كان هناك راعٍ يسكن مع عائلته الصغيرة وقطيع شياه وكلب، يعيشون على قطرة ماء تنبس ببطء أزلي من صدر جبل مد فيه الراعي خيطا وأوصله إلى الأرض نحو حوض صخري تفيض حوافه مع الزمن وتسيل في سواقٍ هزيلة، هي عروق مترعة بالحياة.ذات غروب زاره غريبان، وكان أكثر ما تبينه من وجهيهما في العتمة أعينهم التي تشع بنور الحكمة الغامض، وحين كان الضيفان حول صحن العشاء، سمعوا عواء ذئب ثم نباح كلب الراعي وكأنما يرد عليه، لم يذهن الراعي إلى معنى ذلك الحوار، بيد أن الضيفين امتنعا عن مدّ أيديهما حتى يقطع فخذا كاملا ويقدمه لكلبه، ولأن الراعي تعوّد أن يجوّع كلبه، أو يعطيه القليل القليل مما تبقى من فضلات طعامه قد رفض تغيير عادته تلك بسهولة، ولكنه تحت إصرار ضيفيه، خاصة وأن ذلك الضوء الذي يفضح حكمة دفينة، قد بدأ يتقد بقوة من عينيهما، فقد وافق على أن يقدم لكلبه ما طلب منه ضيوفه، بأن يمنحه لأول مرة فخذا كاملا.وحين استفاق الراعي مع طلوع الشمس، حيث نام هو وضيفاه في مكان واحد، وجد كلبه وبجانبه ذئب، مسجيين على الأرض وقد بدت ضربات الأنياب عميقة في عنقيهما، لم يبد الضيفان ما يثيرُ العجب أمام حيرة الراعي، وحين سألهما بإصرار عن تفسير لما حدث، أجابه أحدهما:- لقد سمعنا الذئب ليلة أمس وهو يقول للكلب بأنني سوف آتي اليوم لأصطاد من شياهك وسأقاسمك لحمها.فرد عليه الكلب بأنه إذا أعطاني صاحبي وركا من صحن ضيوفه فلن أسمح لك.لم يزد الضيفان كلمة على ما قالاه، وانسحبا منحدرين في الطريق الصخري، ومن على السفح، تأملهما الراعي مندهشا وهما يذوبان عن عين الرؤية. القدس العربي