وساطة الفريق اول ابراهيم سليمان: هل تكرار لذات السيناريو    شاهد بالفيديو.. ياسر العطا يقطع بعدم العودة للتفاوض إلا بالالتزام بمخرجات منبر جدة ويقول لعقار "تمام سيادة نائب الرئيس جيشك جاهز"    عقار يشدد على ضرورة توفير إحتياطي البترول والكهرباء    ريال مدريد الإسباني بطل أوروبا    ريال مدريد يهزم دورتموند الألماني ويصطاد النجمة 15    (زعيم آسيا يغرد خارج السرب)    القبض على بلوغر مصرية بتهمة بث فيديوهات خادشة للحياء    القبض على بلوغر مصرية بتهمة بث فيديوهات خادشة للحياء    داخل غرفتها.. شاهد أول صورة ل بطلة إعلان دقوا الشماسي من شهر العسل    قنصل السودان بأسوان يقرع جرس بدء امتحانات الشهادة الابتدائية    المريخ يتدرب على اللمسة الواحدة    إعلان قائمة المنتخب لمباراتي موريتانيا وجنوب السودان    شاهد بالفيديو.. مواطن سوداني ينطق اسم فريقه المفضل بوروسيا درتموند بطريقة مضحكة ويتوقع فوزه على الريال في نهائي الأبطال: (بروت دونتمند لو ما شال الكأس معناها البلد دي انتهت)    بدء الضخ التجريبي لمحطة مياه المنارة    منظمات دولية تحذر من تفشي المجاعة في السودان    بعد الإدانة التاريخية لترامب.. نجمة الأفلام الإباحية لم تنبس ببنت شفة    صلاح ينضم لمنتخب مصر تحت قيادة التوأمين    شاهد بالفيديو.. وسط سخرية كبيرة من الجمهور.. أحد أفراد الدعم السريع يظهر وهو يغني أغنية "هندية" ومتابعون: (أغنية أم قرون مالها عيبها لي)    شاهد.. زوج نجمة السوشيال ميديا أمنية شهلي يتغزل فيها بلقطة من داخل الطائرة: (بريده براها ترتاح روحى كل ما أطراها ست البيت)    بعد الإدانة التاريخية.. هل يستطيع ترامب العفو عن نفسه إذا نجح بالانتخابات؟    أسعار الأدوية في مصر.. المصنعون يطلبون زيادة عاجلة ل700 صنف    شاهد بالفيديو.. شباب سودانيون يقدمون فواصل من الرقص "الفاضح" خلال حفل أحيته مطربة سودانية داخل إحدى الشقق ومتابعون: (خجلنا ليكم والله ليها حق الحرب تجينا وما تنتهي)    مسؤول سوداني يكشف معلومات بشأن القاعدة الروسية في البحر الأحمر    "إلى دبي".. تقرير يكشف "تهريب أطنان من الذهب الأفريقي" وردّ إماراتي    دفعة مالية سعودية ضخمة لشركة ذكاء اصطناعي صينية.. ومصدر يكشف السبب    في بورتسودان هذه الأيام أطلت ظاهرة استئجار الشقق بواسطة الشركات!    محمد صبحي: مهموم بالفن واستعد لعمل مسرحي جديد    فيصل محمد صالح يكتب: مؤتمر «تقدم»… آمال وتحديات    السعودية "تختبر" اهتمام العالم باقتصادها بطرح أسهم في أرامكو    ميتروفيتش والحظ يهزمان رونالدو مجددا    السعودية تتجه لجمع نحو 13 مليار دولار من بيع جديد لأسهم في أرامكو    خطاب مرتقب لبايدن بشأن الشرق الأوسط    مذكرة تفاهم بين النيل الازرق والشركة السودانية للمناطق والاسواق الحرة    سنار.. إبادة كريمات وحبوب زيادة الوزن وشباك صيد الأسماك وكميات من الصمغ العربي    السودان.. القبض على"المتّهم المتخصص"    قوات الدفاع المدني ولاية البحر الأحمر تسيطر على حريق في الخط الناقل بأربعات – صورة    دراسة "مرعبة".. طفل من كل 8 في العالم ضحية "مواد إباحية"    الأجهزة الأمنية تكثف جهودها لكشف ملابسات العثور على جثة سوداني في الطريق الصحراوي ب قنا    ماذا بعد سدادها 8 ملايين جنيه" .. شيرين عبد الوهاب    نجل نتانياهو ينشر فيديو تهديد بانقلاب عسكري    الغرب والإنسانية المتوحشة    رسالة ..إلى أهل السودان    شركة الكهرباء تهدد مركز أمراض وغسيل الكلى في بورتسودان بقطع التيار الكهربائي بسبب تراكم الديون    من هو الأعمى؟!    اليوم العالمي للشاي.. فوائد صحية وتراث ثقافي    حكم الترحم على من اشتهر بالتشبه بالنساء وجاهر بذلك    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليلى الشايب: الصراخ في برامجنا بسبب العطش للتغيير... والمشهد الاعلامي في مرحلة مخاض
نشر في الراكوبة يوم 22 - 11 - 2012

كان لقاء مختلفا، هكذا شعرت خلال لقائي مع الإعلامية الرصينة المتميزة ليلى الشايب، وهي تطوف بين تونس ومصر وليبيا وصولا إلى فلسطين التي انشغل الشباب العربي عنها، ولو مؤقتا، لاستغراقه بهموم بلاده. الشايب متمسكة بالأمل في المستقبل وتؤكد عليه، رغم مخاوفها المشروعة على تونس وشعبها وبقيت الشعوب العربية. وإذا كانت تؤكد على أهمية النخبة الفكرية والثقافية في بناء المستقبل، فذلك لأن الاستبداد السياسي كان بلا فكر ولا ثقافة ولا إطار اجتماعي.
كيف كانت نظرتك الأخيرة للوضع الحالي في تونس؟ هل هناك فعلا انقلاب على الثورة الشعبية، رغم الانتخابات في تونس؟
* بعد الآمال العريضة التي منحتها الثورة للتونسيين، تبين بعد سنتين تقريبا من عمر الثورة أن ما يجري بعيد كل البعد عما كان يحلم به التونسيون في لحظة الثورة وحتى ما قبل الثورة. بصراحة، أنا لا أريد أن أكون متشائمة رغم صعوبة الوضع، فالوضع صعب جدا ولا يمكن أن يتخيله إنسان، ليس لدي تفسير حتى الآن لهذه الأوضاع، لكني أحافظ على الأمل، وهذا الأمل آت من إيماني بالتونسيين، من دون أن ندخل بقصائد غزل، لكن أنا لدي ثقة في التونسي.
كيف وجدت الشارع التونسي؟
*عادات التوانسة بدأت تتغير، ليس باختيارهم، بل تتغير بفعل إرادة التخويف، وانهيار الوضع الاقتصادي. دعينا نأخذ مثلا صغيرا ونقيس عليه: عندما التونسي يصل في خلال سنة إلى عدم القدرة على شراء خروف العيد، وهي حاجة عمرها لم تتغير في عادات التونسي خاصة في عيد الأضحى بالذات هذه المرة، يعني السنوات التي فاتت كلها في أسوأ أيام النظام الراحل، كان التونسي قادرا أن يوفر ويشتري الخروف، هذه السنة لم يعد يستطيع، ويأتونه بخرفان من رومانيا لحل الأزمة! ومع ذلك الكثير من التونسيين لم يستطيعوا أن يشتروا خروف العيد. خاروف العيد- على فكرة- خروف رمزي يحمل دلالات كثيرة من دلالات الفرح، مثل الاكتفاء والمشاركة. ثم يخرج شخص بفتوى يبدأ يقول للتوانسة: (إنه ليس من الضروري أن تقوموا بذبح خرفان، فالذي غير قادر ليس ضروريا أن تذبح أو تضحي خرفان)! أنا بالنسبة لي، هذا تحول جذري في الاتجاه السيئ، وأرجع مرة أخرى وأقول أتمنى أن يكون قوسا سيئا أو حلما سيئا.. ويغلق'.
طالما أنك اقتربت من الاقتصاد فدعيني أسألك، هناك قروض تقدم بعد الثورات من قبل البنك الدولي لتونس ولمصر، هل هذه القروض برأيك هي بمثابة رشاوى لمن أتوا وأوصلتهم الانتخابات للسلطة حسب ما ظهر، أم هي لإغراق البلاد بمزيد من الديون؟
* أنا حسب ما علمته أن هذه القروض كانت وعودا في مقابل توفر شروط معينة، إن لم تلتزم السلطة القائمة بهذه الشروط فهذه القروض قابلة للمراجعة. أعرف أن الاتحاد الأوروبي مثلا تعامل مع الموضوع بهذا المنطق، كان وعد ولكنه في الفترة الأخيرة شاهد أن الأوضاع غير ملائمة، وسيظهر وكأنه يشجع على سياسة معينة غير مقبولة، خاصة في مجال الحريات وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية وغير ذلك. لا أعتقد أن هذه القروض صك على بياض. أيضا أذكر أني أجريت لقاء مع السيد الباجي قائد السبسي الذي كان قد استلم الحكومة المؤقتة بعد الثورة، وكان شارك في اجتماع الثماني الكبار وقدمت له وعود كبيرة وقتها، كل العالم بارك الثورة التونسية ورأى أنها نموذج جميل يجب أن يتكرر ويحتذى به، ومن هنا جاءت الوعود بتقديم قروض وبتشجيع تونس ودعمها ودعم الاستثمار فيها. لست أدري مصير كل هذه القروض حتى الآن، فقد قيل فيها كلام كبير، حتى إن مسألة المساعدات تخضع للمزايدات وسيست إذا لم تقدم، حيث ممكن جهات معارضة مثلا تصر على أن هذه القروض لم تقدم، وقد يفسر ذلك على أن الكلام يأتي ضمن حملة دعائية ضد الحكومة. والحكومة عندما تقول العالم كله يشجعنا وتلقينا وعودا بتقديم قروض ومساعدات لتونس، أيضا قد ينظر الطرف المقابل إلى هذه التصريحات على أنها نوع من الدعاية الإيجابية للحكومة. فالموضوع فعلا غير واضح تماما، وهو خاضع للكثير من المزايدات. والثابت على الأرض أن الاوضاع الاقتصادية لا تنبئ بأن هناك شيئا يتحرك أو هناك مساعدات مهمة قدمت أو وعود معينة تم التقيد والالتزام بها. بعض الدول العربية، صراحة لأني أنا أعيش في قطر وأعلم ذلك جيدا وأتابع، نعرف أن قطر قدمت مساعدات وتم تدشين مشاريع استثمارية كبيرة في أكثر من منطقة في تونس في مجال الطاقة، وفي مجال العقارات وفي مجالات حيوية، لكن حتى الآن التونسي للأسف لم يشعر بتحسن في وضعه المعيشي والاقتصادي اليومي. الكهرباء زاد سعرها، وهناك كلام حتى عن الماء، وزير الزراعة التونسي قال إن الماء رخيص جدا في تونس، مقارنة بأسعار المياه في دول أخرى. الحليب مؤخرا زاد سعره بشكل مهول، والمحروقات زاد سعرها، تقريبا كل المواد الأساسية والحيوية في حياة الإنسان العادية زادت. وهنا التساؤل الكبير والمفجع: كيف يمكن أن نربط ذلك بثورة رفعت فيها شعارات الكرامة والحياة الكريمة والعيش الكريم والعمل والوظائف والعدالة الاجتماعية.. وغير ذلك؟ لحد الآن هو لغز كبير، أنا شخصيا لم أستطع أن أجد له أي جواب'.
هل الساحة السياسية في تونس ما تزال حبلى، وماذا سيكون المولود برأيك؟
* 'هناك مخاض عسير في تونس، وهناك كيانات سياسية تظهر للعلن وتجد لها مساحة على الخارطة السياسية وأرضية وأنصارا ومنخرطين، هذا بالنسبة لي علامة إيجابية جدا. الساحة في تونس تتسع لأكثر من طرف، وأكيد لا تتحمل الساحة السياسية الآن سيطرة حزب بعينه أو تيار بعينه، المطلوب هو وجود توازن في تونس وأعتقد أن الموجود الآن لا يمثل جميع التونسيين، فتونس فيها تقريبا أكثر من أحد عشر مليون إنسان، منهم تقريبا ثلاثة ملايين وخمسمئة ألف لم يصوتوا في الانتخابات الماضية، انتخابات أكتوبر عام 2011. الأكيد أنهم، إذا ما قدر لانتخابات أخرى أن تجري السنة المقبلة وهذا ما تقريبا تم الاتفاق عليه دون الاتفاق على تاريخ محدد، أعتقد أن الناس ستذهب وتصوت لأنهم تأكدوا أن السياسة تمس حياتهم في أدق تفاصيلها وليست نوعا من الرفاهية. هناك أكثر من كيان إلى جانب حزب النهضة، وحزب التكتل، وحزب المؤتمر.. والذين يشكلون الترويكا الحاكمة الآن. على فكرة، هناك انشقاقات كبيرة في كل من حزب التكتل وحزب المؤتمر، ظهر الآن حزب 'نداء تونس' وهو على ما أعتقد يحظى بقبول واسع وسريع الوتيرة. وهناك 'الجبهة الشعبية' و'الحزب الجمهوري'، من هنا إلى الانتخابات المقبلة وما قبل بقليل.. إلى الحملة الانتخابية التي ستنطلق قبل الانتخابات، أعتقد أن الصورة ستكون أكثر وضوحا، وموازين القوى سنرى إلى من ستميل رغم استطلاعات الرأي التي من الآن تطلع كل مرة وتقول إن التونسيين يعلقون الآمال أو يعتقدون أن هذا الحزب أكثر مصداقية من غيره، أعتقد أن الوقت ما زال مبكرا، لكن هناك حراك تونسي نحن بأشد الحاجة إليه، وأعتقد أن الانتخابات القادمة ستأتي بمفاجآت كثيرة'.
طبعا الساحة العربية مرتبطة ببعضها خاصة تونس، مصر، ليبيا. هل برأيك استقرار هذه الدول حسب الأحداث التي جرت بها ستكون أيضا مرتبطة ببعضها أم أن كل دولة مستقلة بنفسها حسب شعبها والثورة التي قامت بها حيث سيكون التنظيم أفضل؟
* 'الأمور مرتبطة ببعضها، شئنا أم أبينا على الأقل جغرافيا فهو ارتباط وثيق لا يمكن أن ينفصل، فالذي يحصل في ليبيا يؤثر بالضرورة على تونس، والذي يحدث في ليبيا يؤثر بالضرورة على مصر، والذي يحدث في مصر له تأثير على تونس. فأحيانا كان يهيأ لي عندما أتحدث عن تونس كأني أتحدث عن مصر من حيث التزامن، فتح ملفات مهمة جدا تفتح تقريبا في نفس الوقت في تونس وفي مصر. مثلا: مسألة صياغة الدستور ومسائل مهمة تتعلق بالدستور كتضمين الشريعة ضمن الدستور، ووضع المرأة في الدستور.. وأمور من هذا القبيل، نعم الأمور مرتبطة ببعضها بشكل كبير، ولا أعرف إن تم هذا من قبيل الصدفة أم هكذا شاءت الأقدار. كذلك حصلت عمليات تسلسل من ليبيا إلى تونس، وتم حجز كميات من الأسلحة وأشخاص محسوبين على تنظيم 'القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي'. وهم أيضا يحاولون أن يتسللوا عن طريق الحدود، لكن الأمن والجيش في البلدين يحاولون أن يكونوا يقظين ويحاولون أن يوقفوا هذه العمليات. المشهد واضح في جزء منه، وما زال غامضا في أجزاء أخرى. دعينا نرى.. فما زالت الصورة غير واضحة حتى الآن، فلنعطها على الأقل سنتين أخريين حتى تصبح جلية في تونس وفي مصر وليبيا أيضا'.
طبعا أنت تعلمين أوروبا في زمن الثورات دفعت الكثير، هل يتوجب علينا نحن في منطقتنا دفع الكثير كي نستقر ونحصل على الديمقراطية الحقيقة التي نتمناها كشعوب؟
* 'أنا لست موافقة تماما على هذه المقارنة لأن الزمن تغير، فنحن الآن نعيش في عصر التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي والمعلومة التي تصل في ثانية، لا أعتقد أنه من الضروري أن نمر بما مرت به أوروبا، عندنا شعوب متعلمة الآن، حتى لا أقول واعية أو مثقفة، لأن هناك فرقا كبيرا. أوروبا وقتها كانت الشعوب جاهلة، تعيش تقريبا في العصور الوسطى بكل ما تعنيه من تخلف ودموية وفوضى، أعتقد نحن لا نسير في نفس السياق التاريخي على الأقل، والمجال التكنولوجي والذهني والفكري مختلف جدا. إننا ندفع ثمنا حتى تحقق الثورة أهدافها، هذا أكيد، سندفع ثمنا.. لكن أتمنى أن لا يكون الثمن باهظا. وأعتقد أن من يحاول أن يسخر من النخبة، ومن يقلل شأن النخبة، أعتقد أنه مخطئ لأن النخبة هي بالنهاية التي ستجد المخرج في النهاية. وأستغرب مواقف من يسخرون من النخبة، لأن النخبة في العادة هي التي تقود وهي التي ترى المخارج والسبل والطرق التي يجب السير بها، أعتقد أن هذه هي النخبة المستنيرة، ليس النخب المتعالية ولم يعد لدينا نخب متعالية على كل حال، ولا يوجد فواصل أو حواجز ما بين عامة الشعب وما بين (النخب) لأني لا أوافق كثيرا على التسمية، فالتسمية والتي فيها القليل من المبالغة لم يعد هناك هذه الحواجز، فلنعول كثيرا على النخبة، وعلى الشباب.
هناك من يرجع فضل تحقيق الاستقرار ونجاح الديمقراطية في أوروبا إلى فصل الدين عن الدولة، ونحن في ثوراتنا يترسخ الدين السياسي لدينا، هل نحتاج لفترة طويلة كي نصل إلى تحقيق الديمقراطية؟ وهل برأيك فصل الدين عن الدولة ضروري لتحقيق الديمقراطية في مجتمعاتنا؟
* 'لو تسألينني عن رأيي الشخصي فأقول: نعم، من دون مواربة، ومن دون تردد، ومن دون خوف. طوال حياتي أؤمن بأن الدين لله والوطن للجميع، وأن الدين مسألة حميمية بين المخلوق وخالقه، والحكم مسألة عالمية بين الحاكم والمحكوم، هذه قناعتي الشخصية. وأنا أقول من هو مقتنع، أظن أن الأيام القادمة ستزيده قناعة بذلك. ومن هو غير مقتنع، أقول دعيه يعيش التجربة ويصل بنفسه إلى القناعة النهائية، دعيه يعيش التجربة بكل ما فيها من مساوئ وحسنات، مع أني أرى الحسنات ضئيلة جدا حتى لا أقول منعدمة تماما. على كل حال، الأيام ستجيبهم على هذا السؤال. إن الجمع بين التيارين تم تجريبه وفشل وعاد بدول وشعوب كانت مرشحة للصعود، عاد بها عقودا إلى الوراء'.
ننتقل إلى الإعلام، هل برأيك الخط الإعلامي يرتقي بمستوى المواطن، في مرافقة الثورات التي تجري في المنطقة؟
* 'أرى أن الإعلام المحلي استقطب جماهير كبيرة سواء داخل تونس أو داخل مصر أو داخل ليبيا، ولا أعلم بالنسبة للحالة اليمنية. لكن الأكيد، والذي لا يختلف عليه أحد، أن الثورات من ضمن ما أنتجته هو إعلام محلي مختلف تماما في تعاطيه وخطه التحريري وأسلوبه عما كان سائدا أيام الأنظمة المنهارة، هذا الإعلام أعاد إليه جماهير هجرته لأنها لم تكن تثق فيه، عادت إليه لأنها وجدت نفسها به الآن. لا أستطيع أن أحكم بشكل معمم على كل هذه الخطوط، أريد أن أقول شيئا متأكدة منه لأني متابعة: هناك نوع من الفوضى في هذا الإعلام، لكن هذه الفوضى مقبولة ويمكن التسامح معها، لأنها هي أيضا تتنزل ضمن هذا المخاض وسينتظم هذا الإعلام قريبا. أعتقد أنها فوضى مقبولة مثلما قلت، وممكن أن نتسامح معها، وأعتقد أن المشاهد نفسه هو الذي سيصل إلى الانتقاء فقط، وليس أكثر من هذا. الإعلام الفضائي ما زال لديه جمهوره، ومن الممكن أن نحتاج إلى دراسات جديدة، دراسات حول استطلاعات الرأي عن نسب المشاهدة والمتابعة، وعن حال الإعلام الفضائي بعد الثورات: كم نسبة المتابعة الحالية؟ ومن لا يزال يتابعه؟ ومن انضم إليه حديثا؟ ومن الذي أصابته دوخة وحالة دوران من إعلامه المحلي؟ ربما عاد إلى متابعة الإعلام الفضائي مرة أخرى، لكن المشهد الإعلامي كله في حالة مخاض. لا أستطيع أن أطلق حكما عاما، ولكنه ظاهرة صحية بالنسبة لي وسيأتي يوم وينتظم. هناك محاولات لوضع اليد على هذا الإعلام، ولا أريد أن أكشف السر لأنه هذا ما يعيشه الإعلام حاليا في تونس وكل الناس تعلم بذلك، فهناك معركة حقيقية بين الإعلام وبين السلطة في تونس. ومؤخرا قامت نقابة الصحفيين بعمل بطولي شهد له العالم وجلب للنقابة وللشرفاء من الصحفيين المنضوين تحت لواء هذه النقابة، جلب لهم احترام وتعاطف ودعم زملائهم إقليميا ودوليا، وتابعت بنفسي كيف أن زملاء في هيئات إعلامية أوروبية ودولية جاءت لتونس ووقفت وقفة مساندة مع الإعلاميين في تونس، حرب حقيقية ولكنها حرب شريفة على ما أعتقد وتستاهل وتستحق كل هذه التضحية. إضرابات جوع مثلا في دار الصباح امتدت لأكثر من شهر لافتكاك مكسب يفترض أن لا يجادل به أحد، هو حق التعبير وحرية التعبير، معناها حتى هذا الحق خاضع للنقاش لما هو ليس منحة أعطاها أحد للصحفيين. إن الصحفيين في تونس، رغم كل ما يقال عن بعضهم هم الذين اقتلعوه أو افتكوه بأيديهم منذ أيام بن علي وإلى أيام الثورة وإلى ما بعد الثورة. فأنا أستغرب وأستهجن كيف أن أي طرف يعود مرة أخرى ويحاول أن يلعب نفس لعبة من سبقه، أعتقد أنها معركة هي رابحة بالتأكيد، وستعلن نصرها قريبا'.
هناك محطات جديدة ظهرت أثناء بعد قيام الثورات العربية، كيف تنظرين إليها؟ وأنت إعلامية معروفة وتعملين في محطة مهمة، هل تشعرين بالقلق من المنافسة ومن الأجندات المطروحة في بعض هذه المحطات؟ وهل يجب تطوير برامج القنوات الفضائيات، وأن تكون أقرب إلى الجمهور وإجراء استطلاعات دورية حول برامجها؟
* 'أنا بكل الحالات أتمتع بعملي يوميا أيا كانت الظروف، يمكن في الفترة الأخيرة أحيانا أشعر أن هناك نوعا من الروتين، وأنا بطبعي أرفض الروتين والتكرار، لكن أعتقد أن هناك أحداثا معينة وملفات لا تستطيعين أن تتجاهليها، حتى ولو طالت ولم يستجد عليها أشياء طارئة وجديدة تستحق الوقوف عندها ومعالجتها. يحدث هذا، ولكن مع ذلك أنا أتكلم بشكل شخصي، أنا أتمتع بعملي وأحاول أن أدخل فيه نفس تجديد في كل الحالات، وتحت أي ظرف، وتحت أي ضغط. من ناحية ظهور قنوات جديدة، أعتقد أن 'الجزيرة' طوال عمرها كان يطرح عليها هذا السؤال على مدى ستة عشر عاما أو سبعة عشر عاما، منذ بداية الجزيرة كان دوما كل سنتين أو ثلاث تظهر قناة جديدة ويطرح علينا نفس السؤال: هل تخشون من المنافسة؟ أنا أعتقد أن الجزيرة خطت لنفسها خطا، وليس هذا فقط بل دفعت بالأمور إلى سقف يصعب على أي وسيلة إعلام جديدة أن تتجاوزه، وهذا هو الوضع. تبقى ضرورة القيام بعملية استطلاع للرأي، واستبيان لنسبة المشاهدة. أعتقد أننا نحن بحاجة لذلك، لأن المشهد فعلا تغير بفعل ظهور إعلام محلي جديد، مختلف تماما، يستقطب جماهير كبيرة عادت إليه ووجدت نفسها فيه. ونحن في الجزيرة واعون لذلك، وأعتقد أن لدى الإدارة تصورا للتجديد، وثانيا لإعادة استقطاب وجذب الجمهور مرة أخرى، ليس بمعنى أن نحاول أن نكرهه بإعلامه المحلي.. لا، أو أن نعمل إعلاما موازيا.. لا، بل أن نقدم شيئا مختلفا أيضا يجد نفسه فيه، لكن من زوايا أخرى لا يتطرق إليها الإعلام المحلي حاليا. هذا كله وارد، على ما أعتقد، وفي مخطط إدارة الجزيرة، ونحن على أبواب احتفال قناة الجزيرة بعيدها السادس عشر، وسيتبين وسينشر الكثير من الأمور، وخارطة طريق للفترة المقبلة إن شاء الله'.
هل تشعرين أن الإعلام خطفك من مشروع خاص حلمت به، وما هو ذاك المشروع الذي لم تحققه ليلى الشايب؟
* 'هذا السؤال في الصميم، اختطفني الإعلام بإرادتي، وأنا نفسي أسأل نفسي هذا السؤال يوميا تقريبا، ولكن هو اختطفني ولكنه أضاف لي كثيرا، وتعلمت منه كثيرا في فترة وجيزة. أنا أحيانا أكرر هذه العبارة في كل لقاءاتي لأني أؤمن بها وليس لمجرد التكرار. إن الذي تعلمته في الجزيرة ومحيط الجزيرة، لأن الجزيرة عالم كامل، يمكن لو كنت خارجها يلزمني مثلا خمس وعشرون سنة كي أتعلمه. الجزيرة اختصرت علي الوقت وتعلمته في فترة وجيزة، يعني مهنيا وسياسيا وإنسانيا. هذه الفترة، لا أقول أني أضعها بين قوسين، ولكنها محطة لا بد من المرور بها، وهناك شيء آخر أتمنى أن أستطيع أن أنجزه. فأنا أفكر في الكتابة، ليس فقط كتابة مقالات بل أن أؤلف كتابا على الأقل في البداية، وبعد قليل ربما أكتب في المجال الفني والثقافي لأنه رئتي الثانية. أيضا أحاول أن أواكب، قدر الإمكان، أشياء أخرى، أحيانا أقول كم حجم الأشياء التي لا أستطيع إنجازها ومتابعتها ومواكبتها الآن، وأقول إنها مؤجلة إلى بعد حين، ولكن أقول: هذا ال 'بعد حين' كم سيتحمل أيضا؟ أتمنى أن أحافظ على الصحة والذاكرة والإقبال على الحياة حتى أنجز ما في بالي، هناك أشياء يأتي وقتها وأتكلم عنها، أشياء جديدة ومختلفة تماما ولا تخطر على بال'.
هل نجحت برأيك المؤسسات الإعلامية بطرح البرنامج الخاص بالحوار؟ أم أن الحوار الإعلامي فشل وغدا نوعا من الردح والصياح، ألا يحتاج برنامج الحوار إلى إعادة نظر لتقديمه بطريقة لبقة ومهذبة تليق بمجتمعات الواحد والعشرين، وأنت تعلمين ماذا أقصد بالحوار؟
* 'أعتقد أنه نستطيع أن نعمم، فأحيانا نتابع على قنوات عربية أخرى حوارات من أجمل ما يمكن أن يتابعه إنسان، رغم سخونة الموضوع وحساسيته، ممكن أن تشاهدي حوارا هادئا وعميقا ومتحفزا من دون بذاءة، تشعرين بالقوة في الطرح والقوة بالإجابة، لكن دون النزول إلى مستوى معين. هذا موجود، وأعتقد أن لديه جمهوره وناسه التي تحترمه وتقدره، والبرامج الأخرى التي أشرت إليها نرى أن لها جمهورها أيضا، فهناك أشخاص يحبون ما أسميته بالردح والصياح وتبادل الشتائم والاتهامات، وحتى التهديد باستخدام العنف الجسدي فضلا عن العنف اللفظي، هذا موجود وذاك موجود. وأعود وأقول أنا أؤمن بحرية الاختيار، فالذي لا يحب أن يشاهد برنامجا معينا بإمكانه ذلك، وكل ما عليه هو أن يغير المحطة. لكن الأكيد أيضا أن الناس في العالم العربي، على الأقل، وصلت إلى مرحلة من الإنهاك والتعب الذهني والجسدي والحيرة والانشغال اليومي على حياتهم وعلى مستقبلهم ومستقبل أولادهم لدرجة لم يعودوا يتحملون مزيدا من الضغط عبر مشاهدة نوعية معينة من البرامج. نرجع ونقول إنها مسألة اختيار. ولكن الإعلام في جزء منه ليس فقط إخباري، بل له أيضا هدف تهذيبي يعلم. نعم، أعتقد أنه مطلوب منا أن نرتقي بمستوى الجمهور في النقاش، نحن داخلون على مرحلة من حرية التعبير، إن تساهلنا وتسامحنا بسبب العطش الشديد للتعبير، لا بأس.. دعي الناس تصرخ على بعض في المرحلة الأولى، فهذا بسبب الحرمان الذي امتد على عقود وسنتفهم هذا في المرحلة الأولى، ولكن لن نتفهمه إذا استمر، وإلا سنكون مشاركين به. نعم، مطلوب منا أن نعلم الناس كيف تتحاور بشكل مهذب وأن تتقبل الرأي المختلف، تتقبله ليس معناه أن تنبطح أمامه، بل تتقبله بمعنى أن تسمعه وترد عليه بالحجة والدليل والبرهان، وليس بالصراخ والبذاءة والشتم'.
أين التقارب الفكري والثقافي والإعلامي من منظور التوازن في برامجنا؟ أين الإعلام من الفكر والثقافة؟
* 'المرحلة هي مرحلة الأخبار، أعتقد أن الفكر مؤجل إلى حين، دعينا نحكي عن الجزيرة فلنأخذها كمثال: في السنوات الماضية كلها كان لدينا برامج ثقافية، وسبح المشاهد في عوالم جميلة سواء فكريا أو جغرافيا أو ثقافيا، أعتقد أن المرحلة الآن تطلبت الوقوف عند تقديم الخبر، هو الأولية. هذا انطباعي أنا شخصيا، والبرامج الثقافية والفكرية قد تعود في المرحلة الآتية عندما تهدأ الأمور في وطننا، وهذا ما نتمناه جميعا. سأعطيك مثالا آخر: في تونس كان هناك إعلام نظام بن علي، بالرغم من كل سوئه ونفاقه. كان هناك مساحة للبرامج الثقافية والفكرية، وهذه هي التي كانت تصنع الفرق، يعني كانت مثل النقطة البيضاء في الثوب الأسود، وليس العكس. الآن ورغم الانفتاح، ورغم مساحات الحرية الواسعة التي اكتسبها الإعلام في تونس، تقريبا ليس هناك وجود للبرامج الفكرية إلا ما ندر- مع أني لا أعرف عدد القنوات الآن في تونس، فهناك قنوات كثيرة- لكن القنوات الأكثر مشاهدة الآن في تونس لا يوجد بها تقريبا إلا بنسبة واحد فاصلة كذا بالمئة برامج فكرية وثقافية، لأن المرحلة هي التي اقتضت ذلك وجعلت من المعلومة والحوار السياسي، والجدال السياسي والجدل السياسي، حتى لا أقول السفسطة، هي الأولوية الآن. الرؤية ضبابية جدا الآن، وأعتقد أنه علينا مرة أخرى أن نعود ونقول: الأمور لم تستقر بعد، ولا أحب أن أقول إن الحوارات الثقافية هي نوع من الرفاهية، أعتقد الرفاهية ليس وقتها الآن. الآن هناك أمور أخرى هي التي يجب أن تحل وتتوضح، وعندما تضع الحرب أوزارها، الحرب السياسية والحرب الإيديولوجية والعقائدية عندما تحل، يكون لدى الناس الشغف وسعة الصدر والوقت حتى يتابعوا الجدالات الفكرية والثقافية'.
نحن لدينا قضية أساسية تهم المنطقة العربية ككل والتي تقوم عليها الخلافات هي قضية فلسطين، هل برأيك شباب الثورات نسوا أو تناسوا فلسطين، حتى في الإعلام نجد أن أخبار فلسطين غدت تمر كالطيف؟ كيف تنظرين لقضية فلسطين ضمن ما يجري في المنطقة؟
* 'لا أعتقد أن قضية فلسطين غابت عن لائحة الأخبار، وأنا البارحة كنت أقدم نشرة الأخبار وعلى ما أعتقد تحدثت مرتين حول الشأن الفلسطيني. هذه القضية لم تغب لكن ممكن تراجعت قليلا، لأنه ليس هناك مستجدات. وعندما نحكي نتكلم عن الانقسام الفلسطيني، وعن المستوطنات، وعن إطلاق صواريخ من غزة، يعني لا يوجد تغيير دراماتيكي في الشأن الفلسطيني. الذي يجعلنا نغير العناوين الرئيسية ونضع العنوان الفلسطيني هو الأول أو أن نفتح له الهواء بشكل مستمر ومتواصل، كما كنا نفعل في السنوات الأخيرة، فهو مسألة تحريرية ليس به جديد. لكن أنا نفسي أتساءل وأضحك كثيرا وأقول إن من بركة الثورات كل واحد اهتم بنفسه، هذا هو الإنسان بصراحة. وأعتقد أن الناس في الدول العربية مشغولون بهمهم الداخلي، لكن في قرارة أنفسهم القضية الفلسطينية تعيش في داخلهم، ويكفي أن تضغطي زرا كي تعود الحالة الفلسطينية والتلبس بالهم الفلسطيني ويظهر في أوجه. لكن أعتقد أن الشعوب غارقة في نوع من الفوضى وعدم الرؤية والحيرة بشأن مستقبلهم. لكن الآن على صفحة الفيس بوك الخاصة بي الناس يرسلون لي مثلا ذكرى صبرا وشاتيلا وصورة محمد الدرة. أعتقد أنها مرحلة ظرفية، ومثلما قلت لك أنا أقرؤها تحريرا، لكن ليس هناك شيء جديد يستحق، لكن فلسطين موجودة كل يوم في الأخبار'.
السؤال حول حضور فلسطين في الثورات العربية وليس في الإعلام فقط وحول التطبيع وموقف الشعب التونسي منه؟
* 'مثلا في مصر الرئيس محمد مرسي تقدم وأعطى الشأن الفلسطيني حيزا كبيرا من برنامجه ودفع في اتجاه رفع الحصار عن غزة، وأنا نفسي على الأقل قدمت حلقتين من أحد البرامج بهذا الخصوص، تحقق ذلك أم لم يتحقق لكنه موجود. أنا في تونس مؤخرا خلال هذين اليومين اللذين فاتا كان هناك جدل كبير حول تضمين مادة تجرم التطبيع مع إسرائيل في الدستور، وكان الرأي أعتقد- يميل إلى عدم تجريم التطبيع، وما زال الموضوع لم يحسم بعد، وأثار جدلا واسعا لم ينته بعد. المفروض مثلا، الناس في تونس منطقيا يقولون فلنعش نحن أولوياتنا، نحن الآن مشغولون بهمومنا ومشاكلنا، لكن مع ذلك انظري كم هي الناس بالنسبة لهم المسائل مبدئية لتناقش حتى في عز معاناتهم وعز مأساتهم وعز أزماتهم وآلامهم. مثلا رأينا مؤخرا مساعدة قطر لغزة والتي لم تكن ربما ممكنة قبل هذا، لو لم يحصل شيء في المنطقة في مصر على وجه التحديد، أظن أنه من المبكر أن نحكم الآن على الحيز والأهمية التي تنزل بها القضية الفلسطينية في برامج الحكومات التي استلمت بعد الثورات، وأعتقد أنه شاءت أم أبت ستكون بمثابة المحرار والمقياس الذي يقاس به مصداقيتهم وصدق نواياهم ووأقوالهم ووعودهم قبل استلام السلطة خاصة أنهم ينتمون إلى تيارات إيديولوجية معينة. أجد أنه من الصعوبة وبعيد عن التصور، كيف يمكن أن يحيدوا أو يتناقضوا مع أنفسهم أو يظهروا أنه كان مجرد كلام معسول ومجرد وعود انتخابية لا أكثر ولا أقل. أيضا المرحلة بالفعل حافلة بالكثير من الملفات التي من الصعب الحسم فيها الآن حتى بمجرد الرأي، فما بالك بالإنجاز؟ أعتقد أنه يجب أن نعطي أنفسنا فسحة من الوقت، سنة، سنتين، ونحكم بعدها على من في السلطة وعلى الشعوب أيضا'.
هل العالم يريد فعلا ديمقراطية لشعوبنا واستقرارا لمنطقتنا؟
* 'أنا ليس لي رد على سؤالك هذا، لكن صرت أثور وأشعر بالاستفزاز عندما يقال لي هل العالم يريد لنا؟ لماذا نحن ندع أنفسنا دوما تحت العالم؟ والعالم هو الذي يريد لنا أو لا يريد لنا، لماذا؟ هل نحن شعوب قاصرة؟ هل نحن شعوب ننتظر الآخرين كي يقرروا مكاننا أو يقررون لنا ويحبون لنا هذا ولا يحبون لنا ذاك؟ أنا الذي متاكدة منه أنه في عالم السياسة والمصالح، النفاق والأنانية يصل لدرجة مخيفة ولا يمكن تخيلها، لذلك لا يجب أن نكون بسيطين وساذجين لدرجة أن نقول إن أميركا تريد لنا والغرب يريد لنا. هذا ما يريدون لأنفسهم وأنا لا ألومهم، فمن حقهم أن يفكروا بمصالحهم وبأمنهم وبرفاهية شعوبهم. الذي أنا أريده أن علينا نحن أيضا أن نفكر بذات الطريقة، أن نريد لأنفسنا ولنقرر لأنفسنا ولنخطط لأنفسنا، ولا ننتظر الآخرين. لقد استعمروا المنطقة لسنوات، وأخذوا كل ما يريدون وجهلوا الشعوب، هذا يكفي! إذن، ما معنى الاستقلال إذا بعد ستين سنة من الاستقلال، بلد مثل تونس يقولون: هل يريد لنا الغرب؟ حتى مسألة الشراكة أنا لا أؤمن بها كثيرا، هي مفروضة ولا مفر منها. ولكن إذا دخلنا فيها طرفا، يجب أن نكون طرفا يتعامل بندية، طرفا يعرف هو أيضا أن يحسب المصالح وينظر للأمور بشكل واضح وجلي، ويدافع عن مصالح الشعوب بنفس القوة التي تدافع بها أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها عن مصالح شعوبهم. أنا اعتقد أنه آن الآوان أن نطلق هذا المنطق نهائيا: يريدون لنا ولا يريدون لنا. سمعت كذا مرة: آه.. نعم، تذكرون أوباما عندما ذهب إلى مصر وألقى خطابه الشهير في جامعة القاهرة وقال (نعم، نعم ستأتيكم الديمقراطية وستنعمون بها)، ما هذا؟ هل هي طبق طائر.. سيرسلونها لنا؟ الديمقراطية، لا أعتقد أنها تهدى أو تمنح، الديمقراطية هي مثل الثورات نحن نصنعها، وإن كان هناك ثمن يجب أن يدفع فسندفعه، ثم في مرحلة لاحقة نتمتع بثمار الديمقراطية وحسنات وجنة الديمقراطية، أتمنى أن نصل إلى تلك المرحلة لكن الحاصل الآن أبعد ما يكون عن هذا'.
هل الربيع العربي انتشل الخوف الذي تجذر فينا على مدى السنين، وسنستمر إلى أن نحقق ما نريد من الحرية والديمقراطية؟
* 'نعم، انتزع من نفوس الناس والمواطنين، فالخوف في فترة أصبح طبعا مركبا. نعم، انتزع من الشخصية العربية، هذا صحيح، ولكن هناك من يريد أن يعيده مرة أخرى ولحسابات سياسية. وأنا هنا أريد أن أطلق صيحة فزع وأدق جرس الإنذار: إن عبارة (لا خوف بعد اليوم) تصبح (لا خوف بعد اليوم وإلى الأبد) وأن من يحاول فلييأس من الآن. هناك محاولة لإعادة زرع الخوف، وهذا يحزنني كثيرا لأنه لولا ذلك الخوف الذي انتزع، لما جاء من يحكم الآن. للأسف الذي يحكم الآن أو من جاوره هو الذي يحاول أن يعيد هذا الخوف. أنا أقول: لا، ثم لا، ثم لا! لن يعود هذا الخوف ولن ينجح من يسعى لإعادة الخوف إلى نفوس الناس، انتهى الموضوع ولا عودة إلى ذلك'.
هل من كلمة أخيرة لديك؟
* 'أرى تونس.. كم كانت تونس واعدة جدا في الأيام الأولى والشهر الأول من الثورة! لست مصدقة الآن، كيف يمكن أن تنقلب الأمور بهذا الشكل؟ تونس حزينة جدا وكئيبة جدا، وفيها حالة من الخوف وليس الاستسلام، ليست تونس التي أعرفها أبدا أو التي كان يحلم بها الكثيرون مثلي. أنا أحب أن أزرع الأمل في قلوب الناس، وليس العكس. إن كمية الدم الذي يراد له أن يراق وأن يلفظ، هؤلاء الذين أتوا بأديولوجية العنف والقتل وتصفية الذين يختلفون عنهم ولا يشبهونهم، أنا أتوقع أن الناس هي التي ستثور ضدهم، فالحكومة لن تثور ضدهم، فالحكومة الآن يناسبها أن تستخدمهم كالذراع الأمنية التي تخوف بها الناس كي تجعلهم يسيرون على السراط المستقيم ويخافون. أنا أتوقع من الأغلبية والتي تبدو صامتة الآن، وصمتها فيه ألف مدلول، أنها هي التي ستلفظ وترفض هؤلاء، وهي التي ستخرجهم في النهاية. كما أن الحكومة التي تعجز أو تتعمد أن لا توفر الأمن للمواطنين والأبرياء، لا شرعية لها!'
القدس العربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.