لا شك أن قراء هذه الصحيفة وخاصة الذين داوموا على مطالعتها خلال السنوات السبع الماضية، قد إفتقدوا خلال العامين الأخيرين واحداً من صحافييها المجيدين المجودين المثابرين هو الصحافي الشاب علاء الدين بشير الذي ترك بصمة واضحة على هذه الصحيفة قبل أن يهاجر مضطراً إلى أميركا ويستقر بولاية فرجينيا.. وعلاء رغم البعد والإبتعاد وعذابات الضنى لم يكن ضنيناً على بلده بل ظل في قلب المعمعة مهموماً بها وبقضاياها المفصلية وبوجه أخص قضية السلام والوحدة التي تابعها لحظة بلحظة من لدن وثيقة ناكورو مروراً ببرتوكول مشاكوس وإنتهاءً باتفاقية نيفاشا ولهذا لم يكن يتردد رغم مشاغله الجمة في رفد الصحيفة أو لفت نظرها الى ما يخدم قضايا البلاد المركزية وآخرها دراسة قانونية وافية عن الانفصال ستنشرها الصحيفة تباعاً خلال الايام القادمة، وفي آخر تواصل بيننا كتب لي علاء ما رأيت أنه يستحق أن أنقله من خانة الخاص الى العام، فإن وجدتم فيه ما يفيد فلا تشكروني وإلا فاعذروني واحتسبوها في خانة ( الاخوانيات)... العزيز حيدر شاكر للمشاعر الحميمة المنبجسة من رسالتك الاثيرية، أنا أيضاً أفتقدكم و الله وأفتقد السادة القراء و لكنى فى حالة إعتكاف أو خلوة طلباً للصفاء الروحى بجانب أننى دخلت و منذ فترة فى برنامج عمل سبعة أيام فى الاسبوع لم تتعدل سوى قبل نحو شهر و قد كانت علاقتى بالانترنت طوال تلك الفترة ضعيفة للغاية نسبة لضيق الزمن المتاح لي لملاحقة كثير من المطالب فى بلاد إيقاع الحياة فيها يسير كما الدينمو. و حنينى لبلادى و كسرة أمى (مش بتاعة وزير المالية) لا يمكنك تصوره خاصة بعد تجربتى الروحية فى بلاد عمنا (الفاضل) سام على هدى فكرة أبى الاستاذ محمود.. فالسودان عندى كما علّمنا أبونا الاستاذ غاية شريفة مثله مثل الاسلام و كما قال: (حب السودان من حب الله).. و إيمانى به إيمان عقيدة دينية و ليس مجرد فكرة وطنية، لكن أى سودان هذا الذى نحب؟ إنه السودان جمال إشراق و شرفة التاريخ ووطن الجدود .. أخو الواقفة و بتعشى الضيف و سيد الماعون.. الهدمو مترب و قلبه نضيف.. أنا لا أرى هذا الآن.. تجربتى الاخيرة فى السودان كانت مليئة بالاحزان عرفتها من خلال الاسلحة الصدئة التى إستُخدمت ضدي و من حتى من كنت أحسبهم أصدقاء مقربين.. إن القلوب صدئت فى بلادى و أظلمت جراء الظلام الذى خيم عليها . لست ناقماً على أحد بل اننى أرثى لحالهم فهم ضحايا وليتغمدنا الله برحمته الواسعة و يشملنا بفضله العميم جميعا، ودائما ما أستحضر في هذا المقام قصة سيدنا علي بن ابى طالب فى إحدى المعارك التى خاضها المسلمون ضد كفار قريش فحينما جندل الكافر و هم بأن يجهز عليه بصق الكافر على وجهه الكريم، فأنزل كرم الله وجهه سيفه و أعاده الى غمده وقال انه إنما كان يجاهد فى سبيل الله ولكن بعد أن بصق على وجهه وما صحبه من غضب لحظى اذا كان أجهز خلاله على الكافر فإنه سيكون إنتقام شخصي و هو ما سيجرّد كل عمله من القيمة و من أنه فى سبيل الله. لا أدعي لنفسى مقاماً أو فعلاً مثل ذلك فأين أنا (السجمان و مرمد بعيوبى الكثيرة الظاهرة لكم و الباطنة التى علمها عندى و عند ربى ) من مدينة العلم و بابها كما قال عنه النبى عليه الصلاة والسلام و لكنا نتشابى من أجل التأسى فالتشبه بالفالحين فلاح كما قال شاعرهم. كان سعي أبان عملي الصحفي فى مناصرة إخوتنا الجنوبيين و أهلنا فى دارفور ليس من أجل الكيد المعارض و إنما لأنهم مستضعفين ولأنى مستضعف أيضاً من أى ناحية أتيتنى سوى من عناد و إصرار من ألا أخضع للإبتزاز المستشرى فى ساحتنا و من قهر الرجال وليس طلباً (للقب مناضل) الذي أمقته أيما مقت.. و لكن كان نضالي إبتداءا نضالاً ضد خوفى الداخلي.. يحكى أن أحدهم جاء الى أبي الاستاذ محمود مهموماً بأنه أقدم على عمل ذمّه عليه قومه بأعتباره مفارقاً للدين و لكنه نخوة ورجولة منه أقدم عليه فرد عليه الأستاذ مطمئنا: (لما الرجالة والدين يتفارقو أمسك فى الرجالة و خلي الدين).. و حكى عنه أيضاً أن بعضاً من تلامذته أو زواره لا أدري على وجه الدقة سألوه مستغربين عن الحاقه لشيخ قبيلة الضباينة (ود زايد) بزمرة الأولياء الصالحين أصحاب القباب فى بلادنا و لم يكن يُعرف عن (ود زايد) أى مظهر للتدين فيما ألف السودانيين وإن ذاع صيته بكرمه الفياض و شجاعته وإقدامه حتى فشت سيرته بين القوم ب (قدح ود زايد) فرد أبي الاستاذ على سائليه قائلا: (هى الولاية شنو أكان ما رجالة وكرم؟)... ربنا يدينا نفحة من هذه السير العطرة.. أها.. كانت مثل هذه السير تهزني من الداخل و تمدني بتماسك داخلي فى سعي على بلاط صاحبة الجلالة. سنلتقي حتماً فى يوم قريب جداً بإذن الله فأنا على يقين بأن خيوط النور تستجمع الآن و سيغمر ضوء الشمس بلادنا الحبيبة قريباً قريباً.. أكرر أن الفجر آتٍ فأستبشروا... دمت ودام السودان فى حرز الله و صونه. و تحياتى الحارة لكل الزملاء الأفاضل و الزميلات الفضليات خاصة عم موسى و ميشو إن كانت ما تزال تعمل ب (الصحافة) وأرجو أن تمتد تحاياى الى خارج المبنى فى الجوار.. الى المرأة العذبة الصالحة الاصيلة عزيزة النفس... الى الميرم حواء ست الشاى جوار الفرنسى والى سادتنا القراء..