولي بارقو    مان سيتي يجتاز ليفربول    كلهم حلا و أبولولو..!!    السودان لا يركع .. والعدالة قادمة    شاهد.. إبراهيم الميرغني ينشر صورة لزوجته تسابيح خاطر من زيارتها للفاشر ويتغزل فيها:(إمرأة قوية وصادقة ومصادمة ولوحدها هزمت كل جيوشهم)    لقاء بين البرهان والمراجع العام والكشف عن مراجعة 18 بنكا    السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأمم المتحدة والجنجويد والفصل السابع وشؤون أخرى.
نشر في الراكوبة يوم 28 - 06 - 2023


قال الطغرائي في لامية العجم
وانما رجل الدنيا وواحدها …من لا يعول في الدنيا على رجل
نقول دون مقدمات كثيرة ان على حكومة السودان الحالية الا تعول في الدنيا على خمس هم: الامم المتحدة؛ والاتحاد الافريقي؛ والاتحاد الاوروبي؛ وجامعة الدول العربية، واي مؤتمر يسمى نفسه مؤتمر المانحين.
نبدأ بالأمم المتحدة، فهي منظمة اسست في عام 1945م لأهداف نبيلة، ثم اخذت هذه الاهداف ذات النبل في التلاشي، ولم يتبقى منها الآن الا القليل الأقل، بعد ان تحولت في يد خمس دول كبرى الى اداة تستخدمها لإدارة مصالحها الاقتصادية والسياسية، وتستعين بحق الفيتو في المجلس المسمى بمجلس الأمن كدرع لصد أي هجمة تمس هذه المصالح.
مجلس الأمن تنقطع علاقته بالأمن عندما تقرر دولة من الدول الكبرى اخذ القانون بيدها وفعل ما تمليه عليها مصالحها؛ ومن ذلك غزو الولايات المتحدة وبريطانيا للعراق دون أي تفويض من الامم المتحدة، وحينها قبع مجلس الامن يتفرج على ما يحدث وكأن الموضوع مباراة بيسبول، ورغم أن الغزو احدث تهديداً للأمن والسلم الدوليين؛ إلا ان الفصل السابع؛ سلاح هذا المجلس المفضل؛ ظل نائماً في سلام بين دفتي دستور الامم المتحدة.
اما الدول الضعيفة وما اكثرها، فان اقصى ما تتمناه من وقوف الامم المتحدة بجانبها في ساعة الأزمات هو ان يصاب الامين العام بحالة الصدمة، الصدمة وليس الجلطة، وتحدث اعتداءات يموت فيها المئات من الناس والنتيجة لدى الامم المتحدة صدمة وصداع خفيف يصاب به امينها العام علاجه حبة بندول، وهذا التقليد؛ أي الاصابة بالصدمة؛ ابتكره كوفي عنان وسار على نهجه من جاء بعده.
لن نكثر من ايراد الادلة على ضعف هذه المنظمة وقلة حيلتها، ولكن يكفى من ذلك أنها اصدرت العشرات من القرارات التي تخص اسرائيل ولم تنفذ اسرائيل منها قراراً واحداَ.
دعك عن اسرائيل وهي قوة نووية مستترة، ودع ما تتمتع به من حماية القوى الكبرى، سنجد أن السودان نفسه قد ضرب عرض الحائط بكل قرارات الامم المتحدة الصادرة ضده منذ عام 1990م إلى عام 2019م ، لعدم اعتقاده في عدالتها، ولم ينفذ من قرارات المجلس سوى القرار رقم 1769 الصادر في 31 يوليو 2007م، والخاص بإنشاء بعثة يوناميد.
لم يصدر القرار إلا بعد موافقة السودان وبشروطه حيث اشترط ان تكون القوات التي ستنشر في دارفور افريقية الطابع. وسميت العملية اختصارا (يوناميد) اي العملية المختلطة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور (UNITED NATIONS – AFRICAN UNION HYBRID OPERATION IN DARFUR)، وكان من شروطه ان يكون له حق الموافقة او المنع لقوات الدول التي سيسمح لها بدخول اراضيه، ولم يسمح لقوة غربية واحدة بان تكون عضوا في هذه البعثة، وكانت الدول المشاركة بقوات من الجيش والشرطة هي: رواندا، باكستان، مصر الاردن ، نيبال، بنغلاديش. واشتركت دول بقوات من الجيش فقط: وهي اثيوبيا، الصين، تنزانيا، ، غامبيا، وشاركت دول أخرى بقوات من الشرطة، وهي توغو واندونيسيا، السنغال وبوركينا فاسو وجيبوتي.
القرار رقم 1556 المعتمد في 30 يوليو 2004 كان ضد الجنجويد، وقد اورد مجلس الأمن فيه وبعد التذكير بالقرارين 1502 لعام 2003 و1547 لعام 2004م بشأن الحالة في السودان، بأن تطالب الحكومة السودانية بنزع سلاح ميليشيا الجنجويد، وأن تقدم إلى العدالة أولئك الذين ارتكبوا انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في دارفور.
هذه القرار نفسه لو قدم بحذافيره أو بدون حذافيره الى مجلس الامن بتاريخ اليوم فلن يتبناه المجلس، على الرغم من ان الحالة الجنجدويدية لم تتغير، كل ما في الامر ان القرار كان في وقته خير وسيلة للضغط على حكومة عمر البشير، فكتبوا ما كتبوا عن فظائع هذه القوات وارتكابها لآلاف حالات الاغتصاب والقتل وحرق القرى، وظهر جورج كلوني وعشرات المنظمات التي لم تدخر جهدا في التوثيق لذلك. وناحوا كثيراً وبكوا من اجل انسان دارفور المظلوم، ولا يعني هذا التقليل من المعاناة والاحزان التي عاشها هذا الانسان، فهذا امر لا يختلف عليه اثنان، ولهم كل المواساة والتعاطف، ولكن نتحدث عن استغلال الحالة لخدمة المآرب الخفية للقوى الدولية
أما عندما تحرك هؤلاء الجنجويد في 15 ابريل 2023م وعاثوا في الخرطوم العاصمة فساداً وحرقوا ونهبوا واغتصبوا وقتلوا وقاموا بالأعمال نفسها التي تفرضها عليهم طبيعتهم المتوحشة بشكل مطابق لما حدث في دارفور، صمت مجلس الامن والقوى التي تسيره ولم يبادروا الى اصدار قرار مماثل للقرار رقم 1556.
كان الجنجويد في عام 2004م مصنفين بأنهم يعملون ضد مصالح القوى الغربية، وأنهم صنيعة حكومة الخرطوم المغضوب عليها. اما في عام 2023م فهو صديقهم لأنه ضد هذه الحكومة. رغم ان الجنجويدي هو نفسه بشحمه ولحمه، لا تغيرت هيأته ولا تغير فكره.
ولا بأس من استعراض نص القرار رقم 1556، وفيه يقول مجلس الامن:
(وإذ يتصرف بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة:
1 – يعرب عن استيائه الشديد لأن حكومة السودان والقوات المتمردة وسائر الجماعات المسلحة في دارفور لم تمتثل امتثالا كاملا لالتزاماتها ولمطالب المجلس المشار إليها في القرارات: 2004، 1574 و 1564 و 1556
ويدين استمرار انتهاك اتفاق نجامينا لوقف إطلاق النار المبرم في 8 نيسان/أبريل 2004م، وبروتوكولي أبوجا المبرمين في 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2004م، بما في ذلك عمليات القصف الجوي التي قامت بها حكومة السودان في كانون الأول/ديسمبر 2004 وكانون الثاني/يناير 2005،
وهجمات المتمردين على قرى دارفور في كانون الثاني/يناير 2005م، وعدم قيام حكومة السودان بنزع سلاح أفراد مليشيا الجنجويد، والقبض على زعماء الجنجويد وأعوانهم الذين ارتكبوا انتهاكات حقوق الإنسان؛ والقانون الدولي الإنساني؛ وأعمالا وحشية أخرى وتقديمهم للمحاكمة، ويطالب جميع الأطراف بأن تتخذ خطوات فورية للوفاء بجميع التزاماتها فيما يتعلق باحترام اتفاق نجامينا لوقف إطلاق النار؛ وبروتوكولي أبوجا، بما في ذلك الإبلاغ عن مواقع قواتها، وتيسير المساعدة الإنسانية، والتعاون تعاونا تاما مع بعثة الاتحاد الأفريقي).
ارتفعت اصوات مؤخرا تطالب بوضع حد للحرب الدائرة في السودان منذ 15 ابريل 2023م باستخدام الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، واصحاب هذه الاصوات يعتقدون ان الفصل السابع هذا تنين خرافي مخيف؛ وان له من السطوة ما له، نقول لهؤلاء ان السودان ربما كان واحداً من اكثر الدول التي صدرت ضدها قرارات بموجب الفصل السابع، فقد صدر ضده القرار رقم 1556 في عام 2004م، ثم صدرت في عام 2005م القرارات رقم 1590 في مارس 2005 وهو خاص باتفاقية السلام بين الحركة الشعبية والحكومة السودانية الموقعة في التاسع من يناير 2005م، وانشئت بموجبه بعثة يونميس، و القرارين 1591 و1593 الخاصين بالمحكمة الجنائية الدولية، اما في عام 2006م فقد صدرت القرارات رقم 1663 و1665 و1679 و1706 .
لم تسفر هذه القرارات عن دخول جندي اجنبي واحد للخرطوم حاملا سلاحه، كما لم ينفذ السودان القرارات الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية، وحتى بعد قيام الثورة في عام 2019 واعتقال جميع المتهمين في هذه القضايا لم يجرؤ سياسي او عسكري واحد على تحمل تبعات تسليمهم لأيدي اجنبية، والمخاطرة بتدمير مستقبله السياسي، بما يمثله ذلك التسليم من انكسار وذل للشخصية الوطنية، واعتراف بالعجز عن إدارة شؤونها، ووصمة العار التي لن تمحوها الايام لمن يتورط في تسليمهم. وحتى الشخص الذي قدم للمحاكمة على كوشيب، لم يسلم بموجب هذه القرارات بل جرى اختطافه.
حاكم المتهمين كما تشاء وفق قانونك الوطني، فالمحاكمة وفق قوانين البلاد وصدور حكم بالإعدام عليهم حتى وان كان ظلماً؛ افضل الف مرة من البراءة على يد اجنبي حتى وان كانت عدلا، فبراءة يمنحها لك اجنبي لا تشرف وخير منها الموت.
لذا فان أي قرار يصدر تحت الفصل السابع سيكون مصيره مثل القرارات السابقة التي قبرت ودفنت وشبعت موتا، والنتيجة الوحيدة الملموسة هي انه سيرفع عدد القرارات الصادرة ضد السودان بموجب هذا الفصل الى تسعة.
الاتحاد الافريقي:
هذا الاتحاد هو ايضا تعبير عن حالة نبيلة تهدف لتوحيد القوى الافريقية تجاه العالم الظالم الذي نهب ثرواتها واستعبد ابناءها وباعهم في اسواق الرقيق، وعندما نقول العالم الظالم فإننا نقصد العالم الغربي، او بطريقة اكثر وضوحا حضارة الرجل الابيض الغربي، لأن هناك بيض آخرون لم يشاركوا في الاستعباد ومنهم الروس على سبيل المثال.
هذا الاتحاد قاد مسيرته اول امره القادة المؤسسون الذين ناضلوا ضد الاستعمار حتى اخرجوه من بلادهم؛ وطافت بخيالهم الاحلام العريضة في توحد الأفارقة وتبنيهم لمشاريع تزيد قوتهم؛ وترد بعض الاعتبار لهم؛ وتوقف نهب ثرواتهم، وتضع حداً لفكرة انهم مجرد سوق مستهلك لما ينتجه الغرب، وان الأفارقة المتخلفون كما تروج الكتابات الغربية، يحوزون ثروات لا يستحقونها وعاجزون عن استغلالها.
لكن هل مضى ركب امنيات القادة المؤسسين كما ينبغى؟
كلا …استغلت القوى الغربية ظاهرة التفكير بالعقلية الدونية التي يفكر بها بعض القادة الأفارقة وخضوعهم لمنطق الرجل الابيض، وحبهم للسلطة والمال، وبغضهم لفكرة تداول السلطة مع خصومهم، كما استغلت عدم انسجام فكرة تداول السلطة مع الموروثات القبلية والتي تؤسس للطبقية القبلية، أي التي تقسم القبائل لدرجات، فهناك قبيلة ترى نفسها تخب اول، ولها الحق في السلطة والثروة، وهناك قبيلة نخب ثان، تضع نفسها في خدمة النخب الاول، وهناك قبيلة نخب ثالث، خلقت لتكون محكومة، والمطلوب منها فقط لكي تحيا في سلام أن تخدم النخبين الاول والثاني، وهكذا.
لا يمكن في ظل هذا الترتيب؛ وحسب هذا التفكير؛ ان يأتي شخص من قبائل الدرجة الثالثة ليصبح رئيساً للدولة، ويحكم قبائل الدرجة الاولى، وعبر استغلال هذه الثغرة في التفكير الافريقي تقوم القوى الغربية بإثارة النزاعات والصراعات وتفتيت المجتمع؛ فتنصب هذا حاكما؛ وتضع احد خصومه في موقع التهديد له حتى تستقيم قناته لهم، او تحرض عملاءها في البرلمان على الاطاحة به، وإذا لم يجد ذلك كله نفعاً؛ فإن آخر العلاج لديها هو الكي؛ أي صناعة انقلاب عسكري يقضي على المتمرد، ويرسله الى الدار الآخرة؛ أو إلى السجن إن كان محظوظاً، وكل ذلك حسب مصالحها.
قسمت القوى الغربية القارة الى مناطق نفوذ حسب الارث الاستعماري القديم، وذلك لتجنب حدوث صدام فيما بينها، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فمعظم بلاد غرب افريقيا هي من نصيب فرنسا، وهي (كفيلتهم) وترعي حكوماتهم؛ وعلى استعداد لإدانة اي انقلاب عسكري وتأليب العالم كله ضده متى كان ذلك الانقلاب لا يخدم المصالح الفرنسية، كما انها على استعداد لعمل انقلاب عسكري ان كان ذلك يصب في مصلحتها، والاعداد له وتنفيذه (بايدي وطنية)، ثم ادانته بعبارات خجولة من باب التقية، وبعد عدة شهور تستقبل قادة الانقلاب في باريس بكل الدفء المطلوب، وتقدم لهم كل ما يضمن استمرارهم في السلطة لأطول فترة ممكنة. طالما حافظوا على المودة والالفة بينهم وبين راعي النعمة.
وضعت القوى الغربية يدها على المنظمة الافريقية بطريقة غير مباشرة، ولم تثمر محاولات التمرد التي تقوم بها دول الاتحاد أو قيادته من حين لآخر في احداث اختراق يعيد للأفارقة استقلالية قراراهم، وكان وضع اليد هذا من اسباب فشل المنظمة في حل صراعات القارة الافريقية المزمنة.
اصبحت صراعات القوى الغربية فيما بينها تنعكس على أداء الاتحاد الافريقي، لأن كل دولة غربية وفي سبيل تحقيق المصلحة الفردية لها، لا تتردد في توجيه طعنات بروتس لحلفائها دون حياء، ومن يشك في أمر هذه الطعنات نقدم له قضية الغواصات الفرنسية مع استراليا حين قامت الولايات المتحدة وبريطانيا بإرغام استراليا في عام 2022م على فسخ الصفقة التي ابرمتها استراليا مع شركة نافال الفرنسية، وكانت بمبلغ خمسة وثلاثين مليار يورو، وقامتا بطرد فرنسا من الصفقة، وعقد صفقة جديدة مع استراليا فيما عرف باسم صفقة اوكوس لبناء غواصات تعمل بالطاقة النووية وتحويلها للمصانع الامريكية والبريطانية.
لم يشفع لفرنسا انها تنتمي للعالم الغربي بصورة كاملة الدسم، وانها عضو في الاتحاد الاوروبي، وهو اتحاد يجمعها مع بريطانيا، وانها عضو في حلف الناتو وهو حلف يجمعها مع الولايات المتحدة، إذ لم يتردد البلدان الولايات المتحدة وبريطانيا في اخراج فرنسا (بالشلوت) من استراليا. وتعويضها بمبلغ زهيد هو 585 مليون دولار.
نتيجة لهذه التبعية المستترة فشل الاتحاد الافريقي في حل مشكلة الصحراء المغربية، وفي حل المشكلة الليبية وفي حل مشكلة جنوب السودان وفي حل مشكلة دارفور، وفي حل مشكلة اقليم التيقراي، وفي حل المشكلة الصومالية، وفي حل مشكلة الكونغو، وفي حل مشكلة الهوتو والتوتسي، وفي حل مشكلة افريقيا الوسطى. وقبلها فشل في حل مشكلة الفصل العنصري في جنوب افريقيا، ومشكلة نامبيا، ومشاكل موغابي في موزمبيق مع الاوربيين.
وعلى ضوء هذا لا نتوقع منه تقديم أي حل لمشكلة السودان الحالية. بل يمكن تلمس اصابع الغير فيما يطرحه من حلول، واخرها توصية مجلس الامن والسلم الافريقي بان تكون الخرطوم عاصمة منزوعة من السلاح. وهي رغبة غربية قدمت في ثياب افريقية.
الاتحاد الاوربي:
هو ناد للنخبة الغربية، ولكنه مثله مثل الاتحاد الافريقي، فقد هويته، فهو الآن ليس اكثر من بوق للسياسة الامريكية، لا يستطيع الخروج قيد انملة عما ترسمه له الولايات المتحدة، حتى وان بدا ظاهرياً انه صاحب سياسة مستقلة، لذا من الافضل في كل الحالات التعامل مع الرأس المدبر مباشرة والنظر له باعتباره مجرد تابع لا يحل ولا يربط.
الجامعة العربية:
منظمة لا حول لها ولا طول ولها سجل كبير في الاخفاق والفشل، فهي لم تكن يوما صاحبة موقف قوى في القضية الفلسطينية؛ حتى كادت فلسطين ان تضيع كلية، ولم تكن صاحبة موقف حازم كان من الممكن ان يؤدي الى ايقاف غزو العراق، وفشلت في حل المشكلة السورية والمشكلة الليبية، وايضا مشكلة الصحراء المغربية، ومشكلة الصومال، ومشكلة اليمن، ومشاكل السودان الثلاث: الاولى حرب الجنوب، والثانية، حرب دارفور، والثالثة، حرب الجنجويد، والدول المذكورة كلها اعضاء في الجامعة العربية.
اقصى ما تتمناه دولة عضو فيها عند حدوث مشكلة هو خروج امينها العام بخطاب مبهم العبارات قابل للتفسير بعشرات الاحتمالات. وقد يكون رد فعل الامين العام للأمم المتحدة في مواقف مثل تلك أكثر منه قوة، فأمين الامم المتحدة يشعر على الاقل بالصدمة. اما الامين العام للجامعة العربية فهو يفتقد حتى فضيلة الصدمة هذه.
مؤتمرات المانحين:
المستفيد الكبير من هذه المؤتمرات هو الفنادق، والمستفيد الثاني هو الدولة المستضيفة، فهي تقوي مركزها الدبلوماسي باستضافة هذه المؤتمرات، وتستفيد منها سياحيا ايضا، والمستفيد الثالث هو القنوات الفضائية والمواقع الاخبارية، أما آخر المستفيدين وفي ذيل القائمة فهو الدولة التي من اجلها اقيم المؤتمر.
حتى لا نتحدث بدون ادلة، نشير لمؤتمر اوسلو عام 2005م الذي روجت له الدول الغربية وهي تحرض على انفصال جنوب السودان؛ وتعده بالمن والسلوى والاموال والثروات التي ستنهال عليه ان انفصل واصبح دولة مستقلة، فقد عقد المؤتمر وتبارى المؤتمرون في الاعلان عن المبالغ التي سيدفعونها، بالطريقة نفسها التي تحدث عندنا في حفلات الزواج، فلان بن فلان دفع كذا وتنطلق الزغاريد، وربما تنطلق معها طلقات رصاص المترجمة لحالة الفرحة، وفلان بن علان الآخر دفع كذا وتنطلق الزغاريد.
دافعو المبالغ في الاعراس عندنا اكثر صدقا من اولئك الذين يستعرضون اناقتهم في الفنادق، لأن الذم والاستهجان الاجتماعي عندنا سيلاحق الشخص الذي اعلن عن اسمه ولم يدفع. اما مؤتمرو الفنادق فلا يخشون عارا ولا شنارا، والنتيجة انه وفي ذلك المؤتمر اعلن عن التعهد بمبلغ اربعة مليارات ونصف المليار من الدولارات، ولم تستلم دولة جنوب السودان منها سوى مائتين وخمسين مليون دولار أي حوالي 6% فقط من المبلغ الموعود. وبعبارة اخرى لم يدفع منهم سوى ستة من اصل مائة مدعو إن قسمنا المبلغ بينهم بصورة متساوية.
اما البقية وعددهم اربعة وتسعون مدعو فقد طربوا لصوت الزغاريد وطلقات الرصاص ولم يدفعوا شيئاً، وغادرت وفودهم الفنادق بعد رحلة سياحية سعيدة استمتعوا فيها بالوجبات باهظة الثمن؛ والخمر المعتق؛ والاجواء الفندقية الفاخرة؛ وتسوقوا وهيصوا والتقطوا الصور التذكارية؛ وظهر بعضهم على القنوات الفضائية، ويشاركهم هذه الفرح مراسلو القنوات الفضائية والصحفيون، فهم لهم ايضا نصيبهم من هذا الكرنفالات المبهجة.
في حكومة حمدوك عقد مؤتمر للمانحين بتاريخ 25/6/2020 سمى (مؤتمر شركاء السودان) شارك فيه ممثلون عن 50 دولة ومنظمة دولية، على رأسهم الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة اللذان نظما المؤتمر إلى جانب المانيا. وتعهد فيه هؤلاء الشركاء بتقديم حوالي مليارين من الدولارات للسودان، لكن ما حدث هو أنه والى تاريخ الاطاحة بحمدوك في 25/10/2021 أي بعد مرور سنة واربعة شهور من المؤتمر لم يستلم السودان دولارا واحداً، وكان الجنوبيون اسعد حظا منا فقد استقرت بعض الدولارات في ايديهم، هذا على الرغم أن ما استقر في يدهم لن يصل للشعب الجنوبي صافيا مصفى، إذ ستطير منه عمولات هنا وهناك لسماسرة الامم المتحدة، وسيطير جزء للساسة الجنوبيين، ولموظفي الوكالات، وربما طار ثلثيه قبل ان يصل للوجهة النهائية وهي المواطن، وعلى هذا المواطن ان يحمد ربه على الثلث منتوف الريش الذي وصله.
لذا لن تخدعنا اصوات الزغاريد المنطلقة من الفنادق لأنها زغاريد (فالصو) ولن يطربنا صوت رصاصهم (الفشنك)، ومن الخير لنا ان نعتمد على زغاريدنا الحقيقية ففيها من الصدق الكثير.
هل الغرض من هذا المقال التحريض على مقاطعة العالم؟
الاجابة كلا.. نستطيع التعامل مع الامم المتحدة؛ ومع الاتحاد الاوربي؛ ومع الاتحاد الافريقي؛ وجامعة الدول العربية ومؤتمرات المانحين، لكن في كل الاحوال يبقى القرار قرارنا، وأن نتخذ ما يتماشى مع مصالحنا، والا ترهبنا عبارات من نوع (الامم المتحدة) و(الفصل السابع) و(الاتحاد الاوروبي)، والا تخيفنا عبارات (عقوبات) و(ارهاب) وغيرها من ادوات التخويف. الخ.
فلن تستطيع كل هذه المنظمات والمجموعات والدول ان ترغمنا على اتخاذ قرار لا نريد اتخاذه، مهما ارغت وازبدت، وتجارب التاريخ المعاصرة ماثلة امامنا في العراق وافغانستان وفي غزة وفي الصومال، وفي تجاربنا مع الامم المتحدة وقرارتها ضد السودان منذ عام 1990 الى عام 2019م، وفي جارتنا اثيوبيا؛ والتي رفضت تدخل أي دولة او منظمة في قضية التقراي؛ واعلنت بكل حزم وإرادة قوية انها مشكلة داخلية، ولم تمنح الفرصة حتى للاتحاد الافريقي للتدخل مع ان اثيوبيا مقر لهذا الاتحاد، ومكاتبه تقع في عاصمتها اديس ابابا.
ونختم بما قاله مارتن لوثر كينغ:
لن يستطيع أحد ركوب ظهرك، إلا إذا انحنيت.
(A man can't ride your back unless it's bent)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.