من أكبر آفات الممارسة الديمقراطية في دول العالم (التالف) المسمى بالثالث أن الصوت الانتخابي سلعة تباع وتشترى ولها سماسرة كأي سلعة في السوق الأسود سواء مباشرة بالرشوة أو غير مباشرة بالوعود الانتخابية عملاً بقاعدة إن من ينتخب يعمل لخدمة من انتخبوه حيث يستأثروا بخدماته من الموقع الذي انتخب فيه ومحاربة من أدلوا بأصواتهم لمنافسيه الذين لم يوفقوا حتى لو كان ذلك بمنح من صوتوا له ما لا يكفله لهم القانون وحرمان من لم يصوتوا له مما هو حق قانوني لهم بعكس ما يسود المجتمعات المتحضرة حيث تسود الحقوق بالمواطنة لا بالصوت الانتخابي ولو ثبت أن من تم انتخابه حرم مواطناً من حق مشروع أو أنه أنعم على صوت له بحق غير مشروع لفقد موقعه حتى لو كان أعلى مسئول هذه هي المفاهيم السائدة في المجتمع المتحضر وتلك هي مفاهيمنا في العالم المتخلف الذي ننتمي له حيث تحكمه قاعدة الصوت الانتخابي على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والرياضة ليست استثناء (كلنا في الهوا سوا) وهذا ما يفرق بين الدول المتحضرة وعلى رأسها أوربا وبين الدول المتخلفة ومن بينها الدولة التي ننتمي إليها الأمر الذي يعني أن الديمقراطية على المستوى السياسي حق العمل والترقي وحق المعاملة المميزة في كافة أوجه الدولة وقف على الحاشية والمؤيدين سواء للمكافأة لوقفتهم أو طمعاً في ضمان موقفهم أو كليهما معاً فهم تحت الحماية حتى لو عبثوا وفسدوا واختلسوا فجواز مرورهم صوتهم الانتخابي وولائهم المطلق. وكما قلت الرياضة ليست استثناء وبصفة خاصة في كرة القدم بعد أن أصبحت رياضة كرة القدم عالمياً ومحلياً مصدراً للثراء الفاحش مما رفع من قيمة الأصوات الانتخابية فها هي الفيفا بعد أن سلك قادتها طريق العالم التالف واتخذت من مفاهيمه الفاسدة وسيلة لقهر المفاهيم المتحضرة أصبحت من أغنى مؤسسات العالم اقتصادياً فاهتزت مكانتها تحت الاتهامات المتبادلة بين المتصارعين بسبب الفساد الذي استشرى فيها على أعلى المستويات ولم يكن غريباً أن تثور الاتحادات الأوربية في وجه اتحادات دول العالم التالف حتى أن أشهر الكتب الأوربية عن الرياضة الكتاب الشهير (كيف سرقوا اللعبة) للصحفي ديفيد والوب والذي اعتمد على اتهام الأروبيين للفيفا باستغلال فساد دول العالم الثالث لتحكم الرياضة باللعبة الانتخابية حيث عرفت كيف تستغل ضعاف النفوس في دول العالم التالف إلا من قلة قليلة. لا تذكر وإذا كانت الرياضة ليست استثناء من هذه القاعدة وأن الفيفا لم تخرج عن هذه القاعدة فإن الرياضة في السودان لم تخرج عن هذه (القاعدة) فقد ارتبطت المعارك الانتخابية بشراء ذمم ضعاف النفوس وساعد على ذلك سرية التصويت الأمر الذي جعل من حاملي تفويضات الاتحادات أن تتحول لسلعة يقام لها المعسكرات مع أنه ليس هناك مبرر لأن يكون التصويت سرياً طالما أن صاحب التفويض إنما يصوت بالوكالة عن مجلس إدارة اجتمع علانية وحدد موقفه مدوناً في مضابط اجتماعاته ومع ذلك فإن سرية التصويت لا تضمن التزام المفوض بما قرره المجلس الأمر الذي حول المفوض إلى سلعة يتم إخفاؤها في المواقع السرية وأحياناً تجريدهم من وسائل الاتصال مع تحمل تكاليف الترحيل والخدمات خمسة نجوم بجانب المعلوم لضعاف النفوس مادياً وعينياً عند اللزوم. هذا الواقع المؤسف جعل أصحاب الضمير الحي والمبادئ أن تحاصرهم الشبهات وهم براء منه ولكن من يصدقهم وسط هذا الجو والسلوكيات التي تحاصر الانتخاب لهذا بعضهم لاذ بالهروب من هذا الوسط وبعض آخر يعد نفسه للهروب حتى عرف الوسط الرياضي بأنه طارد والمؤسف أن الأندية نفسها ليست استثناء من هذا الواقع. مظاهر الفساد والإفساد امتدت وتنوعت وطالت الكثيرين من القطاعات الصحفية خاصة بعد هيمنة أصحاب المال على كافة الأوجه حتى أصبحت كرة القدم تحرك بالريموت كونترول كقطع الشطرنج وتحول القطالع الرياضي لأحزاب وشلليات موالية لأصحاب الجاه والسلطان. والمؤسف أن هذه الظاهرة انتقلت لداخل الملعب وأصبحنا نشهد أزمات غريبة من نوعها لم يألفها الوسط الرياضي عبر تاريخه حتى تهدد الملعب أن ينقسم لأحزاب وشلليات كما هو الحال خارج الملعب وهذا مكمن الخطر حتى المشجعين أصبحوا شيعاً وأحزاباً تعمل لحساب أطراف الصراعات تحت أجندة أصحاب المال. وكما يقول المثل (خربانة من كباره) وعندما تخرب من كباره يستحيل إصلاحها وهذا هو الحال: فالفيفا بسبب جشع القائمين عليها للمال لم تعد كياناً منظماً للنشاط وإنما كيان مهيمن على الرياضة حباً في المال والاستئثار به وتوجيهه بما يضمن الأصوات الانتخابية وانتقلت العدوى للكاف الذي سار على درب الفيفا ولم يعد منظماً لنشاط وإنما قابصاً ومهيمناً على مفاصل الرياضة قارياً للسيطرة على مصادر المال الذي انفتحت أبوابه بفعل التسويق والإعلان وهكذا امتد الحال للاتحاد العام الذي لم يعد منظماً لنشاط الأندية صاحبة الحق والأصل وإنما مهيمناً على مفاصل المال حيث أصبحت هذه أهداف وأولويات الفيفا والكاف ومن بعدها الاتحاد العام وما فيش حد أحسن من حد. يحدث هذا في الوقت أن الأصل في كرة القدم الأندية فلولا الأندية لما كان هناك لاعب ولما كان هناك اتحاد. والاتحادات ليست الا وسيط منظم لنشاط الأندية فكيف تصبح الأصل والأندية الفرع وكيف يستولي الوسيط الفرع على حقوق الأصل ولكنه الطريق الذي انحرفت له الفيفا وأفردت حماية للاتحادات لتسير على دربها وكله عند العرب صوت انتخابات. دخل المباريات هو حق الأندية وأذكر أنه حتى وقت قريب وكنا في القاهرة إبان مباراة الهلال والأهلي في نهائيات بطولة الأندية الأفريقية وكانت هناك بعثة إعلامية كبيرة واتصلنا كجمعية صحفيين بالاتحاد المصري لترتيب دخول الصحفيين اعتذر الاتحاد المصري لأن الأهلي المصري هو صاحب المباراة وأنهم كاتحاد ينعم عليهم الأهلي بعشر تذاكر فقط وهكذا كان حال كل المباريات في مصر كما أن الإعلان والتسويق حق للنادي وهو الأصل ولا علاقة للاتحاد بالأمر وحتى الملعب الذي يسوق هو ملك النادي وكل نادٍ حسب قدراته. الآن هيمنت الفيفا والكاف والاتحاد العام على مفاتيح الدخل وسلبت الأندية حقها في التسويق والإعلان الأمر الذي فجر واحدة من أكبر الأزمات لتصبح الأندية متسولة ونقابة تهدد بالإضراب لتسترد حقها، بل أعطى الاتحاد نفسه الحق في منح الإكراميات وتقسيم دخل المباريات، بل وأن يلزم الأندية أن تصرف على قطاعات أخرى لا تمت لها بصلة، بل فرض الاتحاد ومنذ فترة طويلة نفسه على الأندية ليرسل مندوباً منه أسموه رئيس بعثة النادي مع أن هذا حق أصيل للنادي ولا يحق للاتحاد أن يفرض نفسه على النادي ولكن الأمر كان بالنسبة له عملية استقطاب للأصوات الانتخابية حيث يوزع رئاسة البعثات على محاسيبه مكافأة لهم أو استقطاباً لهم وأصبحت رئاسة الاتحاد كعكة تقسم دون أي معايير مع أن رئاسة البعثة ليست سياحة وإنما مهام تقوم على الكفاءة والخبرة المتراكمة وليس هناك أي مبرر لأن يكون الاتحاد ممثلاً في بعثة خاصة بالنادي وقد شهدت شخصياً بعثة للهلال رئيسها رحمة الله عليه الطيب عبدالله وأخرى للمريخ رئيسها أبو العائلة رحمة الله عليه ولولا الحياء لقلت إن من يسمون مناديب للاتحاد ورؤساء البعثات كانوا كماً مهملاً في البعثة حتى في بروتكول الجلوس فالأندية المستضيفة لا تعرف غير النادي ويا لها من مفارقة فقد لاحظت في القاهرة طوال أربعة عشر عاماً أن كل بعثات الأهلي يرأسها نفس الإداري من النادي ولما سألتهم لماذا لا يوزعون الرئاسة بعدالة على منتسبيهم في الإدارة ضحكوا وقالوا لي هل رئاسة البعثة فسحة نوفرها سياحة لمنسوبينا أم إنها مهمة كبيرة تحتاج خبرة في إدارة البعثات لهذا يكون جديراً بها من اكتسب الخبرات في إدارتها فكيف نبعث كل مرة برئيس جديد لا يفهم في إدارتها شيئاً ليفقد رئيس البعثة الخبرة. هكذا هم وشوفوا كيف نحن.