الدين ليس مجرد علاقة بين العبد وربّه ، وإنّما هو علاقة بين العبد وأخيه العبد ، ولن تقبل أعماله وعباداته إلاّ إذا تمّت علاقته مع أخيه الإنسان . عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) : ( إنّ أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً ( وفي الخبر ذكرت امرأة عند الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) وأحسن الثناء عليها من جهة صيامها وقيامها ، فقال الرسول ( صلى الله عليه وآله ) : ( كيف تعاملها مع جيرانها ؟ ) قيل : هي امرأة تسب وتشتم ! فقال ( صلى الله عليه وآله ) : (لا حاجة لله في قيامها وصيامها ( يقول الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( من أراد أن يعلم أقبلت صلاته أم لم تقبل ، فلينظر هل منعته عن الفحشاء والمنكر ، فبقدر ما تمنعه تقبل منه) . وقال الرسول (ص) : (الدين المعاملة) ، وقال أيضا :( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) ، أي أن شرط الاسلام هو عدم ايذاء المسلمين باليد واللسان ،حرام قتلهم وضربهم وتعذيبهم ، واساءتهم وشتمهم واغتيابهم والنميمة فيهم والتجسس عليهم ، وفتنتهم والكذب عليهم ، جميع هذه المقاييس يعرف بها المسلم ،والا فانه خارج دائرة الاسلام الى أن يتوب ويؤوب . وقال الرسول (ص) : (ليس منا من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم ) ، ما يشير الى مسئولية المسلم عن بقية المسلمين وأن عليه اطعامهم من ماله الخاص ، وان لم يفعل فهو خارج دائرة الاسلام. والاحاديث النبوية والآيات في هذا الصدد لا حصر لها ، وقد كتب رجال الدين والفقهاء الاف الكتب في المسائل الاخلاقية والمعاملات الاسلامية الصحيحة لدرايتهم بأهمية التحلي بالأخلاق الكريمة، فالقضية الهامة في المجتمع هي "الثقة والمصداقية"، وعند فقدانها تزول كافة القيم الأخرى في المجتمع. ذكرت ما ذكرت قبل الخوض في الموضوع الاساسي من باب التذكرة فقط ، فكل مسلم ملم بأساسيات الاسلام ويفهمه بالضرورة، يعلم اهمية التحلي بمكارم الاخلاق من لدن الصدق في الحديث والوفاء بالعهد ، والامانة ، والشجاعة والمروءة والعطف والرحمة ...الخ فإن سألت بعدئذ : كم من هذه الصفات يتحلى بها الكيزان ؟ الاجابة صفر كبير بالطبع! بعد هذه السنوات الطوال والعمر المديد لهم على كرسي السلطة ، عرفهم الناس وفهموهم تمام الفهم ، وسقطت اقتنعتهم جميعا وبانت سوءتهم للعيان . ليس هناك في البرية من هو أسوأ خلقا من هذه الفئة الضالة المضلة ، إنك ان تعاملت مع أي فرد منهم سواء كان صغيرا أو كبيرا ، تجد نفسك ازاء نموذج لكائن – لا امنحهم صفة انسان فهم لا يستحقونها- هو تجسيد للخسة والنفاق والغدر والقسوة وانعدام الحياء والانانية المفرطة والكبر والخيلاء، أي بأختصار هو مجمع لكل الرذائل والصفات الذميمة. كل كوز لديه الغاية تبرر الوسيلة ، وياليت الغاية هي غاية سامية نبيلة ، الغاية في عقيدتهم هي مصالحهم الدنيوية الدنيئة وبقاء نظامهم الذي يضمنها لهم ويصونها . فهذا التنظيم لا هدف له ولا رؤية بل هدفه هو الحكم ،استبقاءا للمصالح الدنيوية لأعضاء عصابته . الكوز شخص لديه الاستعداد لفعل كل شيء يتماشى مع منفعته ، ويدوس على كل شيء يعارضها ، فدينه وغايته هو منفعته الدنيوية . ربما سئل سائل : كيف ذلك وهم يصلون ويصومون ويحجون ويقيمون الدين . والرد أن كل هذه الامور الظاهرية هي في الواقع أفعال وعبادات يأتونها لكي يكسبوا ثقة الناس ويضللونهم ، مثلما يفعل المشعوذون ظاهرا ، فالمشعوذون يحملون المسابح ويصلون ويقيمون الليل لكي تلتبس الامور على من يريد تصنيفهم ، لكنهم في الاصل سحرة يسايرون الشيطان وله يعبدون ،وغايتهم هي الدنيا واموال السذج والمغفلين. فلولا هذه الامور الظاهرية لن يحترمهم أو يقربهم أحد. كيف يستقيم أن يصلي شخص ويكذب ويغش ، وكيف يصوم ويقتل النفوس ويسرق اموال الناس ويظلمهم ويستعبدهم ويرهبهم، وكيف يتسنى لشخص يحج البيت ، فينافق وينقض العهد ويتنصل من الوعد. شخص يأتي الموبقات ويتظاهر بالتدين . من يصدق أن الكيزان متدينين إما متخلف عقليا ، أو مجنونا فاقدا لعقله ! إن من ينتمي لتنظيم جماعة الشياطين حقيقة لابد له من ان يتطبع بطباع اهله لكي يترقى ويتدرج في الوظائف وفي التنظيم ، عليه أن يجيد الكذب والغش والنفاق و أن يعتبر كل من يعارض تنظيمه المأفون هو عدو حلال الكذب عليه وغشه وإيذاءه بل وقتله لو لزم الامر . بهذه الاساليب ومع مرور الزمن وعى الناس أمر هذه الجماعة ،لذا أصبح الان من الصعب أن يفتح انسان قلبه لإنسان في مجتمعنا الذي تمزق وتفكك ، انعدمت الثقة بين الناس لتحل محلها الشكوك والظنون والعداء والحقد بسبب هذه الجماعة الشيطانية . كان المجتمع السوداني من قبلهم مجتمعا مترابطا ، متحابا يستشعر المرء فيه أن كل فرد من أفراده هو له أخ وصديق ، بإمكانه أن يبوح له بمكنون قلبه حتى وإن تقابل معه عرضا في مكان عام لأول مرة ، فالسوادني من قبلهم كان ينطق بالصدق ،مظهره يطابق جوهره ، لكن مع تمكن هذه الجماعة المضلة وأفاعيلها تغير كل شيء ، فحل الكذب مكان الصدق والجبن مكان المروءة والنفاق مكان المصداقية والغدر مكان الوفاء ، فتشتت الناس وأصبحوا (قطيطين) يصعب فهمهم . فلكي يسلموا من شرهم المستطير عليهم أن يكونوا كذلك ،فكم من الضحايا منحوا ثقتهم لأعضاء هذا التنظيم فاوردوهم موارد الهلاك . فهم ان لم يقتلوا من يعارضهم قتلا صريحا ،قتلوه بأساليب المخابرات كأن يدبروا له حادثا مروريا ، أو بواسطة سم بطيء المفعول أو أصابوه بعدوى قاتلة ، هذا فيما يخص القتل ، فإن كانت عقوبته أخف ضيقوا عليه الخناق في رزقه ، وتتبعوه وحاصروه وحرموه من أن يحيا حياة كريمة يرتضيها الرب سبحانه وتعالى. مع الزمن وعى الناس أساليبهم ،لذا اصبح الناس يتشككون في كل شيء. وليس هنالك هدم وتدمير للمجتمع اشد من فقدان الثقة بين أفراده . حينما تزول الثقة تنتشر البغضاء وتكثر الجرائم وكل فرد يقول نفسي نفسي ، فتنعدم المروءة والشهامة والتراحم ، فترى الناس تحسبهم جمع وقلوبهم شتى ، فيتمكن منهم كل عدو طامع فيهم ويسهل عليه القضاء عليهم لانتفاء التضحية بينهم ،ففي المجتمع المتفكك لن يبادر شخص بالتضحية بنفسه من أجل آخرين لا يتعاملون معه بحب وتقدير وانسانية ، فمن أجل من سيضحي بنفسه . كذلك فأغلب الكيزان متنكرين عديمي المروءة والوفاء ، أسألوا صلاح قوش وغيره ممن تم اخراجهم من السلطة كالشيخ حسن الترابي أو حتى صغار المتنفذين الذين خرجوا لسبب او آخر وباتوا بعيدين عن المال والسلطة . ما من أحد يفقد منصبه الا وتنكروا له وفروا عنه كما يفر السليم من الاجرب ، باستثناء قلة من الاوفياء لا يعتد بهم . فالغالبية في تنظيمهم يتصفون بالتنكر ويقدمون مصالحهم وسلامتهم على كل شيء ، وهنالك أمثلة لأشخاص كانوا يتباكون بالدمع حينما يرون شيخهم الترابي ، وحينما تمت الاطاحة به في المفاصلة الشهيرة كانوا هم أول المنتقدين له المتبرئين منه! وكم من الامثلة لا أرغب في ذكرها خشية الاطالة كلها تبين أن مجتمع الكيزان مجتمع كونته المنافع الدنيوية ، لا قيم جوهرية تربط أعضائه ، والاسلاميون الحقيقيون علموا ذلك باكرا وغادروا مجتمعهم المهترئ وصاروا ينتقدونه من أمثال سيف الدولة ،ودكتور الطيب زين العابدين والتجاني عبد القادر وغيرهم من الاسلاميين الصادقين الذين لا نملك أن نحترمهم حتى وإن اختلفنا معهم فكريا، فهم سودانيون أصلاء بصفاتهم لم يمسخهم زخرف الغرور ويسقطهم لدرك السافلين. خلاصة القول أن أسوأ ما تفعله الانظمة الديكتاتورية والشمولية بشعوبها هو ضرب الثقة ونشر الفرقة ، فالأساليب الامنية من تجسس وتتبع واستدراج في الحديث ، وما يتبعها من تنكيل بالمعارضين وايذاء. يجعل الناس لا يثقون في بعضهم البعض فينهار المجتمع ،هذا بالطبع الى جانب التفاوت الطبقي الذي تفرزه جراء الاغداق على الموالين والاتباع وحرمان العامة والمعارضين مما يخلق الحسد والغيرة ويخرب النفوس. مجتمع يتمكن الكيزان منه سيدعو ثبورا ويصلى في خاتمته سعيرا ، فأهل الاسلام السياسي المنفعي متعفني الفكر هم أكبر ابتلاءات الدنيا واعظم فتنة في الدين ، ومن ينجو من أحابيلهم وضلالهم هو الفائز في دنياه وأخراه . [email protected]