كان الفيلم التسجيلي، 'أمل' قد فاز بجائزة مهرجان دبي السينمائي الأخير، وكان لشخصية الممثلة السورية أمل حويجة الأثر الكبير في إبداع هذا العمل السينمائي، وهو يحكي عن تجربة إنسانية مقتبسة من أحوال اغترابها. والفيلم من إخراج نجوم الغانم، وقد أدى التعاون والانسجام بين الممثلة والمخرجة إلى تشكيل عمل فني تسجيلي ناجح يمتاز بلغة سينمائية فيها الكثير من الملامح والصعوبات والهواجس التي تواجهها البطلة في الغربة، وذلك في إطار الظروف العامة التي تواجه الشباب الباحثين عن فرصة جديدة في مكان مختلف. وإذا تابعنا العمل بشيء من التفصيل فهو يتناول حكاية ممثلة مسرحية من سورية تلقت عرض عمل في الإمارات لتعمل في إنتاج شخصية كرتونية لها مكانتها المحببة عند الأطفال. كانت الفكرة أن الممثلة ستقضي حوالي سنة في العمل، ثم تعود إلى بلدها، ومعها ما يكفي للبدء في تحقيق حلمها المسرحي. لكن 'حساب الحقل يختلف عن حصيلة البيدر' - كما يقال - وهكذا طالت مدة غيابها كما يحدث مع معظم الذين يغامرون بالسفر مسكونين بأحلام وردية لن يستطيعوا تحقيقها لا في بلادهم ولا خارجها. ماذا عن تجربتك المسرحية من البداية وطموحك الذي كان بالمسرح العربي بشكل عام، والسوري بشكل خاص.. وتطور المسرح خلال هذه الفترة؟ * 'المسرح كان دائما جاهزا لأي جديد، وكان غالبا أو عموما سمة من طموح الشباب، يعني طالما فيه حيوية شباب وحلم هؤلاء الشباب هم الذين يعملون مسرحا وكانوا يقضون معظم وقتهم على المسرح، كانت ظروف المسرح صعبة وقاسية ماديا، ما كانت مريحة أبدا، وهذا كان يؤثر كثيرا لأن المسرح دائما يحتاج إلى وضع مادي أحسن، لكن الشباب كانوا دائما قادرين على أن يشتغلوا ويقدموا الجديد، هذا غالبا ما يحصل في العالم من تطورات وكنا نشوفها في بلادنا بمحاولات متواضعة لكن النية صادقة والنفس للعمل موجود'. هل تراجع المسرح سببه لأنه بحاجة إلى حرية أكثر؟ وفي بلادنا لماذا تراجع المسرح بينما الدراما والسينما الآن بدأت تأخذ مكانها الأكثر حضورا؟ * 'أنا أعتقد أن ما يقع على المسرح من شروط سياسية يقع على جميع الفنون، لكن المسرح كان بحاجة دائما لراحة أكثر للفنانين القائمين عليه، راحة بالمعنى الاقتصادي والمالي، والسفر والحصول على فرص للاطلاع على المسرح في الخارج أكثر، طبعا المسرح بالعالم كله دائما يتعب لأن تمويله دائما ضعيف، والتاجر لا يربح من المسرح مثلما يربح من إنتاج عمل تلفزيوني، لهذا السبب لا أحد يتشجع لدعم المسرح، إلا إذا كان مسرحا تجاريا، والمسرح التجاري لا يساعد في تطوير الفن'. تجربتك ما بين المسرح بدمشق والعمل بأبوظبي ومجلة 'ماجد'، ما هي النتيجة التي طلعت منها أمل حويجة؟ * 'بموقع ماجد كان عملي الأساسي متابعة المراهقين واليافعين من خلال إبداعاتهم، مواهبهم، كتاباتهم، كنت ألاحظ كثيرا بأن الأطفال بهذا العمر شخصياتهم قوية، وما عندهم مثل أيامنا أنهم يتحرجون في أن يحكوا أي شيء لا يحبون أن يحكوه، بالعكس إنهم يحكون بصراحة كانت أحيانا تفاجئني. لكن المؤسف أن ثقافتهم ثقافة تدجينية، مدرستهم تأثيرها على هذه الأعمال هي الغالبة، وتأثير المدرسة على أعمالهم ما كان تأثيرا لفتح الفكر والحوار مع الأفكار، بل كان على تحفيظ الأفكار والمعلومات وكل الأشياء. هنا كانت المشكلة التي تخيفني بهذا العمر، لكن انفتاحهم كان يلفتني. نحن كنا خجولين أكثر، كنا نرتبك لما نرغب أن نقول أفكارنا، هم أكثر شجاعة. إذا أردت المقارنة بين تجربة المسرح وبين العمل الأدبي مع الأطفال هم لا يتشابهون إلا بمكان واحد، لما كنت أشتغل بمسرح طفل، الطفل في كل الأماكن وفي جميع الفنون هو جاهز للتفاعل، المهم أن تحرضيه وهو جاهز ويسبقنا. في المسرح، لما كنا نقول أي شيء مهم كان هو يطلع على الخشبة ليقول ما يخطر له. أعتقد أن عالم الطفولة متشابه في كل العالم من حيث تكوين طفل، لكن نحن كيف نتعامل معه، كيف نساعده أو نقمعه أو نوجهه، هنا تكمن الأهمية'. هل العمل الفني الناجح يحتاج من الفنان أن يعمل بروح الطفل وما يملكه من حرية؟ كيف نؤهل أطفالنا لكي تظهر مواهبهم؟ * 'صحيح نحن في بلداننا آخر شيء نهتم به هو الطفل، وحتى على مستوى العمل التجاري أرخص الأعمال التي تباع هي أعمال الأطفال رغم أنها بحاجة لجهد وتمويل، هذا نموذج على تخلف العلاقة مع الإبداع الذي يخص الطفل، لكن واجبنا أن نعرف أن الطفل حر، والطفل هو عبارة عن نبتة جاهزة لتنطلق وتنمو في أي بيئة كانت، ونحن ما نحتاجه ليس التوجيه السياسي للطفل، نحن بحاجة لنعرف كيف نكون أحرارا حقيقيين مع أنفسنا ونترك للطفل الهامش الذي يستحقه. يكفي أن يشوفني ويشاهد عملي وتصرفي وليس أنا أوجهه، لازم يشوفني وأنا أقرأ كتابا حتى يعرف أهمية الكتاب، لازم يشفوني كيف أتعامل مع الحياة ومع ما يحيط بي حتى هو يشوف ويعمل أحسن مني، وهذا هو الذي نحن نفتقده بالفنون مع أنها تطورت عن قبل، لكن ظلت توجيهية وتلقينية كما المدرسة، وهذا خطر على الطفل'. جديدك بعد فيلم 'أمل' مع المخرجة نجوم الغانم، لماذا سمي الفيلم باسم البطلة؟ * 'أكثر شيء شاغل بالي أن أعمل بالمسرح، وأنا أفكر أن يعرض عملنا المسرحي في بلدان وأماكن مختلفة. هناك نص أشتغل عليه، ونص أكتبه، لا أعلم أي عمل منهما سوف ينجز قبل الآخر، هذا الجانب أرى أنني بحاجته إنسانيا، أما ما يخص فيلم 'أمل' هي تجربة عشناها أنا ونجوم بعفوية، وكانت رغبتي أن أقول شيئا للعرب الوافدين الذين يعيشون خارج بلادهم، وأحكي إذا قدرت أن أحكي بلسانهم، لا أعرف إذا نجحنا بالقصة أو لا، لكن هذا كان هدفي، أكثر مما أحكي عن شيء شخصي، لكن عبر الشخصي كان هذا التعبير يطلع وخصوصا إذا كان فنان عايش بمكان لكنه لا يمارس عمله الفني، هذا يصير أصعب، وما لا حظته من الجمهور عامة ومن جنسيات مختلفة كان يقول (حكيت اللي بقلبي واللي على لساني)، فهذا هو الذي طمأني وخلاني أقول إننا وصلنا الرسالة التي لازم توصل'. ممكن نعرف لمحة عن هذه الأعمال المسرحية الجديدة، هل تضمن شيئا من الحاضر الموجود حاليا ويحدث في المنقطة، أو هذا مؤجل؟ * 'أكيد فيه شيء يمس الحاضر، لأني لا أستطيع أن أقول شيئا على المسرح إلا أن يكون ملتصقا جدا بالشارع العربي، وبما يجري في بلدنا سوريا بشكل خاص، لأنه هذا وجع شخصي بالمسرح لا تقدرين إلا أن تقولي وجعك. هناك نص للأستاذ عدنان عودة أنا معجبة به جدا، وحسب ما قيل لي أنه مكتوب من سنتين، لكنه يحمل روح ووجدان الشخصية الأصيلة، الشخصية الحرة، الشخصية التي عندها ثقافات مختلفة، تستطيع أن تعيش مع البدو وفي المدينة، وتنتهي بمكان له علاقة في المعرفة، طبعا لا أستطيع أن أعطي تفاصيل أكثر، لكن هذا النص يستهويني جدا، إن تأخرت عن تقديمه يكون ذلك بسبب الإنتاج، العمل يحتاج إلى إنتاج جيد ودعم مالي جيد، وأنا أبحث عن مصدر مالي للعمل لأنه مهم. النص الذي أنا أكتبه عن امرأة تبيع في (سوبر ماركت) وتجري حولها الأحوال التي تحدث في سوريا، تمر من جنبها المظاهرات، يمر من جنبها المسؤولون، يمر من جنبها الناس وأبناء الحي بجنسياتهم وطباعهم المختلفة، تتلقف ما يجري ببساطة، ونرى بعد ذلك إلى أين تأخذها القصص'. طالما اقتربنا مما يجري الآن في سوريا وقبله في تونس ومصر والبحرين واليمن، الرؤية أصبحت واضحة لمن ستكون الساحة السياسية، هل ترين بأن سوريا سيكون فيها حل وسط، ما هي رؤيتك من بعد لما يجري في المنطقة؟ * 'أنا لا أستطيع أن أقدم جوابا سياسيا لأني لا أفهم فيها ولا أعرف أن أحكي فيها، لكن سوف أجاوب بإحساسي كفنانة، أنا بإحساسي عندي تفاؤل كبير جدا بأن مجتمعاتنا سوف تمضي في سبيل النجاح، ما دامت تنتفض بكرامة ولتحقيق الكرامة. شعوبنا اليوم تتمزق وما يحصل فيها مؤلم وموجع، لكن عندي ثقة كبيرة جدا لأن الناس تعبت من الركود، وهي تريد أن تحيا، وإلى أن تنمو هذه النبتة وتطلع من بين الصخر والحجار والتراب لا بد أنها تتعذب وتتوجع، هكذا أنا أشوف القصة، وشايفتها بأمل كبير جدا'. كيف كنت تحتفظين بهذا الأرشيف من صور وغيرها مما يصنع فيلما سينما، هل يمكن تحقيق كل هذا التنظيم؟ وكيف تم التعاون بينك وبين المخرجة نجوم لأنه قد ظهرت صور قديمة، لكنها عرضت وكأنها حديثة، تظهر من ماضيك، حاضرك، ومع صديقاتك؟ * 'بالأول لم يكن إلى هذا الحد منظما، أول شيء عملناه مقابلة صارت بيني وبين نجوم، وأنا كنت أسهب بالتفاصيل وكان على بالي أني أحكي الكثير بحرية، بدون أن أخاف من شيء، هذه الحرية جعلتني أستحضر لحظات قديمة وحديثة، بعيدة وقريبة، وكل هذه القصص التي ظهرت بالعمل، والصور احتاجت مني إعادة بحث كبيرة عندي في الشام، أو عند صديقاتي، في جانب كان مؤرشف من زمن، وأشياء لم تكن محفوظة وجرت عملية بحث طويلة حتى جمعناها'. تحدثت أمل بالفيلم عن الغربة مع أن كل واحد منا يغترب بإرادته، لما يطلع على الغربة يصير عنده وجع الوطن، بينما نرى الآخرين الذين تربوا بحرية نظرتهم تختلف، ويعتبرون أي وطن يحفظ لهم حريتهم وكرامتهم هو وطنهم، لماذا معالجتنا للغربة يأتي من موقع الألم، بينما نرى أن من يبقى بالوطن بعضهم حقق طموحات أكبر مما حققناه نحن، لماذا نحن نظرتنا للسفر مختلفة؟ * 'السفر شيء والغربة شيء آخر، أن تغتربي وأنت تعرفين أنك قادرة أن ترجعي إلى مكانك وأرضك في أي وقت وتلاقي العمل والأمان الاقتصادي والإنساني، عندئذ تصير الغربة في يدك وبحريتك، وما عاد اسمها غربة صار اسمها سفر. شبابنا العرب أغلبهم من الذين كنت ألتقيهم، هم جاؤوا لأنهم ما عندهم عمل في بلادهم، أو لأنهم لا يريدون أن يخدموا عسكرية، هناك أسباب عديدة، أغلبها لا تمنحه فرصة العودة بارتياح. لما يصير الواحد محروما من العودة بمعنى أمان الحياة، بعدها هنا يحضر الوجع، هذا الوجع أنا أشرت له في الفيلم، أنا كفنانة بصراحة لم أعش هذا الوجع، ما عشت الحرمان، ولا بسوريا عشت الحرمان الاقتصادي، بمعني أني ما جئت أبوظبي لأني محرومة، كما قلت في الفيلم أني بودي أن أسافر لأي مكان. فيه حكاية أخرى بالفيلم، لكن الذي أشوفه حولي ناس تلهث حتى تؤمن أولادها وعائلتها بالكامل، وبعد ذلك بودهم أن يرجعوا. في أوربا وأميركا يمكن أن يأخذوا جنسيات ويستقروا ويصيروا من أبناء البلد، هنا لا بد في الأخير أن يعود، وينشغل بالتفكير كيف يمكن أن يؤمن عائلته ونفسه خاصة عندما يكبر، وكل هذه القصص، عندها يجد نفسه قضى بالغربة عشرين، ثلاثين سنة وتصير بعدها العودة باهتة'. كيف تنظرين ضمن ما يجري إلى الفنون بشكل عام وأي منها متقدم على الآخر، حيث نرى التوجه للسينما أو الدراما ما زالت سباقة، ما هي رؤيتك لأجواء الفنون حاليا سواء بالوطن العربي، وفي سوريا بشكل خاص؟ * 'أنا أرى أن السينما جمهورها كبير واسع ومتنوع ومختلف، هذا بعد أن صار سهولة نوعا ما في الإنتاج السينمائي، وفي مهرجان الخليج السينمائي التقيت بمخرج فرنسي يحمل كاميرا بسيطة جدا ويصور فيها ويعمل أفلاما، بمعنى أنه صار إنتاج الفيلم السينمائي سهلا، والمشاهد يتابع السوق العالمية والعربية ويرى نجوم العالم وهوليود وغيرها، فإذا أردنا أن نتحدث عن هذا الجانب السينما هي المتقدمة، نحن في بلادنا للأسف ما فيها إنتاج سينمائي والجمهور يشاهد السينما العالمية، المسرح يحاول أن يقف ويقعد، يتنفس ويرجع، الدراما التلفزيونية تقدمت تقدما رائعا أتمنى لها أن لا تتوقف أو تتراجع، أتمنى ما يجري أن لا يكون عائقا أمام هذا الإنتاج، لأن الفنان السوري الذي ما قدر أن يعمل سينما حط طاقته الإبداعية كاملة وبصدق كبير في التلفزيون، هذه كانت ميزة'. أشكرك وأتمنى أن تكون نهاية هذا اللقاء مع أمل حويجة بنت مدينة سلمية، بلد الماغوط، علي الجندي وغيرهم، ماذا أعطيت سلمية بماضيها، وماذا أضافت أبوظبيالمدينة الحديثة، أثينا حاليا، رؤيتك عن بعد؟ * 'ضمن كل محطات الرحلة التي ذكرتها سلمية تحيط بي من كل الجهات، وقلعة 'شميميس' بظهري، خلفي، أشعر أنها تحميني وهي شايلتني كيفما تحركت، بتجربة أبو ظبي أعطتني راحة واسترخاء كافيا أن أستمتع بالمكان الذي أحببته وحسيت بكثير من الأشياء الجميلة فيه، لكن بقي الحنين لتلك القلعة التي ورائي، لهذا التاريخ الذي ورائي، حاليا في أثينا البلد الذي له حضارة كبيرة وقلاع كثيرة، وراءه فينوس، وراءه هرقل، حكاياتهم وأساطيرهم بالنسبة لي عالم ممتع وشيق لكن ما في شيء بيناتهم من قلعة شميميس'. القدس العربي