في الآونة الأخيرة كثر الصراخ والعويل من المواطن الفقير والمسكين المغلوب على أمره من انفلات الأسواق ومن ولاة الأمر الذين يتربعون على مقاعد السلطة الوثيرة والغرفة المكيفة واجتماعاتهم المدورة، بحجة التخطيط والتنظيم وعندما تطلع القرارات نجدها في غير مصلحة ذلك المواطن الذي اقعدته الأمراض وفتكت بأسرته لعدم مجانية العلاج وطرد أبنائه من المدارس بعدم دفع الرسوم الدراسية، وفوق هذا انقطاع المياه والكهرباء وسوء التصريف الذي أودى بكثير من المنازل، وأسكن أهاليها العراء، حيث تفاجأ المواطنون بتشكيل لجان عاجلة للحد من ارتفاع الأسعار التي ربطوا مسبباتها بارتفاع النقد الأجنبي واختفائه، وكل هذه الأفعال بسبب الاحتكار لبعض الاشخاص لأهم موارد الدولة والسلع التموينية التي يتلاعبون في وفرتها متى ارادوا واخفائها كيف شاءوا ولا احد يحاسب أو يعاقب علي هذه الفعلة الشنيعة. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في معنى الحديث المحتكر خاطئ. والله سبحانه وتعالى يدعونا الى التعاون والتكافل فيما بيننا «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان»، وهؤلاء المحتكرون صاروا هم المهدد الحقيقي لأمن المجتمع، حيث يتولد لدى كثير من المعدمين روح الحقد والحسد والغبن الشديد من الظلم الذي وقع عليهم بفعل اخيهم الانسان الذي لا يرحم، ولدينا القول من لا يرحم لا يُرحم.. وقد وصل هذا الصراخ والعويل الى والي الخرطوم الذي أخذ يجتمع مع معاونيه في حكومته والمجالس التشريعية لعلهم يجدون المقترح لتخفيف الاعباء عن كاهل المواطن، وهذه الاسر المتعبة التي هدها الفقر والمرض والجوع والوالي يصرح بصعوبة التدخل في الحد من هذه الارتفاعات المفتعلة. ومن هنا نشير الى الأخ الوالي وأعضاء حكومته بأن في الخرطوم أجهزة تنظيمية ونظامية وذات قاعدة عريضة بالولاية تتمثل في الحركة التعاونية وهي تبدأ بالجمعيات القاعدية في الارياف والاحياء وجمعيات الزراعية والمتعددة الأغراض وجمعيات تجار التجزئة التي ساهمت عند الندرة في توصيل احتياجات المواطن التموينية اليه في داره، وعلى رأس هذه القائمة توجد الاتحادات الفرعية بكل من بحري وأم درمان والخرطوم وكل هذه المنظومة على رأسها الاتحاد التعاوني القومي. هذا القطاع لو أن وزارة المالية بولاية الخرطوم اتجهت اليه وأسندت اليه هذه المهمة لكفتكم شر هذه المعاناة وهذا العذاب الذي أضر بمصلحة المواطنين، حيث يمكن دعم جمعيات زراعية مقتدرة ومدها بما تحتاج من وسائل تطوير وتنويع منتجاتها الزراعية سواء للألبان أو تربية الدواجن بأنواعه لم تكن المنافس الحقيقي للقطاع الخاص الذي أصبح بسيطا على الأسواق بالاستيراد والتصدير والبيع بما يوافق المزاج بغرفة التجارة الحرة وما ذلك الا لأن الدولة قد استغنت عن القطاع العام ولم تتجه لتطوير التعاون كقطاع له الأثر الايجابي في حياة المواطنين. ان التحرير لا يعنى الاستغناء عن الحركة التعاونية بيع أصولها ومؤسساتها، كما حدث في ولاية الجزيرة او بيعت كل المنشآت من مطاحن ومعاصر ومصانع للغزل والنسيج . ولكن في الخرطوم هنا مازال يوجد جسم للحركة التعاونية وتوجد الاتحادات الفرعية، الاتحاد القومي، كما توجد جمعيات الاحياء والوزارات وتجار التجزئة والزراعية وهي تنتظر الاشارة والالتفات اليها حتى تأخذ دورها الحقيقي وسط الجماهير الذين اولوكم ثقتهم وقدموكم الصفوف لتحقيق الطموحات التي وعدتم بها وهي العيش في رفاهية وعاصمة حضارية، وبذلك وحده يمكن تحقيق المنافسة وكبح جماح وتحجيم الغلاء الفاحش بغير مبرر. إن أغنى الدول في العالم لم تستغن عن التعاون كما في الكويت واليابان وألمانيا ومصر التي تعتز وتفاخر بها في المحافل نجد التعاون ينتج المواد الغذائية ومواد البناء والادوية وهو يجد الاهتمام الكافي من الدولة والدعم المستمر والحركة التعاونية لم ينته دورها ونحن في مجتمع اسلامي مترابط ومتسامح يحتاج منا الى دعم هذه القيم الاصيلة وهي متأصلة لم يبق منها سوى اقامة المآتم وأيام الافطار في رمضان كمظهر يميزنا كسودانيين، ولو أن الدولة استعانت بالاتحاد القومي التعاوني والاتحادات بالولايات واعطتهم حصة من السكر لايصالها لاعضاء الحركة التعاونية والذين هم قطاع كبير لا يستهان به على مستوى السودان، وكذلك جزء من الفائض ليوزع على المواطنين بدلا عن احتكاره لعدد 26 تاجر اجمالي فقط على مستوى السودان، كما في الصحف السيارة لحلت مشكلة السكر ولما واصل الارتفاع المفتعل بين الحين والآخر وخاصة في رمضان من كل عام. إن قادة العمل التعاوني مطالبون الآن أكثر من أي وقت مضى برفع قدرات وامكانات مؤسساتهم واشاعة الفكر التعاوني في المدارس والجامعات حتى يسود التعاون، وعليهم كذلك وبالتنسيق مع والي الخرطوم في وزارة المالية للاسهام في تخفيف عبء ارتفاع الأسعار باعادة جمعيات العمل سيرتها الأولى بالدعم بدلا من الاتجاه الى اقامة المخيمات في الساحات والطرقات التي بدأت تعود لتوحي الى الناظر اليها ان في جوفها خفض الأسعار. وعلى الوالي ان يقتنع ان المخرج الوحيد والاساسي في مقبل الايام هو دعم الحركة التعاونية وسندها. فلو ان الولاية عملت على استيعاب الخريجين البالغ عددهم 50 ألف خريج في جمعيات انتاج وتسويق المحاصيل الزراعية لحلت كثيراً من المشاكل ، وهنالك تجارب سابقة في تعيين الخريجين في جمعيات زراعية استطاعت ان تخلق لنا رجالا منتجين امثال عبد القادر الحاج وبكري حيدوب اللذين استطاعا ان يكونا خبرة في المجال الزراعي وذلك من تعيين 5000 خريج في وظائف معلمين أو ضباط متحصلين، تحفظ للجميع حقوقهم بدلاً من اغتيال هذه الأسر الضعيفة والمجتهدة في كسب معاشها بالحلال وذلك بمراجعة سياسة التحرير التي تدعو الى الاحتكار كما نراها بعكس ما تنادي به السياسة. والله ولي التوفيق.