أن تجلس إلى مثقف من تونس فأنت في حقيقية الأمر تجلس إلى ثلاث ثقافات في وقت واحد، ذلك أن تونس الشقيقة تنهض على ثلاثة أبعاد ثقافية هي الثقافة العربية والإسلامية، والثقافة الإفريقية، والثقافة المتوسطية، منحها ذلك تعدداً في المصادر الثقافية، الأستاذ صلاح الدين معاوي المدير العام لاتحاد إذاعات الدول العربية (الأسبو) واحد من هؤلاء، تشعر أنه يخبيء الكثير من المعرفة والثقافة خلف لسانه قبل أن ينطق بكلمة واحدة، ثم تسعد في الحديث إليه وهو يحدثك بأفكار مرتبة، وكلمات سهلة، وخبرة كبيرة حازها من خلال مسيرته المتصلة في مجال الإعلام والمعرفة والثقافة والصحافة، سألته عن الخرطوم فحدثني عن السودان، وسألته عن تونس فأجاب عن الأقطار العربية، قال لي (زرت الخرطوم مرتين في العام 2001م، والآن 2010م، هناك تغيير معماري ونهضة لا تخطئها العين، لكن الذي لم يتغير هو الإنسان السوداني في صفاته الإنسانية النبيلة)، انتهزت فرصة تواجده لاجتماعات الجمعية العمومية لإتحاد إذاعات الدول العربية في الخرطوم المنعقدة في الفترة مابين 14 16 ديسمبر الجاري، والتي تعود إليها مرة أخرى منذ أن شهدت العاصمة السودانية ميلاد الإتحاد في العام 1969م، فعلى الرغم من قصر الوقت الذي منحتني له السكرتارية الخاصة إلا أن الرجل نفذ إلى العديد من الأسئلة والقضايا بلمحاته الذكية وتوقعاته التي لم تخطئ، فمرحباً به وبكم. * قلت له مرحباًَ بكم في السودان، وأرجو أن تعطينا فكرة عن تاريخ اتحاد إذاعات الدول العربية، ودور السودان بلد التأسيس باعتباره صاحب الفكرة والذي انعقدت به أول جمعية عمومية في فبراير من العام 1969م. الإتحاد أنشئي على أساس فكرة وحاجة، فأما الفكرة فكان لابد من قيام هيكل أو آلية أو مؤسسة تجمع الصوت العربي لتخدم رسالة إعلامية عربية موحدة، وأما الحاجة فذلك لوجود نوع من الفراغ العربي في تلك الفترة، وضرورة عمل إطار شامل يؤسس لعمل عربي مشترك، فإذاً الفكرة تركزت في قيام الهيكل، والحاجة في سد فراغ الحلقة المفقودة، وعلى هذا الأساس انطلقت الفكرة من السودان البلد الذي له أيادٍ بيضاء في قيام اتحاد إذاعات الدول العربية، وأن يكون البروفيسور علي محمد شمو هو أول رئيس للاتحاد، وقد انعقدت من بعد الآمال على هذا المولود الجديد في خلق عمل عربي مشترك، قامت عليه أسس الإتحاد ومبادئه، وها نحن نعود بعد أربعين عاماً للخرطوم مرة أخرى. * قلت له واحد وأربعون عاماً على عمومية الخرطوم الأولى في فبراير 1969م، وعموميتها الحالية في العام2010م، ماهي المنجزات التي تحققت، وماهي الإخفاقات التي وواجهت المسيرة؟ يمكنني أن أقول لك بكل الصدق إن هناك الكثير الذي تحقق، فقد نجحنا في تمتين أواصر التعاون مع الدول الأعضاء، وخلق تواصل عربي، وإرساء عمل إعلامي سمعي وبصري، ونشعر أن الإتحاد أدى رسالته على الوجه الأكمل، انتقل العمل خلال الأربعين عاماً الماضية بين خبرات متعددة ومتنوعة من أبناء وبنات أمتنا العربية في أجيالها المختلفة، كما تفوقنا في مجالات التكنلوجيا، فاتحادنا هو أول من أسس وعمل بنظام (المينوس) كنظام اتصال مبتكر في العالم، أعني إجمالا يا أخي، اننا نتطور ونؤسس في عملنا بالتزام مهني كبير ونحن فخورون بتحمل المسؤولية ونقلها للأجيال اللاحقة إن شاء الله. * إذاً أنت ترى أن اتحاد إذاعات الدول العربية (الأسبو) نجح في تحقيق هدفه الأول في تعزيز الإخاء العربي؟ نعم، الإتحاد في هذا الجانب نجح جداً، هذا رغم الشوائب والعقبات التي تعترض العلاقات العربية أحياناً، وذلك لأننا نتمسك بأهدافنا وخدمتها على أساس مهني عال، وبالتالي رسالتنا الإعلامية تقوم على ذات الأساس المهني، فإذا المهنية هي سر نجاحنا وعبورنا للمطبات، لا نقحم الخلافات العربية التي تطرأ على المشهد العربي في اجتماعاتنا، تبقى تلك الخلافات خارج دائرة طرحنا، وبفضل هذه المهنية تجاوزنا خلافاتنا العربية، وأسسنا لعمل عربي مشترك لا تشوبه شائبة. * قلت له: دعنا نتحدث عن العمل الذي قمتم به في التقريب بين الشعوب العربية من خلال الأسبو؟ شوف أخي الكريم، نحن نقوم بعمل منظومة تضامنية من البرامج التبادلية الإذاعية والتلفزيونية بين الدول العربية الأعضاء والمنتسبين، وذلك من خلال نظام (المينوس)، ويمنح هذا التبادل البرامجي الشعوب العربية التعرف على بعضها البعض، على ثقافاتها، عاداتها، تقاليدها، ومجتمعاتها، هذا التواصل الشعبي مادته الأساسية كما ترى هي الإذاعة مسموعة أو مرئية، وبالتالي هناك عمل يومي لتلك الإذاعات في التعريف ببعضنا البعض، وبحمل هم الوحدة والعمل العربي المشترك على أكتافنا، مساهمين في ذلك عبر الكلمة والصوت والصورة. * هل يمكن أن تعطينا فكرة عن المينوس؟ هو نظام اتصال يتيح نقل النص، والصورة والصوت والفيديو، وله القدرة على تحميل مواد إعلامية متنوعة، وهو نظام أنجزته عقول هندسية عربية، وهو إلى جانب ما ذكرت يقدم خدمات متنوعة شكلت نقلة وقفزة نوعية في مجالات الإذاعة والتلفزيون، وهو بالمناسبة ذو تكلفة أقل، والسودان هو أول بلد عربي أستخدم هذا النظام، وأفاد منه كثيراً، ونحن ننظر في الأسبو ننظر للسودان كرابط بين إفريقيا والعالم العربي، ونود من خلاله نقل تقنية الاتصال تلك لتستفيد منها القارة الإفريقية بأسرها. * لكن هل الصبغة الرسمية للأسبو إتحاد إذاعات الدول العربية يمنحها الحرية الكافية في عمل إذاعي إبداعي؟ أكرر لك ماقلته سابقاً (نحن نصر على المهنية)، فهي التي تجعلنا نتجاوز واقع المشكلات، والحرية طريق تصنعه المهنية، لكننا وفي ذات الوقت الذي نعبر فيه عن القطاع العام فإننا نضم إلينا الجانب الخاص، وعوامل التقارب بيننا هي التي تصنع مادتنا الإذاعية، وتمسكنا بالمهنية هو الذي يجعلنا نعتز ونفخر بما نقدم دون تصنيفات أو اتهامات. * قلت له كيف ترى الإعلام السوداني بعين خبيرة؟ لن أجاملكم إن قلت إن لديكم إعلاما رائدا في المنطقتين العربية والإفريقية، إذ يقف التاريخ شاهداً على ذلك، إذ سبقت الإذاعة السودانية في نشأتها في العام 1949م كل الإذاعات في المنطقة، وكان التلفزيون السوداني هو من أوائل التلفزيونات في المنطقة العربية في نشأته في العام 1962م، هذا الوضع وفر لكم السبق في نشأة اتحاد إذاعات الدول العربية، وأن تكونوا رواداً في العمل الإعلامي، وقد اشتهرت وعرفت الكوادر الإعلامية السودانية بكفاءتها وسمعتها المهنية الطيبة في المنطقتين العربية والإفريقية، كما نهضت لديكم العديد من القنوات الفضائية الخاصة، والإذاعات المتخصصة، وانتهز هذه السانحة لتحية الإعلام السوداني والقائمين عليه في القطاعين، متمنياًَ لكم التوفيق والتقدم. مسار شخصي: اسمه ولقبه: صلاح الدين معاوي، ولد في العشرين من يوليو في العام 1950م بالقيروان 160 كيلو مترا من العاصمة التونسية، درس ونال إجازة القانون العام بجامعة تونس، شغل منصب سفير تونس لدى المملكة العربية السعودية في الفترة من نوفمبر 2002م ديسمبر 2006م، وفي الفترة من فبراير 2001م مايو 2002م كان وزيراً معتمداً لدى الوزير الأول مكلفا بحقوق الإنسان والإعلام والعلاقات مع مجلس النواب، وعين وزيراً للسياحة والصناعات التقليدية في الفترة بين يناير 1995م ويناير 2010م، ورئيساً للمجلس التنفيذي للمنظمة العالمية للسياحة لدورتين 1998 1999م، وشغل معاوي إدارة الوكالة التونسية للاتصال الخارجي في الفترة من 1992 1995م، ومستشاراً أول لدى رئيس الجمهورية في الفترة من فبراير 1991م مارس 1992م، كما شغل منصب مدير عام مؤسسة الإذاعة التلفزة التونسية في الفترة مابين 1989 1991م، وأشرف في تلك الفترة على إعادة هيكلة القطاع السمعي والبصري وإصدار أول نظام أساسي داخلي للمؤسسة، ترأس إتحاد الإذاعات التلفزة الإفريقية من 1989م 1991م، وشغل منصب رئيس مجلس إدارة الشركة الجديدة للطباعة والصحافة والنشر، وفي الفترة من 1979 1986م كان رئيساً لتحرير صحيفة (الصحافة) الوطنية، نائب رئيس الجمعية التونسية لمديري الصحف، نائب رئيس الإتحاد الدولي للصحفيين، عضو اللجنة الدولية للإعلام «عالم واحد» الأممالمتحدة، عضو المجلس الأعلى للاتصال، وعضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وقد تم انتخاب السيد صلاح الدين معاوي مديراً عاماً لاتحاد إذاعات الدول العربية في دورتها العادية السادسة والعشرين اعتبارا من 1 1 2007م.