مضى حين من الدهر كان فيه البنك الزراعي السوداني في بيات شتوي بعد البدايات المشرقة التي صاحبت إنشاءه في عام 1959م، واصدار قانونه في يونيو 1957م.. وكان اول بنك متخصص، حيث تبعته بعد ذلك البنوك المتخصصة الاخرى كالبنك الصناعي والبنك العقاري، خاصة عندما اثبت نجاحا في تحقيق مقاصده واهدافه على رأسها تقديم التمويل لمقابلة التكاليف التشغيلية للمحاصيل، حيث كان المزارع يعاني الأمرين في الحصول على تمويل نقدي، مما اوقعه فريسة سهلة في مصيدة «الشيل» التي استنزفته تماما!! لذلك وجد الملاذ الآمن في البنك الزراعي، فاتجه اليه بكلياته ينهل من موارده المتجددة ويلتزم باجراءاته... وللبنك مهام اخرى تتمثل في التمويل العيني، وذلك بتوفير مدخلات الانتاج كالتقاوى والسماد والوقود والآلات، وحتى هذه كانت تسيطر عليها بيوتات تجارية وتحتكرها تماما، ويرضخ المزارع المسكين الى قانون الاذعان، حيث لم تتوفر له جهات اخرى تراعي ظروفه وأحواله المعيشية، لذلك وجد في البنك الزراعي تعاملا متفردا شعر من خلاله انه جزء مهم في علاقات الانتاج دون وصاية او استغلال، وفي مراحل متقدمة اتجه البنك الزراعي لتمويل آليات الري لرؤيته الثاقبة لمدى اهميتها للزراعة خاصة في الشمالية، نهر النيل، النيل الأبيض، الولايات الجنوبية ثم كسلا. وفترة الضعف التي مر بها البنك ترجع الى عدة اسباب، من ضمنها ضعف الموارد وضمانات سداد القروض.. وربما كانت قياداته ليست بذات الكفاءة الموجودة الآن، وبعد أن توفرت له قيادة حكيمة عملت على تلافي اسباب الضعف. وبدأ البنك الزراعي يخطو للامام بجهد العاملين وبالثقة التي اولتها له الحكومة متمثلة في وزارة المالية وبنك السودان الذي ظل يرعاه خاصة في عهد د. صابر محمد الحسن المحافظ الحالي للبنك المركزي، ولاهمية التخزين قفز البنك بطاقته التخزينية من مائة ألف طن بصومعة القضارف التي تم انشاؤها منذ عقود من الزمان، الى نصف مليون طن متري، كما قفزت فروعه من أعداد معلومة في بعض المناطق الى اكثر من تسعين فرعا، وبصدد إنشاء فروع جديدة كما اوردنا في التقرير الذي تم نشره الاسبوع الماضي، خاصة في مشروع الجزيرة حيث يضطلع البنك الزراعي بدور طليعي في عمليات التمويل، ولثقة الحكومة في كفاءة ادائه تم اسناد هذا الدور له. وفي اطار الدور المتجدد للبنك حيث كانت اسهاماته تتمثل في تمويل الزراعة فقط، اخترق مجال التسويق لاكمال الحلقة المترابطة، وكذلك الترحيل والمخازن المبردة والتصنيع الزراعي، بالاضافة الى مراكز الخدمات الزراعية وحفر الآبار الجوفية والتصدير، ثم كافة الخدمات المصرفية، واستقطاب القروض والمنح والتسهيلات للاستفادة منها في تمويل المشاريع الزراعية، وتحقيق التنمية الريفية الشاملة والمستدامة.. وبالتالي فإن انشطة البنك لا تأتي من فراغ، وانما في اطار فلسفة يتبناها البنك تقوم ركائزها على تحقيق مقاصد النهضة الزراعية التي تجد اهتماما كبيرا من الدولة، ومعالجة قضايا الانتاج والانتاجية وعلاقات الانتاج، لدفع المزارعين لمزيد من الجهد لزيادة الانتاج والانتاجية، وهي التي تعاني من مشاكل مستعصية تحتاج الى مثل هذه النظرة الشمولية والمتابعة اللصيقة، وتوفير الكوادر المقتدرة ذات الخبرات والتجارب الطويلة في هذا المجال. ويجيء ارتفاع رأسمال البنك الى مليار جنيه تأكيدا لمصداقية الدولة في الاهتمام بالأطر التي اوجدتها لمنفعة العباد والبلاد.. كما ان اسناد الدور التمويلي للثروة الحيوانية له يجعله صنوا فاعلا لبنك الثروة الحيوانية، ويكسبه تاريخه الطويل في معرفة المشاريع الزراعية وغيرها ميزة ايجابية في الاضطلاع بهذا الدور على أحسن وجه. نهنئ البنك الزراعي وقيادته الرشيدة والعاملين به بالعيد الذهبي، وهو يخطو نحو آفاق المستقبل وتحقيق أمانيه في السمو والتطور في عالم التمويل الزراعي الذي يعتبر رائده الأول.