أعلن رئيس لجنة التشريع والعدل بالمجلس الوطني، الفاضل الحاج سليمان، إحالة تقرير المراجع العام الخاص باستغلال النفوذ لوزارة العدل لإجراء التحقيقات وإحالة المتورطين في ملف استغلال النفوذ للاستيلاء على المال العام وللقضاء. وإن لجنته أوصت بأن تحال أية قضية لاستغلال النفوذ مباشرةً لوزارة العدل لإتخاذ الإجراءات القانونية. وأكد أن كل القضايا المتعلقة بالإعتداء على المال العام واستغلال النفوذ ذهبت الآن لوزارة العدل، بما في ذلك الشخصيات أو لمصلحة معارف أو أقارب. وإن اللجنة تتابع بصورة لصيقة مع وزارة العدل. وستطلب تقريراً شاملاً من الوزارة بشأن ما تم في تقرير المراجع العام الذي أحيل لها بذات الخصوص. بجانب الوقوف على مدى التطور الذي تم للحد من جرائم الإعتداء على المال العام واستغلال النفوذ. وإن لجنته شكلت لجاناً فرعية لدراسة تقارير المراجع العام فيما يلي جرائم الإعتداء على المال العام والمدينة الرياضية وشراء السلع والخدمات والتخلص من الفائض بجانب تصفية وخصخصة الشركات والتصرف في مرافق القطاع العام. (راجع صحيفة الصحافة عدد 18 فبراير 2013). هذه خطوة ايجابية من اللجنة وستجد منا كل الدعم والاهتمام بمتابعة تنفيذها ونأمل أن تواصل اللجنة موقفها الشجاع لتعرية كل من إمتدت يده للمال العام مهما كان منصبه في الدولة، لأن الإعتداء على المال العام يعتبر أحد الجرائم البشعة لأنها تمس قوت الشعب وتبدد وتهدر ما بذل من كدٍّ وكدحٍ وعرق لتوفر أيضاً الفوائض التي اسهمت في التنمية الزراعية والصناعية وتطوير الخدمات. ولهذا فهي في الواقع الذي نعيشه اسهمت إسهاماً اجرامياً بكل ما تحمل هذه الكلمة من معانٍ وأبعادٍ في تدمير ما بُني منذ قرون من مرافق عامة مثل: مشروع الجزيرة والسكة حديد والنقل الجوي والبري والنهري والأشغال العامة ومصانع السكر والمستشفيات وحتى مرافق التعليم. قبل الدخول في مناقشة الكيفية التي حدث بها ذلك وقبل كشف حجم الدمار الذي حدث منذ الاستيلاء القسري بقوة السلاح على السلطة، هنالك أسئلة مشروعة نقدمها للجنة للإجابة عليها وهي التي ستحدد جدية ومصداقية السير في هذا الطريق الوعر الذي اختطته لنفسها وهي:- أولاً: لماذا لا يقدم المعتدون على المال العام إلى المحاكم مباشرة كما هي العادة بالنسبة لكل المواطنين بنص القانون، وما هو الهدف من رفعها لوزارة العدل؟! ثانياً: - هل ستدرس اللجان التي شكلتها لجنة التشريع والعدل بالمجلس الوطني كافة تقارير المراجع العام التي تحتوي على معظم الجرائم الخاصة بشراء السلع ومؤسسات الخدمات والتخلص من الفائض بجانب تصفية وخصخصة الشركات والتصرف في مرافق القطاع العام ؟! وهل ستنشر نتائج هذه الدراسات على الشعب ليسند ظهر اللجنة التي ستواجه عقبات الجبال الشوامخ؟! فالقضية في هذا الجانب المتعلقة بتصفية وخصخصة الشركات والتصرف في القطاع العام، تمس مباشرة ما تقدم وما هو راهن، بل ومستقبلي في السياسة الاقتصادية للنظام التي دمرته وأوصلته حد الانهيار؟ ثالثاً: - هل سيحاسب كل من أمر بتصفية وخصخصة مؤسسات القطاع أو أسهم في التصرف فيها؟ من البداية نقول أن هذا مستحيل، لأن اللجنة العليا التي كلفت بالتصرف في مرافق القطاع العام وفق المرسوم الدستوري الثالث لعام 1989 المجاز من مجلس قيادة الانقاذ الوطني في 6/8/1990 يترأسها وزير المالية والتخطيط الاقتصادي ووزير العدل والنائب العام عضوان فيها. وهذا ما جعلنا نستفسر منذ البداية ، لماذا تحال جرائم الإعتداء على المال العام لوزارة العدل ولا تقدم مباشرة للمحاكم. وكيف سيتم التعامل مع مجلس قيادة ثورة الانقاذ الوطني الذي أمر بالتصرف في مرافق القطاع العام بالمرسوم الدستوري الثالث في 6/8/1990 هذا المرسوم الذي دمر كل ما بناه شعب السودان عبر السنوات الطويلة من مشاريع صناعية وزراعية وخدمية. لكي نقترب من حقائق الواقع ونضع القراء في حقيقة الجرائم التي ارتكبت عبر تصفية وخصخصة مؤسسات القطاع العام، نستعرض في سلسلة المقالات هذه الحقائق الواردة في تقارير المراجع العام. وبدأ بأول تقرير أصداره في 6 أغسطس 1990 وحتى 31 مايو 1994 حددت المادة 4(أ) من قانون التصرف ثلاثة طرق للكيفية التي يتم بها التصرف وهي:- أ-البيع لأطراف غير الدولة ب- إشراك أطراف من غير الدولة بأي صورة من صور المشاركة. ج- التصفية النهائية. لقد حدثت مفارقات جمة عند التنفيذ العملي في العديد من المؤسسات التي تمت خصخصتها. ونأخذ على سبيل المثال لا الحصر ما حدث بالنسبة لمدبغة النيل الأبيض فرغم “الملاواة" التي حدثت لفترة تقارب الأربعة سنوات من منتصف العام 1992 وحتى العام 1994 إلا أن النتيجة كانت خسارة فادحة للدولة. فقد جاء في تقرير المراجع العام أنه يلاحظ الفرق الكبير بين التقييم الذي تم بواسطة مركز البحوث والاستفسارات الصناعية وبين القيمة التي تم بها البيع. فقد بلغ تقييم المبلغ المفترض أن تباع به المدبغة(8.6) مليون دولار، إضافة إلى(101.8) مليون جنيها قيمة الأرض. بينما بلغت القيمة المباع بها (4) ملايين دولار و120 مليون جنيهاً سوداني. ويلاحظ المراجع العام أن تسويفاً واضحاً قد حدث في الإلتزام بسداد الأقساط المستحقة في مواعيدها. كما أن الشرط الجزائي الذي يرتب فسخ العقد ومصادرة الأقساط واسترداد محل البيع عند الفشل في سداد أي قسط لا يوجد ، والدليل على ذلك أن اللجنة لم تتمكن من إكمال الشرط عند فشل المشترين في سداد أقساط المدبغة واتجهت بدلاً من ذلك إلى وضع يدها على إنتاج المدبغة. هذا يعني أن خزينة الدولة فقدت(4.6 )مليون دولار في مؤسسة واحدة. ولا أحد يعلم أين ذهب هذا المبلغ، ومن المسؤول عن التنازل عن هذا المبلغ؟ ولمصلحة من؟ هذا مثال واحد من مئات الأمثلة التي سنطرقها ونضعها كحقائق أمام لجنة التشريع والعدل بالمجلس الوطني إسهاماً منا في تمكين المواطنين من متابعة هذه القضية الحاسمة في الاقتصاد السوداني، وليكون الشعب رقيباً على ما قطعته اللجنة على نفسها بأنها متابعة لصيقة، ونكشف كل من إمتدت يده للإعتداء على المال العام مهما كان منصبه في الدولة. الميدان