في ورشة العمل التي تم عقدها بقاعة الشارقة يومي الأربعاء والخميس 21 ، 22/يوليو /2010 بعنوان حصاد المياه بولايات دارفور ، كاد أن يندلع جدال بين بعض المتحدثين والمناقشين حول ما هو أولي بالأسبقية لدارفور : تنفيذ مشاريع التنمية ومن ضمنها مشاريع المياه أولا لكي تتوقف الحرب الدائرة منذ أعوام أم إيقاف الحرب الدائرة أولا ثم تطبيق التنمية؟؟ . كما لا يخفي الخلاف بين الشريكين حول ترسيم الحدود والاستفتاء أيهما يجب أن يتم أولا ! هذا الجدل ذكرني بحلقات النقاش التي كنا نثيرها بطريقة عفوية ليس مخططا لها حينما كنا تلاميذ في المرحلة الوسطي « المدينة عرب الوسطي -1963-1967 » والتي كان يحتدم فيها النقاش بشدة في بعض المواضيع وأذكر أنه أحيانا كان يؤدي ذلك الاحتدام يؤدي الي خصومة بين بعض الأصدقاء قد تدوم شهورا قبل أن تعود المياه الي مجاريها بالتصافي والود . وأذكر جيدا أنه من بين المواد الأكثر إثارة للجدل في وقتنا ذاك كروية الأرض : فمنا من كان يؤمن بكرويتها ومنا من كان يقول بأنها مسطحة ، ولم نكن نعلم في ذلك الوقت بعقولنا الصغيرة أن الأرض كروية ومسطحة في نفس الوقت « صنع الله الذي أتقن كل شئ » ، والموضوع الثاني الأكثر جدلا : الدجاجة والبيضة : أيهما قبل الآخر . العجيب في الأمر أن أحد الأصدقاء علي يفاعة سنه كان يعجب من جدالنا خصوصا حول البيضة والدجاجة وأيهما أسبق باعتبار أن هذا الأمر محسوم عنده بالمنطق السليم حسب قوله وذلك لصالح الدجاجة ولا يشك في ذلك وأنها الأسبق بل وكان يقول ليست الدجاجة وحدها هي الأسبق بل ولابد أن يكون كان معها جندي مجهول اعتاد الناس جهلا أوقصدا علي إخراجه من حلبة الجدال هو « الديك » لكي يلقح الدجاجة لتخرج البيضة ، بل ولابد أن يكون كان هنالك ود ورحمة بين الدجاجة والديك و علاقة حميمة بينهما لينتجا بيضة ، فالبيضة علي حسب ما كان يزعم صاحبنا أبسط بكثير من أن تقارن بالدجاجة والديك أيهما أول .. أي أنه « صاحبنا » قد حسم الجدال لصالح الدجاجة بإدخاله الديك وتلك العلاقة الحميمة في المعادلة ، وبذلك يكون صاحبنا بفطرته قد أسدل الستار علي قضية ما زال علماء الطبيعة محتارون فيها . والأعجب أن القرآن الكريم يؤيد ما ذهب اليه صاحبنا حيث يقول المولي عز وجل « ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون - الذاريات آيةرقم 49 -» فأين ذاك الجندي المجهول الذي نسيه الناس كما نسي المجادلون الديك في معادلة الحرب والسلم والتنمية في دارفور ، وأين ذاك الجندي المجهول في مغالطة الاستفتاء وترسيم الحدود بين الشمال والجنوب ؟ ؟ ؟ وجب علينا أن نبحث عن ذلك الكم المجهول وندخله في المعادلة فبدونه لا يمكن حل المعضلتين أبدا أبدا. في رأيي أن الجندي المجهول والكم المجهول في معادلة السلم والتنمية والحرب في دار فور وكذلك ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب هو الهوية السودانية التي نسيها البعض فضاعت . هو الضمير السوداني الذي زوي بنفسه في غياهب اللامبالاة وذهب يصيح : نفسي نفسي ، هو أن نذكر ونتمسك بثقافتنا التي وحدت السودان منذ القرون الأولي . تري ما كان شاعرنا الفذ إسماعيل حسن فاعلا لو علم أن السودان سيتفرق أيدي سبأ وهو الذي أنشد قائلاَ : تصور كيف يكون الحال لو ما كنت سوداني وأهل الحارة ما أهلي !! . هو أن نذكر عرق آبائنا و الذي سكبوه علي طريق سكة حديد واو حينما وصلوه بالخرطوم وهم ينشدون : منقو ! قل لا عاش من يفصلنا ، هو أن نذكر معا فتياتنا وهن يتغنين في بيوت الأفراح « جوبا مالك علي أنا ، جوبا شلت عيني أنا » ، هو أن نذكر معا قول شيخ محمد عبد الرحمن زمان حينما كان يدخل الفصل ويقول « يالله يا أولاد اليوم حصتنا ح نزور فيها صديقنا منقو زمبيري في يامبيو والحصة الجايا ح نزور صديقنا صديق عبد الرحيم في القولد ! ». الكم المجهول في المعادلة هو أن يعلم جون وملوال وستيفن وجوزيف وبقية اخوتنا في الجنوب أنه في حالة الانفصال « لا سمح الله » وإذا ما عاني أبناء الشمال من شدة في العيش ، سوف لن يرتع أبناء الجنوب ، بل سيرتع أعداء الوادي من الأمريكان ومن شايعهم، وإذا ما خاف أبناء الشمال سوف لن ينعم أبناء الجنوب بالأمن ، بل سينعم به أعداء أبناء الشمال وأعداء أبناء الجنوب ، وإذا ما ما عطش أبناء الشمال ، سوف لن يروي أبناء الجنوب ، بل ستصدر مياه النيل الي إسرائيل من حيث لا يشعر أبناء الجنوب . وإذا ما ازدحمت السيارات في الشمال أمام محطات الوقود بسبب شح الوقود سوف لن تنطلق سياراتهم في الجنوب ، بل ستنطلق سيارات أعضاء منظمة بلاك ووترز وأمثالها وجنود الآفريكوم ! ، وإذا ما خيم الحزن علي ناشدات : جوبا مالك علي في الشمال ، سوف لن تفرح مغردات الملكية في الجنوب بل سيفرح مايكل و جاكسون في نوادي نيويورك ومن شايعهم في نوادي باريس و تل أبيب .ولنذكر سويا أنه ما أن خفتت أصوات العابدين المسبحين بحمد رب السماء والأرض في مساجد الخرطوم حزنا وكمدا ، فلن تصدح أجراس المعابد في جوبا بتمجيد المسيح ، فالكل واحد والقدر واحد والشعور واحد والأمل واحد . إذا ما تذكرنا ذلك كله فإن الوحدة آتية لا ريب فيها . علينا أن نذكر جميعا قبل هذا وذاك قول المصطفى « صلي الله عليه وسلم في حجة الوداع : لا ترجعوا بعدي ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض » وعلينا أن نذكر جميعا قبل هذا وذاك قوله سبحانه : « واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ». إذا ما ذكرنا ذلك كله وعدنا الي رشدنا فسوف لن يكون صعب علينا أن نرسم الحدود هنا أوهناك بل وسوف لن يكون صعب علينا أن نلغيها حتي ! وإذا ما ذكرنا ذلك كله فحتما سيعود عبد الواحد وإبراهيم لاذكاء نار القرآن التي انطفأت في كثير من خلاوي دارفور بسبب الحرب وليقودوا هم والذين يحملون السلاح مسيرة التنمية في كل النواحي . هلا أبعدنا جميعا شبح الحرب الأهلية و التي يكاد يجزم حتي الأطفال بل وحتي الأجنة في بطون أمهاتها بوقوعها إذا ظلت حالة الاحتقان و التعنت السائدة الآن : هلا اجتمعنا جميعنا : غرابة وشراقة ووسطيون وشماليون وجنوبيون علي كلمة سواء بيننا وهتفنا : أنا السودان ، ، أنا الوحدة ، أنا الخرطوم ، أنا نيالا ، أنا امدرمان ، أنا جوبا ، أنا سنكات ، أنا رمبيك ، أنا نمولي ، أنا حلفا ، أنا السودان حتي ترتسم البسمة في شفاه الجميع . ليت ذلك يكون .. قبل فوات الأوان ، يا رب . * مهندس مياه YMANGIL1@HOTMAIL .COM