هل ثمة ضرورة لهذا الحزب ؟ إنه السؤال الابرز الذي يلح علي الدوام في أذهان السودانيين . لم يكن حزب الأمة بالنسبة لهم سوي أداة وظفها آل المهدي لاصطناع الامتيازات ومن ثم تدويرها وسط أفراد العائلة . تاريخيا ، يمكن اعتبار المهدية بمثابة المعمل المنتج لنماذج امراء الحرب كعبدالله التعايشي ، ذلك المحارب القبلي الذي اذاق شعوب الوسط والشمال ابشع أنواع العذاب. التعايشي في مخيلتهم مثال حي علي قبح وفشل المهدوية ومشروعها الذي أسس لأول تحالف عرقي في السودان ، وهو ما تعضده الممارسة والتجربة التاريخية. لقد كان حزب الأمة اول من بادر بتسيس المؤسسة العسكرية مؤسسا بذلك لثقافة الانقلاب . حيث قام احد أبرز عناصره وهو عبدالله خليل بتسليم السلطة الي الجنرال إبراهيم عبود في إطار خطة ممنهجة لاعاقة الانتقال الديمقراطي في البلاد. كان من أبرز مخرجات تلك العملية أن أوكل الحزب تنفيذ سياساته الاستعمارية لحكومة عبود التي وظفت جهاز الدولة لتنفيذ سياسات الاسلمة والاستعراب عبر إرغام شعب جنوب السودان علي تبني قيم وثقافة اهل الشمال من خلال فرض الزي العربي والإسلامي وتغيير عطلة الاحد الي يوم الجمعة. لاحقا وفي الثمانينات ، استغل الحزب موقعه في السلطة لتسيس القبائل بتكوين التجمع العربي كاهم تجمع عرقي في دارفور تكمن مهمته الأساسية في إبادة وقمع الشعوب الافريقية تمهيدا للسيطرة علي أراضيها . كما أنه الحزب الذي سلم السلطة للجبهة الإسلامية عبر زعيمه التاريخي الصادق المهدي فيما عرف بانقلاب يونيو . إن حقيقة أن عراب الانقلاب صهره ، والتحذيرات التي كان يطلقها مخابرات الجيش من انقلاب وشيك تستدعي إعادة تعريف العملية ليس بوصفها انقلاب . لقد كانت عملية تسليم وتسلم . وقد أثبت الدور الذي لعبه الإمام الصادق المهدي لصالح النظام من خلال موقعه في المعارضة صحة هذه الفرضية. لقد كان رجل الإنقاذ داخل المعارضة ، وكانت وظيفته تكمن في ضرب المقاومة تمهيدا لتصفيتها ، حيث تعتبر مساجلات الصادق/ قرنق خير مثال علي ذلك . أن سياسات العسكرة وتمليش القبائل التي ارسي دعائمها الإمام قد خدمت النظام الي درجة كبيرة من خلال توظيف التجمع العربي ومليشيات المراحيل في الحرب ضد الثوار في دارفور وجنوب السودان . وهي اللحظة التي دشنت فيها المرحلة الثالثة من سياسات الاسلمة والتعريب . بعد ديسمبر والإطاحة بنظام البشير ، تواطا الحزب أيضا مع العسكر والجنجويد لسحق المقاومة الشعبية عبر هندسة التسوية وإفراغ المقاومة من مضمونها الثوري بجانب التستر علي مجذرة القيادة العامة عندما سحب خيمته من ميدان الاعتصام قبل لحظات من المجذرة. أخيرا ، تجسدت حقيقة الحزب بشكل واضح بعد الخامس عشر من ابريل بالاصطفاف مع الجنجويد ضد مصالح السودانيين وامآلهم في الدولة المدنية الديمقراطية. هل ثمة لضرورة لهذا الحزب؟ لو اعدنا تعريف الحزب بوصفه تجمع لمواطنين يخططون لخدمة ورفاه المجتمع عبر الوصول الي السلطة يمكن القول إن حزب الأمة قد فارق المباديء المؤسسة للاحزاب متحولا بذلك لاداة توظفها عوائل محددة في إطار التبرير لمصالحها . بالتالي ، ليست ثمة اي مبررات تستدعي وجود هذا النوع من الأحزاب في سياق نضال السودانيين من أجل تأسيس الدولة السودانية الجديدة .